البوم    أمن عدن يلقي القبض على شخص بحوزته عبوات جاهزة للتفجير    الرئيس الزُبيدي يستقبل مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة ونائبه    رونالدو يطالب النصر السعودي بضم لاعب جديد    الاشتراكي اليمني يعزى في استشهاد المناضل طلال الوظيفة مؤكداً تأييده المطلق للشعب الفلسطيني في كفاحهم المشروع مميز    انخفاض أسعار الذهب إلى 2354.77 دولار للأوقية    شهداء وجرحى جراء قصف جوي ومدفعي إسرائيلي على شمالي قطاع غزة    "وزير الكهرباء يهرب من عدن تاركاً المدينة في الظلام!"    السفيرة الفرنسية: علينا التعامل مع الملف اليمني بتواضع وحذر لأن الوضع معقد للغاية مميز    جيسوس يحسم مستقبله مع الهلال السعودي    هجوم إسرائيلي كبير على مصر    مباحثات يمنية - روسية لمناقشة المشاريع الروسية في اليمن وإعادة تشغيلها    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    أزمة الكهرباء تتفاقم.. دعوات للعليمي والحكومة بتقديم الاستقالة    الاكاديمية العربية للعلوم الادارية تكرم «كاك بنك» كونه احد الرعاة الرئيسين للملتقى الاول للموارد البشرية والتدريب    صراع الكبار النووي المميت من أوكرانيا لباب المندب (1-3)    رشاد كلفوت العليمي: أزمة أخلاق وكهرباء في عدن    احتجاز عشرات الشاحنات في منفذ مستحدث جنوب غربي اليمن وفرض جبايات خيالية    وكالة أنباء عالمية تلتقط موجة الغضب الشعبي في عدن    ماذا يحدث في عدن؟؟ اندلاع مظاهرات غاضبة وإغلاق شوارع ومداخل ومخارج المدينة.. وأعمدة الدخان تتصاعد في سماء المدينة (صور)    قيادي انتقالي: الشعب الجنوبي يعيش واحدة من أسوأ مراحل تاريخه    فريق مركز الملك سلمان للإغاثة يتفقد سير العمل في بناء 50 وحدة سكنية بمديرية المسيلة    بناء مستشفى عالمي حديث في معاشيق خاص بالشرعية اليمنية    دموع ''صنعاء القديمة''    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    من أراد الخلافة يقيمها في بلده: ألمانيا تهدد بسحب الجنسية من إخوان المسلمين    صحيفة لندنية تكشف عن حيلة حوثية للسطو على أموال المودعين وتصيب البنوك اليمنية في مقتل .. والحوثيون يوافقون على نقل البنوك إلى عدن بشرط واحد    مارب.. الخدمة المدنية تدعو الراغبين في التوظيف للحضور إلى مكتبها .. وهذه الوثائق المطلوبة    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    تشافي: أخطأت في هذا الأمر.. ومصيرنا بأيدينا    تعيين الفريق محمود الصبيحي مستشارا لرئيس مجلس القيادة لشؤون الدفاع والامن    ميلان يكمل عقد رباعي السوبر الإيطالي    صورة حزينة .. شاهد الناجية الوحيدة من بنات الغرباني تودع أخواتها الأربع اللواتي غرقن بأحد السدود في إب    شاهد.. الملاكمة السعودية "هتان السيف" تزور منافستها المصرية ندى فهيم وتهديها باقة ورد    انهيار جنوني متسارع للريال اليمني.. والعملات الأجنبية تكسر كل الحواجز وتصل إلى مستوى قياسي (أسعار الصرف)    هل تعاني من الهم والكرب؟ إليك مفتاح الفرج في صلاةٍ مُهملة بالليل!    رسميًا: تأكد غياب بطل السباحة التونسي أيوب الحفناوي عن أولمبياد باريس 2024 بسبب الإصابة.    باريس يسقط في وداعية مبابي    فساد قضائي حوثي يهدد تعز وصراع مسلح يلوح في الأفق!    