قصة نَبيّ بَني اسرائيل الذى أخبرهم بأن الله بعث لهم طالوت ملكاً وقصة هارون ومؤمن آل فرعون... بسم الله الرحمن الرحيم، وسلام على المُرسلين والحمدُ لله رب العالمين .. السلام علينا وعلى جميع عباد الله الصالحين في الأولين و في الآخرين و في الملأ الأعلى إلى يوم الدين، ثم أما بعد ... يامعشر عُلماء المُسلمين إن من أتاه الله علم الكتاب لم يجد في القُرآن العظيم نبياً يُدعى يوشع بن نون، ولم يُنزل الله به من سُلطان في القُرآن العظيم. فهلموا يا معشر عُلماء الأمة لأعلمكم من هو النبي الذي كان في بني إسرائيل من بعد موسى عليه الصلاة والسلام في قول الله تعالى: { ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين} صدق الله العظيم [البقرة:246] وأحيط ابن عمُر المُكرم والصَديق وولياً حميماً، بأن ذلك النبي الذي كان في بني إسرائيل من بعد موسى أنّهُ نبي الله هارون أخو موسى عليه الصلاة والسلام. وقد تعمر هارون من بعد موسى أربعين عاماً، ومن ثم اكتمل زمن تحريم الله على بني إسرائيل دخول القرية التي كتب الله لهم، وجاء قدر دخولهم من بعد انقضاء الأربعين عاماً و قد كُتب عليهم القتال في زمن موسى وقال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ ﴿20﴾ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ ﴿21﴾ قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ ﴿22﴾ قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴿23﴾قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴿24﴾ قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي ۖ فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ﴿25﴾ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴿26﴾} صدق الله العظيم [المائدة] فهل تساءلتم يا معشر عُلماء الأمة لماذا هذا النبي لم يقود هو بني إسرائيل؟ وكذلك لماذا بني إسرائيل لم يطلبوا من هذا النبي أن يقودهم برغم اعترافهم بأنه نبيٌ لهم؟ فلماذا لم يطلبوا من نبيهم أن يقودهم بل قالوا: {ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} فلماذا لم يقولوا لنبيهم أن يقودهم ليقاتلوا في سبيل الله ؟ إذاً هذا النبي قد صار شيخاً كبيراً ووصل إلى أرذل العمر من بعد قوة ضُعفاً وشيبةً فهو لا يستطيع أن يقودهم نظراً لأنه أصبح شيباً عاجزاً. وكذلك بني إسرائيل يعلمون بأنه لم يُعد يستطيع لأنهم يرونه شيباً عاجزاً، ولذلك لم يطلبوا منهُ أن يقودهم بل قالوا اختر لنا منّا من بني إسرائيل من يقودنا لنقاتل في سبيل الله .. فهل تعلمون يا معشر عُلماء الأمة من ذلك النبي عليه الصلاة والسلام ؟؟ إنه نبي الله هارون أخو موسى عليهما الصلاة و السلام .. وانقضت سنين التحريم على بني إسرائيل دخولهم المسجد الأقصى في الكتاب و جاء الزمن المُقدر لدخول بني إسرائيل الأرض المقدسة التي بها بيت المقدس و لم يُعد رسول الله موسى موجوداً فقد توفاه الله خلال الأربعين سنة، ولكن أخاه هارون لا يزال موجوداً و لكنه قد أصبح شيخاً كبيراً لا يستطيع حمل السلاح ولا القتال نظراً لأنه قد أصابه من بعد قوة ضُعفاً وشيبةً وقد وهن العظم منهُ. ولكنهُ قال إن الله اصطفى عليكم طالوت ملكاً.. ولكن طالوت لم يكن من بني إسرائيل و لذلك قالوا أيكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه؟ .. فتعالوا لأعلمكم من هو طالوت الرُجل الصالح و الذي زاده الله بسطة في العلم ولسوف نعود إلى قصة موسى وعبدٌ من عباد الله الصالحين ولم يكُن نبياً ولا رسولاً وكان يعلم بأن هناك رجُل وامرأة صالحين وقد تبنوا لهم غلاماً لم يكُن من ذُريتهم وإنما لأنهم لم يأتي لهم أطفال، ولكن هذا الغلام كان من ذُرية شيطان من البشر ولا خير فيه وإنما تبناه هذان الأبوان الصالحان لوجه الله واتخذوه ولداً لهم ولا يعلمون من هم أبواه الحقيقين، وأراد الله أن يُبدلهم خيراً منه زكاةً وأقرب رحماً، ومعنى قوله أقرب رحماً أي من ذُريتهم، والآية واضحة وجلية بأن هذا الغلام ليس ابنهم من ظهورهم، وإنما تبنوه لوجه الله. وقال تعالى: {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ﴿80﴾ فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ﴿81﴾} صدق