توحي عملية «عاصفة الحزم» التي تشارك فيها عشر دول عربية ضد ميليشيات الحوثيين المدعومة من إيران، بإحداث تغيّر جديد في الواقع الإقليمي له خرائطه الصراعية وتحالفاته المحتملة، وله أيضا خرائطه التعاونية التي ستتبع صبغة التحالفات التي ستسبقها، وفق دراسة صادرة عن المركز العربي للبحوث والدراسات، عرض خلالها صاحبها محمد السعيد إدريس خارطة التحالفات المحتملة بعد عملية العاصفة، لافتا إلى الشروط التي من شأنها أن تسهم في نجاح التحالف العربي. تكشف عملية «عاصفة الحزم» التي تستهدف المتمردين الحوثيين في اليمن عن تشكّل واقع جديد من المحتمل أن يفضي بدوره إلى تشكّل معادلات جيوسياسية مختلفة عن السابق وبروز تحالفات جديدة تغير الخارطة السياسية في المنطقة. واقع جديد سيبقى أسيرا لمدى نجاح التحالف العربي، الذي يقود «عاصفة الحزم»، في إلحاق الهزيمة بالحوثيين وحلفائهم، وفرض معادلة توازن قوي جديدة داخل اليمن لصالح الإرادة الشعبية اليمنية التي طغى الحوثيون عليها، وحليفهم علي عبدالله صالح، من خلال دفع كلّ مكونات القوى السياسية والاجتماعية إلى مائدة حوار تنطلق مع تفعيل مخرجات الحوار الوطني الذي جرى على مدى أكثر من عام (2013- 2014) تحت رعاية الرئيس عبدربه منصور هادي. وسيتحدد هذا الواقع أيضا وفق نجاح الدول العربية في تشكيل القوة العسكرية العربية المشتركة الّتي من المقرر أن يعتمد مجلس الدفاع العربي كلّ تفاصيلها خلال ثلاثة أشهر من الآن. واقع إقليمي جديد، وفق هذين المحددين، سيضع إيران، التي ما زالت تعاني ألم الصدمة والمفاجأة من قرار بدء الحرب على حليفها الحوثي في اليمن، في وقت تجد فيه نفسها متورطة في أزمات الحرب في العراقوسوريا، إضافة إلى توجسّاتها من تطورات التفاوض حول برنامجها النووي والنتائج المتوقعة لهذا التفاوض مع مجموعة «دول 5+1» التي اقتربت كثيرا من لحظة الحسم في لوزان بسويسرا بين النجاح وبين الفشل. * ضربة موجعة لإيران جاءت «عاصفة الحزم» لتربك كل الحسابات الإقليمية السابقة، وتضرب في الصميم التطلعات الإيرانية لتحويل اليمن إلى تابع آخر يسيطر فيه حلفاؤها الحوثيون على مقاليد الحكم في البلاد، وتكون هي الظهير الداعم لهذا الحكم ومرجعيته، وبالتالي تفرض نفسها كقوة قادرة على التحكم في الممرات المائية العربية من الخليج العربي إلى مضيق هرمز إلى مضيق باب المندب ومنه إلى البحر الأحمر ومن ثم قناة السويس. وعندها تكون مصر مضطرة إلى اتّباع أحد الخيارين؛ إما الصدام المنفرد مع إيران وهو خيار مستبعد في ظل تبعثر القوة العربية وتفكك النظام العربي، أو خيار الرضوخ للإرادة الإيرانية والاضطرار للدخول في شراكة تعاون تتيح الفرصة لتفاهمات مصرية بخصوص الأوضاع السورية واللبنانية بعيدا عن المملكة العربية السعودية والدول الخليجية الأخرى، الأمر الذي يعطي لإيران من الناحية الأخرى فرصة فرض نفسها أولا كقوة إقليمية مهيمنة في الخليج في ظل التباعد المصري-الخليجي، وقوة إقليمية شرق أوسطية مهيمنة في مواجهة إسرائيل وتركيا. هذه الطموحات تبعثرت، والآن تجد إيران نفسها في موقع المصدوم الذي يريد الاستفاقة من صدمته، وستكون حتما مضطرة إلى البحث في تشكيل تحالفها الخاص القادر على المنافسة والتصدي للمتغيرات الجديدة. * خارطة تحالفات ما بعد العاصفة وفق كل هذه التفاعلات التي حدثت ما بعد العملية العسكرية العربية المشتركة المفاجئة التي استهدفت الحوثيين في اليمن من الممكن الحديث عن خارطة تحالفات باتت متوقعة تتمثل في: الحلف العربي: هذا الحلف جرى توليده من رحم حرب «عاصفة الحزم» في اليمن، وهو حلف سيجمع بداية القوى المنخرطة في القوة العسكرية العربية المشتركة، التي يرجّح أن تؤسس لمنظومة أمن جماعي عربي وفق صيغة تربط مجددا بين الأمن الوطني للدول الأعضاء، وما يمكن اعتباره أمنا قوميا عربيا له علاقة