رسالة صوتية حزينة لنجل الرئيس الراحل أحمد علي عبدالله صالح وهذا ما ورد فيها    تحرير وشيك وتضحيات جسام: أبطال العمالقة ودرع الوطن يُواصلون زحفهم نحو تحرير اليمن من براثن الحوثيين    للتاريخ.. أسماء الدول التي امتنعت عن التصويت على انضمام فلسطين للأمم المتحدة    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    وزير المياه والبيئة يزور محمية خور عميرة بمحافظة لحج مميز    بدء اعمال مخيّم المشروع الطبي التطوعي لجراحة المفاصل ومضاعفات الكسور بهيئة مستشفى سيئون    المركز الوطني لعلاج الأورام حضرموت الوادي والصحراء يحتفل باليوم العالمي للتمريض ..    وفاة أربع فتيات من أسرة واحدة غرقا في محافظة إب    لو كان معه رجال!    أفضل دعاء يغفر الذنوب ولو كانت كالجبال.. ردده الآن يقضى حوائجك ويرزقك    عاصفة مدريدية تُطيح بغرناطة وتُظهر علو كعب "الملكي".    بالفيديو...باحث : حليب الإبل يوجد به إنسولين ولا يرفع السكر ويغني عن الأطعمة الأخرى لمدة شهرين!    هل استخدام الجوال يُضعف النظر؟.. استشاري سعودي يجيب    قل المهرة والفراغ يدفع السفراء الغربيون للقاءات مع اليمنيين    مثقفون يطالبون سلطتي صنعاء وعدن بتحمل مسؤوليتها تجاه الشاعر الجند    هناك في العرب هشام بن عمرو !    بسمة ربانية تغادرنا    عندما يغدر الملوك    قارورة البيرة اولاً    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من المسئول عن الدراما في اليمن؟ وبأي ذنب قتلت؟6-6
نشر في نبأ نيوز يوم 13 - 11 - 2008


(ميلودراما من ستة مشاهد)
ما إن نخفق في معالجة أوجاعنا ومشاكلنا حتى نبحث مجددا عن دواء أفضل، وغالبا بعدما تستفحل تلك الأوجاع فينا وتزمن، نكتشف فداحة الخطأ المسبق في تشخيصنا الدقيق لمكمن الداء.
قد يبدو ذلك سيئا لكنه حدث ويحدث في شتى بقاع العالم، وطالما ساعد على تقليص رقعة الجهل لصالح الإنسانية، لكن الشيء الذي لا يمكن استيعابه هو أن نجد من يتمتع بالقدرة العالية والحكمة البالغة في فهم مشاكله وتشخيص أوجاعه، لكنه يتجه نحو تحريف الحقائق، معتمدا على معالجات تزيد من تفاقم الألم!
وإذا كنا نقف اليوم أمام أزمة الدراما في بلادنا، فهل ترانا أمام مشكلة التشخيص السيئ؟ وذلك أمر متدارك، أم أننا عالقون في فخ التوسيع المتعمد للألم؟ وذلك الأمر الجلل!.
لن نفتح مجالا للمزايدة، فمن الصعب أن نسلم بان ثمة من يرغب في بقاء واستشراء أوجاعنا، وفي قلبه مثقال ذرة من الولاء والانتماء لهذا الوطن.
المشهد الأخير:
طغيان المادة وتراجع القيم
وجع كامن .. خلًَّف أوجاع ظاهرة
تعرضنا لعدد من القيود والمظاهر المرتبطة بواقع الدراما المحلية، فهل يمكننا دون تكرار ما سبق أن نقف على الأسباب الحقيقية التي تحول دون تحرر هذه الدراما من قيودها؟ اعتقد أن هناك أسباب ظاهرة (شكلية أو إجرائية) سنتمكن في حال معالجتها من الوقوف على أرضية صلبة للانطلاق نحو الأفضل على صعيد الإبداع الدرامي، غير أننا في سياق المشاهد السابقة التي حاولنا فيها أن نسلط الضوء على واقع الدراما في بلادنا، وأثناء بحثنا عمن يتحمل مسئولية هذا الواقع، وضعنا أيدينا على سبب هام وجوهري لكنه وجع كامن لا يراه من يعاني منه أو يتعايش معه! وهو الوجع الأم الذي خلًّف تلكم الأسباب الظاهرة في جسد الدراما، وبالتالي علينا جميعا أن نواجه هذا الوجع بكل شجاعة وإصرار، فبدون التغلب على هذا الوجع لن نتمكن من تجاوز مخلفاته وآثاره الشكلية أو الإجرائية؛ لأنها ستظهر وتنمو وتتفاقم مهما تعهدناها بالدواء دون النظر إلى جذورها.
وفيما يلي سنشير أولا وباختصار إلى الأسباب أو الأوجاع الظاهرة، قبل أن نكشف عن السبب الجوهري والكامن باعتباره يقف بشكل مطلق وراء ما حدث ويحدث وسيستمر ما لم ننجح في إضعافه واستئصاله تماما من البيئة الدرامية.