الله العظيم [الكهف] ولذلك قتل الرجل الصالح ذلك الغلام، وأبدلهم الله خيراً منه زكاةً وأقرب رُحماً، وذلك العوض الذي جاءهم من الله خيراً منه زكاةً وأقرب رُحماً، الذي أعطاه الله للأبوين الصالحين، إنهُ طالوت عليه السلام، الرجُل الصالح الذي أتاه الله المُلك وزاده بسطة في العلم و بلغ أربعين سنة يوم استلام القيادة من بعد نبي الله هارون الذي بلغ من الكبر عتياً، ومن ثم قُتل طالوت في المعركة واستلم القيادة من بعده نبي الله داوود عليه السلام .. ثم انظروا يا عُلماء الأمة ماذا قال لهم نبيهم هارون حين طلبوا منه القيادة فذكرهم بأنه قد كتب عليهم القتال من قبل في عهد أخيه موسى فلم يقاتلوا. وقال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا ۖ قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴿246﴾} صدق الله العظيم [البقرة] إذاً يا معشر عُلماء الأمة لم نجد نبياً غير هارون عليه السلام وأعلم بأن هارون أكبر من موسى ولكن موسى توفى قبل هارون ولذلك قال تعالى: {مِن بَعْدِ مُوسَىٰ} وهل يخلف موسى غير هارون؟ ولكنه قد أصبح كبيراً في السن بعد أن انتهت الأربعون سنة التي حرم الله عليهم الدخول إلى الأرض المقدسة، وقبل أن تنقضي يتيهون في الأرض كالبدو الرُحل يتتبعون الماء والمرعى ولا يدخلون الأرض المُباركة التي كتب الله لهم لو أعدّوا جيوش الأرض كُلها ما كان لهم أن ينتصروا حتى تنقضي الأربعون سنة حتى إذا جاء القدر لدخولهم المسجد الأقصى قاد الجيش طالوت عليه السلام وقُتل واستلم القيادة منهُ نبي الله داوود، وقتل داوود جالوت، وأتاه الله المُلك من بعد طالوت .. وأما الرُجل الذي تسمونه الخضر إنهُ عبد من عباد الله الصالحين كما أخبركم الله بذلك في القرآن في قوله تعالى: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا ﴿65﴾ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴿66﴾ قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا﴿67﴾} صدق الله العظيم [الكهف] والحكمة من ذلك حتى يعلم موسى وجميع المُسلمين بأنهم لا ينبغي لهم أن يُقسِّموا رحمة ربهم فيحصرون العلم على الأنبياء والمُرسلين. ويريد الله أن يعلم موسى وجميع المُسلمين بأنهُ يوجد هُناك من عباد الله الصالحين من هو أعلم من الذي كلمهُ الله تكليماً وكان يظن موسى بأنهُ أعلم الناس نظراً لأن الله كرمه و كلمهُ تكليماً، وأراد موسى أن يتلقى المزيد من العلم من هذا الرُجل الصالح. وقال الله تعالى: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا ﴿65﴾ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴿66﴾ قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴿67﴾ وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ﴿68﴾ قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ﴿69﴾} صدق الله العظيم [الكهف] وقال الرُجل الصالح لكليم الله موسى إنك لن تستطيع معي صبراً فقد حكم على موسى قبل بدء الرحلة أنه لن يستطيع معهُ صبراً ولكن موسى قال: {سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} فهل وجدتم موسى صبر حتى في واحدة ؟! بل تحقق ما حكم به الرجل الصالح {قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا}. ولذلك لم نجد موسى صبر حتى على واحدة من الأمور التي شاهدها. فذلك الجواب الحق على سؤالك يا ابن عمر المُكرم ولسوف أزيدك علماً عن الرُجلان من أتباع موسى من الذي أنعم الله عليهما والذي جاء ذكرهم في قوله تعالى: {قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴿23﴾} صدق الله العظيم [المائدة] وذلكما الرُجلان إنهما نبيُّ الله هارون ومؤمن آل فرعون الذي قال الله عنهُ: {وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} صدق الله العظيم [غافر:28] وقد علمنا بأن الله وقاه سيئات ما مكر به آل فرعون وأبقاه مع موسى وحاق بآل فرعون سوء العذاب وقُضي الأمر الذي فيه تستفتي يا من صدقني وكان عند الله صدّيقاً، وجزاك الله عني بخير الجزاء بخير ما أجزى به عباده المُكرمين .. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. أخوكم الإمام ناصر محمد اليماني..