رئيس برلمانية الإصلاح يتلقى العزاء في وفاة والده من قيادات الدولة والأحزاب والشخصيات    ذكرى إعلان فك الارتباط.. جدار جنوبي راسخ لفظ الوحدة المشؤومة    خاصموا الانتقالي بود وأختلفوا معه بشرف    شراكة الانتقالي وتفاقم الازمات الاقتصادية في الجنوب    أين نصيب عدن من 48 مليار دولار قيمة انتاج الملح في العالم    هل يمكن لبن مبارك ان يحدث انفراجة بملف الكهرباء بعدن؟!    قاتلكم الله 7 ترليون في الكهرباء فقط يا "مفترين"    مظاهرة حاشدة في حضرموت تطالب بالإفراج عن السياسي محمد قحطان    "ضربة قوية لمنتخب الأرجنتين... استبعاد ديبالا عن كوبا أميركا"    يوفنتوس يعود من بعيد ويتعادل بثلاثية امام بولونيا    فيديو فاضح لممثلة سورية يشغل مواقع التواصل.. ومحاميها يكشف الحقيقة    شاهد :صور اليوتيوبر "جو حطاب" في حضرموت تشعل مواقع التواصل الاجتماعي    شاهد : العجوز اليمنية التي دعوتها تحققت بسقوط طائرة رئيس إيران    لليوم الثالث...الحوثيون يفرضون حصاراً خانقاً على مديرية الخَلَق في الجوف    صراعات داخل مليشيا الحوثي: قنبلة موقوتة على وشك الانفجار    ناشطون يطالبون الجهات المعنية بضبط شاب اعتدى على فتاة امام الناس    "يقظة أمن عدن تُفشل مخططًا إجراميًا... القبض على ثلاثه متهمين قاموا بهذا الأمر الخطير    اللجنة الوطنية للمرأة تناقش أهمية التمكين والمشاركة السياسة للنساء مميز    رئيس الوفد الحكومي: لدينا توجيهات بعدم التعاطي مع الحوثيين إلا بالوصول إلى اتفاقية حول قحطان    وهم القوة وسراب البقاء    "وثيقة" تكشف عن استخدام مركز الاورام جهاز المعجل الخطي فى المعالجة الإشعاعية بشكل مخالف وتحذر من تاثير ذلك على المرضى    مجلس النواب يجمد مناقشة تقرير المبيدات بعد كلمة المشاط ولقائه بقيادة وزارة الزراعة ولجنة المبيدات    ثلاث مرات في 24 ساعة: كابلات ضوئية تقطع الإنترنت في حضرموت وشبوة!    إعلان هام من سفارة الجمهورية في العاصمة السعودية الرياض    لابورتا وتشافي سيجتمعان بعد نهاية مباراة اشبيلية في الليغا    رسميا.. كاف يحيل فوضى الكونفيدرالية للتحقيق    الصين تبقي على اسعار الفائدة الرئيسي للقروض دون تغيير    منظمة التعاون الإسلامي تعرب عن قلقها إزاء العنف ضد الأقلية المسلمة (الروهينغا) في ميانمار    منتخب الشباب يقيم معسكره الداخلي استعدادا لبطولة غرب آسيا    اتحاد الطلبة اليمنيين في ماليزيا يحتفل بالعيد ال 34 للوحدة اليمنية    البرغوثي يرحب بقرار مكتب المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية مميز    إيران تعلن رسميا وفاة الرئيس ومرافقيه في حادث تحطم المروحية    قيادات سياسية وحزبية وسفراء تُعزي رئيس الكتلة البرلمانية للإصلاح في وفاة والده    اشتراكي الضالع ينعي الرفيق المناضل رشاد ابو اصبع    مع اقتراب الموعد.. البنك المركزي يحسم موقفه النهائي من قرار نقل البنوك إلى عدن.. ويوجه رسالة لإدارات البنوك    مأساة في حجة.. وفاة طفلين شقيقين غرقًا في خزان مياه    وفاة طفلة نتيجة خطأ طبي خلال عملية استئصال اللوزتين    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    عبد الله البردوني.. الضرير الذي أبصر بعيونه اليمن    أرتيتا.. بطل غير متوج في ملاعب البريميرليج    الريال يخسر نجمه في نهائي الأبطال    تغير مفاجئ في أسعار صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية    مدارس حضرموت تُقفل أبوابها: إضراب المعلمين يُحوّل العام الدراسي إلى سراب والتربية تفرض الاختبارات    كنوز اليمن تحت رحمة اللصوص: الحوثيون ينهبون مقبرة أثرية في ذمار    الدوري الفرنسي : PSG يتخطى ميتز    غموض يحيط بمصير الرئيس الايراني ومسؤولين اخرين بعد فقدان مروحية كانوا يستقلونها    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 35,456 شهيداً و 79,476 مصابا    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جميع الهيئات الدبلوماسية العربية والأجنبية انسحبت أيام حصار صنعاء إلا السفارة الصينية وشخصاً من السفارة السورية
السفير الصيني الأسبق في اليمن شي يان تشون في مذكراته (أيام لا تنسى) :
نشر في 14 أكتوبر يوم 26 - 09 - 2012

التحقت بوزارة الخارجية الصينية في عام 1965 بعد تخرجي من الجامعة وسافرت إلى جامعة القاهرة في السنة نفسها لتعميق دراسة اللغة العربية مبعوثا من وزارة الخارجية الصينية. ورجعت من القاهرة إلى بكين في ربيع عام 1967، وفي صيفه قررت وزارة الخارجية الصينية أن ترسلني إلى السفارة الصينية في صنعاء وطلبت مني أن أسافر بأسرع وقت ممكن نظرا للتطورات السريعة للوضع اليمني حينذاك، فأسرعت بالاستعدادات الضرورية ووصلت إلى صنعاء في شهر سبتمبر عام 1967م.