الأسباب الظاهرة
اعتقد إن الأسباب الظاهرة والجلية هي تلك التي يمكن تفاديها ببعض السياسات والممارسات والقرارات الشكلية أو الإجرائية ويمكن حصر هذه الأوجاع في الستة المظاهر التالية:
• غياب التخطيط الاستراتيجي لعملية الإنتاج الدرامي بما يتوافق مع سياسات وأولويات وأهداف الدولة، ويسهم في تعبئة المجتمع لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والتنموية والاجتماعية والثقافية التي تمر بها بلادنا من حين لآخر.
• انعدام الرقابة الفنية الفاعلة على الأعمال الدرامية في القطاعين العام والخاص، وعدم الاكتراث بعمليات التقويم المستمر لسياسات ومستويات الإنتاج الدرامي، وغياب التنسيق المشترك بين منتجي الدراما، وهو ما يحول دون التقييم الهادف والبناء لمستوى الأعمال المقدمة ومدخلاتها الفنية سواء كنصوص قبل الإنتاج، أو كأعمال منتجه قبل العرض.
• الافتقار إلى تشريعات خاصة بتنظيم وإنتاج الأعمال الدرامية، بما في ذلك لوائح أجور العاملين فيها ومعايير الكفاءات والقدرات الإبداعية في المجال الدرامي، والضوابط القانونية لمزاولة العمل الدرامي سواء على مستوى الفرد أو المؤسسة.
• انقطاع قنوات التعاون والتنسيق والتكامل بين وزارتي الثقافة والإعلام في المجال الدرامي، وسلبية الأدوار المناطة بنقابة الفنانين اليمنيين والاتحادات الأدبية والثقافية والإبداعية تجاه الدراما وأهلها، سواء كان ذلك بفعل اللامبالاة وضعف المسئولية، أو بفعل التسلط والاستحواذ الوظيفي والوصاية على ما هو حق من حقوق المجتمع.
• تقصد تغييب المسرح وإهمال مبدعي الدراما التلفزيونية، واستغلال أوضاعهم المتردية ماديا ومهاريا وفكريا، والزج بهم بشكل لا إنساني في معارك درامية خاسرة تقوم على مفهوم خاطئ للانتصار، مفهوم يتكافأ مع حجم الأرباح والقدرة على استثمار فاقة المبدعين، ودفعهم نحو الجزرة المعلقة فوق رؤوسهم، حيث يصبح الارتزاق تحت سكرات الجوع الهدف الأسمى لرسالة الفن.
• عدم الاعتراف بالأخطاء، وتهرب الجهات المعنية من تحمل المسئولية، رغم أنها تبدأ بالتهافت على المبادرات وتبني المشاريع الدرامية، لكنها لا تتحمل عواقب النتائج والنهايات المؤسفة، بل تبحث عن شماعات غير موضوعية لتعلق عليها تلك الأخطاء.
الأسباب الكامنة
بين شيوع القيم وطغيان المادة
شيوع القيم:
كان نجاح بعض أعمالنا الدرامية في الثمانينات متزامنا مع وفرة القيم والمبادئ الراسخة آنذاك في صدور القائمين على إنتاج تلك الأعمال وكذلك بالنسبة للعاملين فيها، حيث سادت مناخات الصدق والإخلاص للفن والإبداع كما خيمت مبادئ النزاهة والشرف على الجميع، كل ذلك لان أحلام وطموحات الجميع كانت تنطلق من اليمن، ولا تبتعد في غاياتها وأهدافها عن اليمن، ولا تلتقي مع النوايا السيئة والحسابات الضيقة التي لا تعي حجم اليمن في قلوب المبدعين.
كان الجميع على قلب رجل واحد؛ ربما بفعل الأحداث المأساوية والاضطرابات السياسية التي شهدتها اليمن بعيد قيام الثورة اليمنية، وكان الفنان اليمني مزهوا بحب الوطن ويحلم أن يسهم بفنه وإبداعه في تقدم ورفعة اليمن الذي يجري فيه مجرى الدم، وكذلك هو الحال بالنسبة للقائمين على إدارة شئون الفن والفنانين والإبداع والمبدعين، فقد كانوا قدوة للجميع وسببا في الهام الكوادر والقدرات الإبداعية وتوجيههم نحو ما ينبغي وما لا ينبغي أن يكون.
