تقود المملكة العربية السعودية وحلفاؤها في الخليج حملة دبلوماسية شديدة القوة لمنع التدقيق الدولي حول ما ينتج عن ضرباتها الجوية خلال الستة أشهر الماضية في اليمن، وفق العديد من المصادر الدبلوماسية والوثائق السرية التي استطاعت فورين بوليسي الحصول عليها. التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن قد عزز من عدد الضربات الجوية على الأراضي اليمنية في الأسابيع الأخيرة، أثار هذا الهجوم الضاري قلق ومتابعة العديد من المسئولين والدبلوماسيين في الأممالمتحدة حيث يرون أن الحرب دخلت مرحلة جديدة أشد صعوبة وأكثر فتكًا. الصراع الذي نتج عنه حتى الآن مقتل 2000 من المدنيين بالإضافة إلى إصابة ما يزيد عن 5000 اتسم بالانتهاك الشديد لحقوق الإنسان من كلا الطرفين.
ولكن بالتأكيد فإن أغلب الضحايا من المدنيين قد سقطوا نتيجة الضربات الجوية الأمريكية المدعمة بالتأييد الخليجي، وفقًا للعديد من المصادر في الأممالمتحدة.
كانت المملكة العربية السعودية وحلفاؤها قد بدأوا التدخل العسكري في اليمن في مارس الماضي لاستعادة السلطة.
اليوم التالي مباشرة، بدأ التدخل العسكري الخليجي فورًا بقيادة المملكة العربية السعودية والتي استقبلت الدعم اللوجستي والمساعدات العسكرية من الولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث قامت ببدء الضربات الجوية مما أحدث الكثير من الخسائر بين المدنيين، بين وفيات وإصابات نتيجة للغارات الجوية وفق مسؤولين رسميين بالأممالمتحدة. فرضت كذلك قوات التحالف حصارًا بحريًّا شديدًا على مينائيّ عدن والحديدة أدّى لقطع جميع الواردات الحيوية كالغذاء والوقود والدواء والكثير من عناصر الحياة الأساسية الأخرى.
الجمعة الماضية، داخل الغرف المغلقة، ليلى زروقي الممثلة الخاصة للأمين العام المعنية بالأطفال والصراعات المسلحة، أخبرت اللجنة الفرعية لمجلس الأمن في الأمممالمتحدة بأن التحالف الذي تقوده السعودية قد ارتكب جرائم بشعة بحق الأطفال. هجمات التحالف أدّت إلى مقتل وإصابة 590 طفلًا في الربع الثاني من عام 2015، ما يمثل 73% من الأطفال الذين تعرضوا للقتل أو الإصابة طوال الحرب. على الجانب الآخر، فإن الحوثيين قد تسببوا بمقتل وإصابة 142 طفلًا وهو يمثل ما نسبته 18% من الضحايا القاصرين خلال نفس الفترة وفق ما قالته زروقي واستطاعت فورين بوليسي الحصول عليه.
منذ السادس والعشرين من مارس وحتى نهاية أغسطس، لقي 1900 من المدنيين بينهم 400 طفل مصرعهم في اليمن، بالإضافة إلى إصابة 4000 من المدنيين من بينهم 600 طفل وفق تصريحات زروقي.
قالت زروقي متحدثةً للمجلس: “هذا الرقم هو ثلاثة أضعاف الأطفال الذين قُتِلوا أو تم تشويههم خلال عام 2014 بأكمله”.
ولكن بالتأكيد عدد ضحايا هذه الحرب منذ بدايتها يفوق هذه الأرقام بكثير. تُقدِّر مُنسَّقية الشئون الإنسانية التابعة للأمم المتحدة أعداد الضحايا الذين قُتِلوا خلال هذه الحرب ب 5037 قتيلًا، بالإضافة إلى ما يزيد عن 25000 مصاب. هذه الأرقام، دون تمييز بين مدنيين وعسكرين تم حصرها بواسطة منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة اليمنية والمراكز الطبية في أنحاء اليمن.
في جنيف، وفي الوقت نفسه، يحاول السعوديون وحلفاؤهم في الخليج تجنُّب دعوة الأممالمتحدة لإجراء تحقيق مستقل حول انتهاكات حقوق الإنسان من قِبَل جميع أطراف الصراع في اليمن. وفي اجتماع حكومي خاص جمع كلًّا من البحرين وقطر والإمارات، استطاعت فورين بوليسي الحصول على تفاصيله، درسوا أثناء الاجتماع كيفية تجنُّب إجراء تحقيق مستقل حول انتهاكات حقوق الإنسان، كما أكَّدوا على أن لجنة التحقيق التي تم تشكيلها بواسطة حكومة عبد ربه منصور يجب أن تُعطى الفرصة لتحديد ما إذا كانت قادرة على القيام بهذه المهمة، كما تقدمت المملكة العربية السعودية بمشروع قرار تجاهلت فيه تمامًا اجراء أي تحقيق دولي.