بدأت العمل فور وصولي إلى السفارة ووجدت أن الوضع في اليمن آخذ في التدهور يوما بعد يوم. في بداية ستينات القرن الماضي بدأ حكم المملكة المتوكلية يتداعى مع مرور الأيام، حتى سقط هذا الحكم الكهنوتي في يوم26 سبتمبر عام 1962م بقيام الثورة اليمنية وولادة الجمهورية العربية اليمنية، وأصبح العقيد (المشير فيما بعد) عبدالله السلال أول رئيس للجمهورية. وظل المشير يعمل على إنجاز مهامه بكل جد ولكنه واجه صعوبات متراكمة، صعب عليه أن يسيطر على الوضع نظرا لضآلة القوات المسلحة التي امتلكها وضخامة القوى المعارضة التي واجهها فاضطر إلى طلب الدعم الخارجي. وافق الرئيس جمال عبد الناصر على هذا الطلب وقرر أن يرسل 70 ألفا من قوات الجيش المصري إلى اليمن لمساعدة المشير في تثبيت الحكم الجمهوري في اليمن.
لكن الرئيس جمال عبد الناصر قرر سحب كافة القوات المصرية من اليمن في خريف عام 1967م نتيجة هزيمة مصر في الحرب الثالثة في الشرق الأوسط ماضاعف خطورة الوضع في اليمن حيث واجه المشير عبد الله السلال أزمة حكم بسبب ضآلة الجيش النظامي وتردي تسليحه وزيادة الخلافات في صفوف الحكم الجمهوري وقد سعى المشير بكل السبل إلى إنقاذ الوضع بما في ذلك طلب العون والدعم من الخارج فاستقبل القائم بأعمال السفارة الصينية بصنعاء وحضرت هذا اللقاء وأتذكر بوضوح أن المشير قدر كل التقدير الصداقة اليمنية الصينية وركز على شرح تطورات الوضع في اليمن وطلب من الصين الدعم والعون.
عندما خرجنا من منزل المشير السلال ذلك المساء من شهر سبتمبر زاد إحساسنا بتفاقم خطورة الوضع اليمني, mقرر المشير أن يقوم بزيارات إلى الخارج من أجل الحصول على مزيد من الدعم الخارجي، وعندما وصل إلى العراق وقع انقلاب في يوم 5 نوفمبر عام 1967م ما أدى إلى تجريده من جميع المناصب، وتولى القاضي عبد الرحمن الأرياني منصب رئيس المجلس الجمهوري وعين الأستاذ محسن العيني رئيسا للوزراء وأصبح الفريق حسن العمري قائدا عاما للقوات المسلحة وأعلن الحكم الجديد تمسكه بمبادئ ثورة 26 سبتمبر وعزمه الدفاع عن النظام الجمهوري.