أقام الفنانين العديد من الأنشطة والأعمال الطوعية التي لم تقف المادة حائلا بينهم وبينها، إذ لم تكن المادة أبدا ذات قيمة تذكر تجاه قيمة اليمن، ناموا على خشبة المسرح ليال طويلة ينشدون النجاح والتميز، وكان الوزراء والمدراء يشاركونهم تلك اللحظات الصادقة، ويبثون فيهم روح الولاء والانتماء لهذه الأرض قبل كل شيء آخر، فكانوا لا يتوانون في تسخير بعض ممتلكاتهم وأشياء منازلهم في سبيل اكتمال ديكورات المسرحية أو ملابس و إكسسوارات الشخصيات الدرامية.
ولا زلت اذكر حديثا مفعما بالشوق لذلك الزمن الجميل على لسان الفنانة والإعلامية والدبلوماسية الناجحة أمة العليم السوسة، وهي تحكي كيف كانت تسهر الليالي منهمكة في خياطة ديكور بعض المشاهد الدرامية، ورغم أن أصابعها لم تسلم من وخز الإبر إلا أن مشاركتها مع زملائها في ذلك العمل الفني كانت تنسيها أي شعور بالألم.
كما أن احد الممثلين في ذلك الزمن الجميل – لا يحضرني اسمه - استمر بأداء دوره في إحدى المسرحيات على الوجه الأمثل رغم إعلامه أثناء العرض بوفاة احد أطفاله! كان يؤمن بان احترام الجمهور واستمرار العمل نوعا من المصلحة العامة، وان تركها في سبيل ما أصابه قد يضر بهذه المصلحة ويخدش ولاءه الوطني.
انطفاء المسرح وتراجع القيم:
كانت تلك القيم لا تزال صامدة حتى بواكير الوحدة اليمنية المباركة، واذكر أننا في فرقة الشموع المسرحية بمحافظة إب التي تأسست بفعل هذه القيم، كنا في عام 1992م قد تلقينا دعوة من معالي الأستاذ حسن اللوزي وزير الثقافة –آنذاك- للمشاركة في المهرجان الثاني للمسرح اليمني، لم نصدق أنفسنا للوهلة الأولى عندما اخبرنا الأستاذ/ عبد الحكيم مقبل مدير عام الثقافة عن تلك الدعوة؛ لقد كنا فرقة أهلية حديثة النشأة فاستغربنا ذلك الاهتمام الذي أدركنا فيما بعد انه شمل كافة الفرق المسرحية الأهلية والرسمية في عموم أنحاء الجمهورية، حيث كان المهرجان رائعا وناجحا، ولا زال حتى اليوم واحدة من أهم اللفتات الكريمة والمحطات المتميزة في سجل الأستاذ اللوزي، حيث أحدثت فعاليات المهرجان نوعا من الحراك والتطوير والتواصل المسرحي، كما ساهمت في رفع قدراتنا ومهاراتنا ومداركنا الفنية.
كان معالي الوزير حريصا على التواجد المستمر في مختلف الليالي المسرحية وطالما بث فينا بأحاديثه روح الولاء والانتماء لليمن التي كنا لا نزال نبتهج بالتحامها.
وللتذكير فقط وطالما معالي الوزير قد عاد اليوم ليقود وزارة الإعلام أتمنى عليه أن يرجع إلى كلماته وخطاباته أثناء ذلك المهرجان، حيث كان يوصي ويحث المسئولين في وزارة الإعلام على الاهتمام بالمواهب المسرحية وتغطية أنشطتهم وإبداعاتهم المتعددة، بما يمكنهم من أداء دورهم الفاعل في تنمية المجتمع، مؤكدا على أهمية إدراج أعمال المهرجان ضمن الخارطة التلفزيونية، وإعداد البرامج المتخصصة التي من شأنها تنمية الوعي والتذوق الدرامي المسرحي والسينمائي والتلفزيوني.
بعد ذلك أقيم المهرجان الثالث والأخير للمسرحيين على ذات التوجه عام 1995م وكان حينها الأستاذ يحيى العرشي يشغل منصب وزير الثقافة، ومنذ ثلاثة عشر عاما مضت ونحن نبحث عن الأسباب التي غيرت سياسات وتوجهات الدولة تجاه المسرح والمسرحيين، رغم أن المسرح من أهم سمات المجتمعات الديمقراطية التي نعلن دوما بأننا أهلا لها، وهو ما انعكس بشكل أو بآخر على تراجع القيم والمبادئ التي كان قد جبل عليها الوسط الدرامي والمعنيين به، ولعل ذلك قد أعاق بعض التحولات التي كانت مأمولة على الصعيد الدرامي، حيث انفرط العقد وضعف التحالف الاستراتيجي بين كل من الثقافة والإعلام، كبيئة ملائمة لنمو الدراما في سياقات طبيعية وخطوات تدريجية، تستند إلى سياسات عامة ما لبثنا أن نقف عليها حتى سحبت من تحت أقدامنا بين غمضة عين وانتباهتها!.