بالمصالح العليا والإستراتيجية للأمة العربية. هذا الحلف قد يدفع مستقبلا إلى تطوير جامعة الدول العربية بتحويلها إلى اتحاد عربي، له مرتكزاته السياسية والاقتصادية وله أداته العسكرية، لكن مثل هذا الحلف سيكون مستهدفا من كل الأطراف سواء كانت دولية أم إقليمية. فهو مرفوض حتما غربيا (أميركيا – وأوروبيا) وهو بالتأكيد مرفوض إسرائيليا وإيرانياوتركيا، لكن ربما تحاول تركيا أن تنسج لنفسها خيوط تواصل مع هذا الحلف العربي دون إخلال بتوازن علاقاتها مع إيران، ودون أن تتورط في تفاعلات صراعية غير محسوبة مع إسرائيل. لذلك سيبقى أمر هذا الحلف محكوما بمدى توفر إرادة سياسية صلبة لتكوينه، وبمدى عزيمة الدول الأعضاء في الدفاع عنه، والحيلولة دون اختراقه أو توريطه في صراعات غير محسوبة ليست لها علاقة بالأهداف المحددة له. الحلف الإيراني: هو ذلك التحالف الذي يمكن أن يتشكل بين إيران وكل من العراقوسوريا (بقيادتيهما الحالية الموالية لطهران)، ويمكن أن يضمّ مستقبلا التنظيمات الموالية لإيران شأن حزب الله في لبنان، الجهاد الإسلامي في فلسطين و «أنصار الله» الحوثيين في اليمن، وقد بدأ الحديث عن هذا التحالف بعد زيارة وزيري خارجية النظام السوري، وليد المعلم، والعراق، إبراهيم الجعفري، لطهران. وهنالك قيود إقليمية عربية وكذلك تركية من شأنها تحجيم مثل هذا التحالف، في حال تطوره من تنسيق ودعم إيراني للعراق وسوريا إلى تحالف سياسي- عسكري. حلف الجماعات المتشددة: هو التحالف المحتمل بين جماعة الإخوان المسلمين وتنظيمات السلفية الجهادية، والذي يريد فرض نظام إقليمي جديد بديل للنظام العربي هو نظام الخلافة الإسلامية في مواجهة التحالفين المحتملين السابقين. وبالنظر إلى هذه التحالفات المحتملة الثلاثة، قد ينحصر الصراع في المستقبل بين مشروعات ثلاثة؛ أحدها يريد أن يخترق النظام العربي بأدوار تتزعمها إيران، وآخر يريد إحياء النظام العربي بأفكاره وشروطه ومصالح أطرافه، وثالث هدفه تدمير المشروعين وفرض "الخلافة الإسلامية" كمشروع بديل. ولذلك وجب على البلدان العربية المؤمنة بمشروع القوات المشتركة أن تسرع الخطى وتكون ثابتة في توجهاتها ومرتكزاتها من أجل إنجاح تحالفها كي يكون سدا منيعا أمام الخطر المحدق الذي يمثله تشكل التحالفين المحتملين المذكورين سلفا. * شرق أوسط جديد وأكد تقرير ل«مركز الحوار الاستراتيجي» في الكلية الأكاديمية (نتانيا – تل أبيب) أن التطورات في اليمن تثبت أن ثمة شرق أوسط جديد يتشكل بعد «عاصفة الحزم»، مشيرا إلي أن السعودية تحت حكم العاهل الجديد الملك «سلمان» تتخذ موقفا قياديا رائدا في المنطقة ولا سيما في كل ما يتعلق بإقامة جيش مشترك لدول الخليج. وكتب «إفرايم سنيه» – عضو كنيست سابق ورئيس المركز – يقول في التقرير الذي نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت»، 30 مارس/آذار الماضي: «يمكننا أن نستخلص عدة استنتاجات من التطورات الأخيرة التي تحدث في اليمن الآخذ في الانقسام»: أولا: أن الجبهة الإقليمية ضد إيران التي تتكون أساسا من الضحايا المحتملين لعدوانها وطموحها للسيطرة، لم تعد فكرة نظرية بل باتت جبهة حقيقية ومقاتلة. ثانيا: أن السعودية تحت حكم العاهل الجديد الملك سلمان تتخذ موقفا قياديا رائدا في المنطقة ولا سيما في كل ما يتعلق بإقامة جيش مشترك لدول الخليج ومصر. ثالثا: أن مصر التي أرسلت قوة بحرية إلى مياه اليمن لن تتردّد في استخدام جيشها الذي يُعد الجيش الأكبر في المنطقة بعيدا عن حدودها. وأضاف: «يمكننا أن نستخلص أيضا من هذه الحملة في اليمن أن السعودية نفضت عن كاهلها التبعية المطلقة للولايات المتحدة، وأنه حين يدور الحديث حول مصلحة أمنية حيوية، فإن السعودية ستعتمد على نفسها وعلى شركائها الطبيعيين». ولكن «سنيه» قال عن الموقف الإسرائيلية من هذا التحول الإقليمي