ظلت القوى الملكية تعد عدتها لتزحف إلى صنعاء في محاولة للإطاحة بالنظام الجمهوري وإعادة الحكم الملكي وجمعت أكثر من أربعين ألفاً من المسلحين والمرتزقة احتلت مناطق كبيرة وقطعت طريق الحديدة - صنعاء ثم تقدمت إلى صنعاء وحاصرتها من الغرب والجنوب الشرقي والجنوب الغربي ابتداء من يوم 28 نوفمبر عام 1967م وبدأت القوى المعارضة الهجوم على صنعاء. رأينا القنابل تتساقط يوميا في المدينة وسمعنا أزيز الرصاص بين حين و آخر. وأصبحت صنعاء في خطر وأصبح الحكم الجمهوري في خطر وفي هذه اللحظة الحاسمة صدر قرار جمهوري بتعيين الفريق العمري رئيسا للوزراء مع بقائه في منصب القائد العام للقوات المسلحة. وكافحت القوات المسلحة وقوات الأمن بكل صلابة وبسالة، وصمد الشعب بكل فئاته من العمال والفلاحين والموظفين والمثقفين والطلبة والتجار الذين كونوا المقاومة الشعبية ووقفوا جميعا من المدنيين أو العسكريين، وقفة الأبطال وأظهروا روحا معنوية كفاحية عالية.
مع تدهور الوضع في أيام حصار صنعاء انسحبت جميع الهيئات الدبلوماسية العربية والأجنبية من صنعاء إلا السفارة الصينية وشخصاً واحداً من السفارة السورية؛ كانت مهمته الرئيسة الإشراف على مجموعة من الطيارين السوريين الذين ساعدوا القوات المسلحة اليمنية في القتال. في تلك اللحظة الحاسمة أعلنت الحكومة الصينية بكل وضوح أن الصين حكومة وشعبا تؤيد اليمن حكومة وشعبا بكل حزم وثبات في نضاله العادل لحماية سيادة الدولة والاستقلال الوطني وفي سبيل مقاومة الأعمال العدوانية والهدامة التي يقوم بها الاستعمار. وتنفيذا لتوجيهات الحكومة الصينية بقيت السفارة الصينية في صنعاء مع كافة المهندسين والعمال والأطباء الصينيين الذين كانوا يعملون لمساعدة اليمن. برغم خطورة الموقف إلا أننا تشرفنا بأداء هذه الرسالة السامية وعقدنا العزم على أن نقف إلى جانب الشعب اليمني ونشاركهم في السراء والضراء وكنا على أهبة الاستعداد لمواجهة كل المصاعب والأخطار حتى التضحية بالنفس.
كان طاقم السفارة الصينية صغيرا في أيام حصار صنعاء وكنت الشخص الوحيد الذي يجيد اللغة العربية وبطبيعة الحال وجب علي أن أضطلع بأعمال كثيرة فشاركت في كل أعمال الاتصال بالدوائر الحكومية ووحدات القوات المسلحة والمنظمات الجماهيرية والشخصيات من مختلف الأوساط كما تحملت بعض الأعمال للاتصال بالأطباء والمهندسين والعمال الصينيين العاملين في اليمن. كنت أعمل ليلا ونهارا وأعمل كل يوم 14-12 ساعة على الأقل وفي بعض الأحيان واظبت على العمل طوال 14 ساعة. كانت الحياة في صنعاء شاقة وكانت الإمدادات التموينية صعبة للغاية، فطوال أشهر لم نتمكن من الحصول على الخضار والفواكه بل وجدنا صعوبة في الحصول على الأرز والدقيق. وفي هذه الحالة كنا دائما نلجأ إلى وزير الاقتصاد، فكنت أكتب مذكرة كل شهر وأذهب إليه لإصدار التوجيهات مع توقيعه الشخصي. ووجدت رعاية خاصة منه إذ حصلت على امتياز كل مرة لأن وزير الاقتصاد كان يصرف لي دائما الكمية المطلوبة من الأرز والدقيق.