طغيان المادة:
بعدما تجاوز الوطن أزمة الوحدة اليمنية، ونتيجة لما سبق من أسباب تراجع القيم في النفوس، طغت المادة على كل ما هو إنساني وجميل في حياتنا، ولعل هذا هو السبب الحقيقي لتبرير القول بان الإمكانات المادية المسخرة لإنتاج أعمالنا الدرامية شحيحة وضئيلة ولم تعد كافية، ذلك أنها كانت كافية وفائضة في ظل فيض القيم! وهو أمر طبيعي ففي غياب القيم وطغيان النظرة المادية لا يمكن للإمكانات أن تصنع النجاح مهما بلغ حجمها، فالميزانية المعتمدة لإنتاج المسلسل (س) أصبحت اليوم هي القيمة الحقيقية للعمل! وما النص والممثلين والإخراج والجوانب الفنية الأخرى، إلا وسيلة لشرعية التصرف المزاجي بهذه الميزانية، حيث يذهب اكبر جزء من المبلغ بين زعطان وفلتان، وبدورهم يرسلون المظاريف المغلقة إلى منازل أصحاب التوقيعات اللازمة لصرف الاعتمادات أو إخلاء العهد! ناهيك عن قوائم متطلبات الإنتاج والمشتريات والأجور الوهمية التي يتم تنميقها على الورق دون أي انعكاس لها على ارض الواقع.
أصول اللعبة:
كما أن الأمر لم يعد مرتبطا بالمؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون أو شركات القطاع الخاص للإنتاج الدرامي، فقد أصبحت اليوم الجهات الراعية والداعمة لمعظم الأعمال جزءا من اللعبة التي تعرف أصولها بتسويق الأعمال الدرامية كما كانت تباع الجواري في الجاهلية، حيث أتقن الجميع هذه اللعبة باحتراف خلال السنوات الأخيرة، فالمنتج يقدم سلعة تافهة لا يمكن – لطبيعتها – أن تسوق خارج اليمن! وهنا يأتي دور النخاسين في الجهات الداعمة والراعية الذين يحصلون على جزء من قيمة السلعة لقاء ما يبذلونه من جهود كبيرة لإقناع المسئول الأول بالتوقيع على رعاية ذلك العمل الدرامي الذي (سيكسر الدنيا)، ومنهم من يقترب من يهمس في إذن المسئول الأول بان الجهات المنافسة تتسابق وتسعى للمزايدة على هذا العمل، وبذلك تتم الصفقة وتصرف مبالغ الرعاية من المال العام في خزينة الدولة بكل سهولة، وذلك لان هذه الأعمال لا تحتاج إلى إعلان المناقصات، ولا تخضع للمواصفات والمقاييس، ولا تنطبق عليها شروط القوانين النافذة.
وهو ما يجعلنا في هذا المقام نلفت عناية واهتمام كل من الهيئة العليا لمكافحة الفساد، والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، إلى أهمية تطوير وتوسيع مفهوم الفساد ليشمل ما يمكن تسميته بالفساد الفني، وعدم حصر الفساد في مخالفة الإجراءات المالية والإدارية المحكومة بالقانون؛ لان تمرير بعض الأعمال الدرامية السيئة التي لا تحتكم لا للقانون ولا حتى للأعراف، من شأنه إفساد الذوق العام، والإساءة إلى سمعة البلاد، وصناعة فجوات عميقة بين المجتمع وقيمه الأخلاقية، واعتقد انه لن يختلف اثنان على أن ذلك هو الفساد بعينه لان أثاره لا تقف عند الأفراد ولكنها تعم المجتمع والوطن بأسره.