في الفترة التي تسبق الاجتماع السنوي للأمم المتحدة، وعلى الرغم من تصعيد الغارات الجوية في اليمن، قامت السعودية والدول الخليجية المتحالفة معها بتدشين حملة قوية لتحسين سمعتها في كل من نيويورك وواشنطن.
الدبلوماسيون السعوديون في نيويورك قاموا بدعوة الصحفيين لحضور اجتماع بالقرب من مبنى الأممالمتحدة يوم الجمعة الماضي، وأكَّدوا فيه تقديم الرياض للمساعدات الإنسانية للمدنيين في اليمن، كما قامت السعودية والدول الخليجية بتوضيح الخطوات التي قاموا باتخاذها لأعضاء مجلس الأمن لمحاولة منع سقوط ضحايا من المدنيين.
الأمير تركي بن محمد بن سعود الكبير وكيل وزير الخارجية السعودي للعلاقات متعددة الأطراف قال مصرحًا لمسئولي الأممالمتحدة ووكالات تقديم المساعدات الإنسانية في نيويورك: “السعودية وقوات التحالف الخليجي يسعون جاهدين لتدعيم أي عمليات تهدف لحماية وتوصيل المساعدات اللازمة للمدنيين في اليمن والتي ترسلها المنظمات الدولية والإقليمية”.
هذا الطرح يخالف تمامًا تقارير الأممالمتحدة التي رصدت تسبُّب الغارات الجوية للتحالف في سقوط الكثير من الضحايا من المدنيين. في يوم واحد فقط من شهر أغسطس، تسببت الغارات الجوية في مقتل أكثر من 65 شخصًا حيث تم قصف 17 منزلًا في مدينة تعز وفقًا لمنظمة أطباء بلا حدود، هذا العدد من القتلى تضمن 17 طفلًا و20 امرأة.
الحوثيون –الذين بدأوا حربًا في العام الماضي ضد الحكومة اليمنية الانتقالية - تسببوا أيضًا في مقتل الكثير من المدنيين كنتيجة للقصف العشوائي على الأحياء اليمنية.
المفوّض السامي للأمم المتحدة، الأمير زيد بن رعد الحسين قام بالدعوة إلى تحقيقٍ دولي مستقل وغير متحيز عن الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان في اليمن. منذ ذلك الحين تقدمت هولندا بمشروع قرار قبل اجتماع لجنة حقوق الإنسان بالأممالمتحدة بتشكيل بعثة من الأممالمتحدة تضم خبراء في مجال حقوق الإنسان لاستعراض الأوضاع في اليمن. الدعوات لإيفاد لجنة من الخبراء لدراسة الأمور على الأرض كانت قد بدأت منذ سبتمبر من العام الماضي، هذا الطرح لاقى قبولًا من الحكومات الأوروبية، بما فيها البريطانية، ولكن يرى البعض أن عدم موافقة أمريكا حتى الآن هو نتيجة لدعمها للضربات الجوية السعودية في اليمن.
“الولاياتالمتحدة دعمت بقوة الغارات الجوية التي تقودها السعودية لذا لم تظهر موقفًا واضحًا بشأن إيفاد بعثة للتحقيق بشأن الجرائم التي تحدث في اليمن”، هكذا صرح فيليب بولوبيون من منظمة هيومان رايتس ووتش لحقوق الإنسان، ويواصل: “هذا الأمر بالتأكيد يخالف اتجاه الولاياتالمتحدة التي تحاول تدعيم التحقيقات الدولية في انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا وكوريا الشمالية وليبيا وسريلانكا وإريتريا”.
في تصريح لفورين بوليسي الخميس الماضي، قالت سامنثا باور سفيرة الولاياتالمتحدةالأمريكية في الأممالمتحدة بأن الإدارة الأمريكية تابعت عن قرب النقاشات التي تدور في جنيف، وتؤمن بأن لجنة الأممالمتحدة لحقوق الإنسان والمفوض السامي لحقوق الإنسان لديهما دور هام جدًّا تجاه الموقف الإنساني في اليمن.