الجديد: «إن الدول الأعضاء في الائتلاف المحارب في اليمن ليست من محبي صهيون، لكن معظمها يتوق إلى التعاون مع «إسرائيل» في مواجهة التهديد الإيراني، غير أن تعاونا كهذا لن يحدث ما دامت «إسرائيل» تسيطر على مناطق الضفة الغربية وطالما أن حكومتها تتعامل باستخفاف مع مبادرة السلام العربية التي بادرت إليها السعودية سنة 2002 وما تزال تتمسك بها حتى يومنا هذا، و«إسرائيل» لا يمكنها أن ترتبط بشركائها المحتملين في المنطقة مع سيطرة الحكومة التي تم انتخابها هذا الشهر». وقال: «في الأشهر الأخيرة سيطر المتمردون الحوثيون على الجزء الغربي من اليمن بما في ذلك على شاطئ البحر الأحمر، ويطل الشاطئ الغربي من اليمن على مضيق باب المندب وهي المدخل الضيق لمسار الإبحار في البحر الأحمر الذي يربط بين المحيط الهندي وقناة السويس». ونوه لأن إغلاق باب المندب يقطع التجارة بين آسيا والغرب ويستوجب التفافا باهظ الثمن من جنوب قارة إفريقيا، وأن المتمردين «الحوثيين» الشيعة تلقوا تدريبا عسكريا من طرف «حزب الله» ودعما من إيران، وأنه بالنسبة ل«إسرائيل» تشكل السيطرة الإيرانية على مداخل البحر الأحمر خطرا استراتيجيا حقيقيا. وأشار لأن للسعودية حدود برية مع اليمن يبلغ طولها 1800 كيلومتر، وأن انقسام الدولة اليمنية وإقامة دولة لتنظيم «القاعدة» في شرقها ودولة بحماية إيرانية في غربها، «يشكل تهديد خطر على أمن المملكة». ولذا بادرت السعودية الأسبوع الفائت إلى شن هجوم عسكري ضد الميليشيات «الحوثية» التي تسيطر على غربي اليمن، وضمت إليها كلا من مصر ودول الخليج والسودان والمغرب، ولأول مرة يحارب ائتلاف من عشر دول عربية ضد السيطرة الإيرانية، ولم تعد «إسرائيل» تقف وحدها في مواجهة إيران. وأشار التقرير الإسرائيلي إلي أنه في مضيق باب المندب ثمة شاطئ آخر مقابل اليمن هو شاطئ إريتريا التي فُرضت عليها عقوبات دولية بمبادرة من الولاياتالمتحدة بسبب الدعم الذي تقدمه لمنظمة الشباب الإسلامية في الصومال، وبوسع «إسرائيل» أن تكون الجهة المبادرة إلى رفع العقوبات عن إريتريا ودمجها ضمن نظام أمني جديد في البحر الأحمر، ولكن حتى هذه المبادرة السياسية المتواضعة لا يمكن لحكومة «بنيامين نتنياهو» أن تتخذها بسبب وضعها الدولي السيئ. * شروط نجاح التحالف العربي وتؤسس «عاصفة الحزم» لتحالف عربي يتطلع لامتلاك قوة عسكرية مشتركة يربط بين الدول خليجية ومصر والأردن والسودان والمغرب وأطراف أخرى قد تجد نفسها ضمن هذا الحلف دفاعا عن مصالحها، ولكن نجاح هذا الحلف سيبقى محكوما بنجاحه داخل اليمن ليس فقط عسكريا بل وبالأساس سياسيا. فنجاح الحل السياسي في اليمن هو الذي سيشجع التحالف العربي على التفاعل مع الأزمات العربية الأخرى شأن سوريا وليبيا والعراق، وليس النجاح العسكري الذي قد لا يجد لنفسه فرصة نجاح أخرى في تلك الأزمات على نحو ما استطاع تحقيقه في اليمن. هذا النجاح السياسي له شروطه ومرتكزاته، فهو لا بد أن يرتكز على قاعدة من توازن القوى الجديد داخل اليمن لصالح الأطراف الداخلية الداعمة ل «عاصفة الحزم» والتي كانت مشاركة في الحوار الوطني. أما شروطه فمن أبرزها التدمير الكامل للقدرات العسكرية للحوثيين ومحاكمة كل المتورطين في قتل وتعذيب واعتقال اليمنيين خلال الأِشهر التي شهدت الانقلاب الحوثي على السلطة الشرعية، وتوفير الحماية الجوية والبحرية لليمن القادرة على منع أي تغلغل أو نفاذ إيراني إلى الداخل اليمني، وأخيرا وضع برنامج سياسي يعيد بناء الجيش الوطني، ويؤسس لنظام حكم وطني ديمقراطي غير طائفي يرتكز على قاعدة المواطنة ويحفظ لليمن أمنه واستقراره. هذه النجاحات المأمولة هي التي ستحكم مستقبل التحالف العربي أو التي ستحكم عليه، وهي التي ستضع من ناحية أخرى المحددات الحاكمة للتمدد الإيراني ولنشاط المنظمات الإرهابية داخل اليمن وفي المنطقة.