الاستسلام وفشل المواجهة:
بطبيعة الحال انعكس ذلك على قيم وأخلاق بعض الفنانين والمخرجين والكتاب، الذين قدروا بان التمسك بالقيم والمبادئ في ظل هذا الواقع سينتهي بهم إلى صدمات نفسية، كما أن الإخلاص في ظل من لا إخلاص له ولا خير فيه، سيقودهم إلى مزيد من الاستغلال والاستهبال، وهو ما قاد في نهاية المطاف إلى وصول الدراما إلى هذا المستوى من الانحدار المرتبط بتراجع القيم وطغيان المادة، المادة التي أصبحت اليوم هي البوصلة التي تحدد اتجاهات الأفراد وسلوكيات الشلل التي أساءت للفن وضربت بأحلامنا عرض الحائط.
وعليه وطالما استمر طغيان المادة والمصالح الشخصية، وفشلنا في استرجاع وتنمية تلك القيم المرتبطة بحبنا وصدق انتمائنا لليمن، فإننا لن نستطيع على الإطلاق أن نتجاوز الأسباب الظاهرية المشار إليها أعلاه، ولا غيرها من الأسباب الشكلية أو الإجرائية؛ لان التخطيط الاستراتيجي للدراما، والرقابة الفنية على إعمالها، والتشريعات الضرورية لتطورها، والتنسيق بين المعنيين بشئونها، واحترام المسرح والرازحين في محراب الدراما، وفتح الباب للشفافية والوضوح تجاه الأخطاء...
كل تلك الإصلاحات ستصبح ضربا من الهرطقات التي تتعارض مع مصالح المستفيدين من بقاء الحال على ما هو عليه، وفي هذه الحال يصدق استنتاج الكاتب اسعد الهلالي الذي قال في لحظات يأس مخيف ""أظن أسامة أنور عكاشة كاتباً ومحمد فاضل أو نجدت أنزور مخرجاً لن يحققوا شيئاً للدراما من خلال بيئة العمل الحالية في الفضائية اليمنية" وذلك بالطبع بسبب أزمة عدم الإخلاص للعمل التي يشترك الجميع في اقتراف خطاياها.
قبل إسدال الستار:
علينا أن نسأل أنفسنا كفنانين وكتاب ومخرجين ومسئولين عن الدراما، هل نحن قادرين على التخلص من تلك الخطايا؟ وهل آن لنا أن نطل برؤؤسنا لننظر ما يجري من حولنا؟ وهل بإمكاننا أن نبتعد عن الانحدار السائد في أعمالنا الدرامية؟ وهل نحتاج إلى معجزة لنستعيد ولو جزءا من القيم التي أصبحنا نتحدث عنها كما نتحدث عن الأساطير؟ وهل لنا أن نبتعد عن مفاهيم "كم ربحوا وكم خسروا"؟ وهل لنا أن نركز فقط على الإبداع والخلق والابتكار والاعتماد على دراما قوية قادرة على الصمود لطرح قضايانا الشائكة والجريئة بلا خوف أو تردد؟ وهل بإمكان الخطوات العملية القادمة في هذا المضمار على مستوى القطاعين العام والخاص أن تحمل في طياتها بعض الردود الايجابية لتلك التساؤلات السابقة؟
أدرك تماما أن ثمة من سيستاء من مشاهد البحث عمن يتحمل مسئولية الدراما في اليمن، وهناك من سقف بمسئولية جادة أمام بعض الانتقادات الواقعية، وهناك من سيصفها بأنها مجرد انطباعات لا اقل ولا أكثر، لم يعد الأمر مهما، فانا على يقين بان الغالبية من الناس يشاركونني ذات القناعات التي ضمنتها مشاهدي الستة، أيا كان وصفها انتقادات أو انطباعات.
واعتقد في النهاية أن القارئ الكريم سيتفق معي بأنه من حقنا أن نحلم بدراما تساعدنا على تجاوز ما نعيشه اليوم من قلق.. دراما تحكي هوية المجتمع ووجدانه، وتتوازى مع موروثات الأمس وتطلعاتنا نحو الغد، وتسهم في تجسيد ولائنا للمبادئ والقيم، وتعظيم انتماءنا للمكان الذي يجمعنا.
للاطلاع على المشاهد السابقة:
من المسئول عن الدراما في اليمن؟ وبأي ذنب قتلت؟ (5 - 6)
من المسئول عن الدراما في اليمن؟ وبأي ذنب قتلت؟ (4 - 6)
من المسئول عن الدراما في اليمن؟ وبأي ذنب قتلت؟ (3 - 6)
من المسئول عن الدراما في اليمن؟ وبأي ذنب قتلت؟ (2 - 6)
من المسئول عن الدراما في اليمن؟ وبأي ذنب قتلت؟ (1 - 6)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.