“هنا في نيويورك، نحن وشركاؤنا في مجلس الأمن قمنا بحَثِّ جميع الأطراف المتنازعة في اليمن على الالتزام بالقوانين الإنسانية الدولية، بما في ذلك اتخاذ جميع الاحتياطات اللازمة لتقليل الضرر الواقع على المدنيين وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية والوقود لجميع أنحاء اليمن من خلال جميع الموانئ اليمنية، هذا أمر مهم بسبب الاعتماد الكُلّي لأغلب اليمنيين على الوقود والطعام القادم من الخارج”.
كما أعرب مسئول أمريكي بارز في الأممالمتحدة عن قلقه مما يقوم به السعوديون في اليمن، ولكنهم لا يمكنهم أن يخذلوهم، لأن ذلك ربما يؤدّي إلى ابتعاد السعوديين عن الولاياتالمتحدة والذي يشكل تحالفًا امتد لسنوات طويلة.
على الرغم من موافقة التحالف على دخول الأممالمتحدة لليمن، تقول منظمات الإغاثة الدولية بأن الحرب الدائرة في اليمن هي حرب طاحنة لدرجة تُصعِّب وصول المساعدات لمن يحتاجونها. على الرغم من أن منظمة الصليب الأحمر الدولية قامت بتوصيل المساعدات خلال العديد من الحروب الأهلية، إلا أنها واجهت صعوبات كبيرة في اليمن.
على مدار عدة أشهر، كانت هناك شكوى مستمرة لمسئولي الأممالمتحدة لعدم موافقة التحالف الذي تقوده السعودية على فتح الموانئ اليمنية باتجاه التجارة الواردة. قبل هذه الحرب، كانت اليمن تستورد 90% من احتياجاتها من الغذاء والوقود والدواء والكثير من البضائع الحياة من دول أجنبية. ولكن مع دخول التحالف إلى الصراع تم تقييد دخول الشحنات إلى الموانئ اليمنية؛ مما أدّى إلى حصار فعلي.
ستيفن أوبراين، وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية في الأممالمتحدة صرّح في أغسطس الماضي بعد انتقاله إلى اليمن بأن المعاناة التي تواجهها حقوق الإنسان في اليمن لا يمكن تخيلها، حيث تم تشريد ما يزيد عن 1.5 مليون مواطن نتيجة لأعمال العنف بالإضافة إلى مقتل وإصابة ما يزيد عن 1000 طفل. هذه الأزمة الإنسانية –كما يصفها- نتجت عن تضييق الخناق على الواردات التجارية الأساسية؛ مما أدّى لندرة المواد الأساسية كالغذاء والوقود، كما يرى أن المساعدات الإنسانية التي تصل غير كافية لتغطية احتياجات بلد كامل يصل تعداد سكانه إلى 26 مليون نسمة.
المملكة العربية السعودية من جانب آخر تحاول تقديم المساعدات الإنسانية في اليمن، فعندما طلبت الأممالمتحدة جمع ما مقداره 274 مليون دولار من أجل تدعيم أعمال الإغاثة الإنسانية في اليمن، طلبت السعودية التكفل بكامل المبلغ، ولكن هذه الجهود السعودية جاءت متأخرة جدًّا.
أصر السعوديون في البداية أن تتم عملية الإغاثة من خلال التنسيق مع جمعية خيرية حكومية –مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية– بالإضافة إلى ضمان أن البضائع التي يتم شراؤها بهذه الأموال لا تصل إلى المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.
اعترضت الأممالمتحدة على هذه الشروط، معللة بأنها تخالف تمامًا جميع معايير المساواة الإنسانية. استمرت المفاوضات لمدة تزيد عن 5 أشهر، وفي غضون ذلك رفضت الجهات المانحة الأخرى التي تتعاون مع الأممالمتحدة المشاركة في التبرعات متعللين بأن المبالغ المطلوبة قد تم توفيرها بالفعل.
كما تم وضع شروط للأمم المتحدة بوضع نظام محكم للمراقبة للتحقق من وصول المساعدات الإنسانية والبضائع التجارية التي تصل من الحكومات الأجنبية، والتأكد من أن الشحنات الواردة لا تحتوي على مساعدات عسكرية للحوثيين، ولكن نظام المراقبة والتأكد الذي أعدته الأممالمتحدة لم يتم تمويله بشكل كامل، ما يُشعِر جمعيات الإغاثة الإنسانية بالغضب الشديد كما يقول مسئولون رسميون بالأممالمتحدة مصرحين: “يواجه 25 مليون شخص خطر المجاعة، ولا يبالي أحد بذلك”.