أقول دائما إني معجب ببطولات وتضحيات الأصدقاء اليمنيين إذ عرفت أن الرئيس علي عبد الله صالح كان يكافح معنا في أيام حصار صنعاء وسجل بطولات وأمجاداً في الدفاع عن الثورة اليمنية والنظام الجمهوري. وبحكم أعمالي وعلاقاتي تعرفت على شخصيات مرموقة عزيزة وعديدة مثل القاضي عبدالرحمن الأرياني، رئيس المجلس الجمهوري الأسبق والقاضي عبد السلام صبرة، نائب رئيس الوزراء الأسبق والأستاذ محسن العيني، رئيس الوزراء الأسبق والفريق حسن العمري رئيس الوزراء والقائد العام الأسبق للقوات المسلحة والشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، رئيس مجلس النواب وسيادة عبد العزيز عبد الغني، رئيس الوزراء الذي شغل مناصب وزير الاقتصاد ووزير الصحة ومحافظ البنك المركزي على التوالي في ذلك الوقت والدكتور محمد سعيد العطار، نائب رئيس الوزراء الذي كان وزير الاقتصاد في أيام حصار صنعاء والعقيد حسين المسوري، أمين العاصمة الذي كان في قيادة القوات المسلحة والأستاذ محمد الزرقة، رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير صحيفة (الثورة) والدكتور حسن مكي، الذي كان وزيرا للخارجية والعقيد أحمد الرحومي، رئيس هيئة أركان الحرب والأستاذ أحمد محمد نعمان، الذي كان عضو المجلس الجمهوري والعميد مجاهد أبو شوارب، مستشار رئيس الجمهورية الذي كان قائد القوات الشعبية والمهندس عبد الله الكرشمي، الذي كان وزير الإنشاءات والأستاذ محمد الجنيد، الذي كان وزير الزراعة كما تعرفت على مجموعة كبيرة من الضباط الكبار في القوات المسلحة وقوات الأمن مثل الرئيس الأسبق إبراهيم الحمدي، والرئيس الأسبق أحمد الغشمي، والعميد حسين الدفعي، وحمود بيدر ومحمد الأرياني ومحمد الخاوي وعبد الله الراعي ونعمان المسعودي وجار الله ضيف الله وعلى أبو اللحوم وعبد الله الحيمي وعبد الله الحمدي الخ كما عرفت العميد درهم نعمان، رئيس المنطقة الحرة في عدن والعقيد أحمد علي محسن، محافظ محافظة أبين والعقيد محمد طريق، مدير أمن عدن سابوغيرهم من المسؤولين الكبار الذين كانوا يحاربون في الجبهة الأمامية في أيام حصار صنعاء.كلما التقيت بالأصدقاء القدامى تذكرنا تلك الأيام العصيبة التي قضيناها سويا أثناء حصار صنعاء، قلنا دائما إننا كنا نكافح في خندق واحد ويعكس هذا الكلام الحقائق الواقعية. إنهم كافحوا في مواقعهم وكافحت في موقعي وكانت هذه المواقع والجبهات منسجمة مع بعضها.
كان مقر السفارة الصينية يقع في شارع الزبيري على بعد كيلومتر واحد فقط عن المطار المدني جنوب صنعاء، كنت أسمع يوميا أصوات انفجارات القنابل وأزيز الرشاشات ودوي المدافع. وفي يوم من الأيام سمعت دويا قويا جدا كاد يصيبني بالطرش وشعرت باهتزاز المكتب ووجدت أن زجاج النوافذ قد انشطر بشظايا القنابل، ثم خرجت من المكتب بعد أن هدأت الأمور ورأيت شظايا القنابل في فناء السفارة وعدة حفر جديدة على بعد 100 متر من مبنى السفارة نتيجة انفجارات القنابل.
ذات يوم جلست في المكتب لكتابة مذكرة وسمعت فجأة الدوي القوي والأزيز المتواصل، كانت معركة عنيفة وقعت قرب السفارة الصينية، فتركت العمل وصعدت فورا إلى سطح المبنى لمراقبة الأمور.في تلك اللحظة سمعت أزيز الرصاص، فانحنيت بسرعة وكان أن وقعت طلقة بجانبي على بعد نصف متر فقط، فانتقلت إلى جهة أخرى لمواصلة المراقبة وعرفت أن معركة حدثت فعلا قرب السفارة الصينية ونجح الجيش الجمهوري في إفشال هجوم الملكيين.
وذات صباح اندلعت معركة عنيفة عمت معظم أنحاء المدينة حتى أصبح الشارع الذي تقع فيه السفارة الصينية ميدانا للمعركة، رأيت عدة دبابات ومدرعات واقفة أمام السفارة وتطلق قذائف ووجدت فجأة أن الفريق حسن العمري كان في إحدى الدبابات يقود المعركة شخصيا وأعجبت بهذه البطولة وأحسست بخطورة الموقف. بعد المعركة خرجت إلى الشارع والتقطت بعض أغلفة المدافع للذكرى وقد بقي واحد من هذه الأغلفة في السفارة حتى بداية الثمانينات.
قبل انسحاب السفارة العراقية من صنعاء بأيام، اتصلت بالقائم بالأعمال العراقي لزيارته للتوديع، ووصلت مع زميل آخر إلى مكتبه حسب الموعد المحدد وانتظرنا الصديق العراقي عند الباب ورحب بنا ولكنه اقترح علينا أن نتوجه فورا إلى فندق المخا إذ قال إن السفارة العراقية تعرضت لقصف قذائف المدافع عدة مرات نظرا لأنها تقع قرب القصر الجمهوري الذي كان يعتبر أحد الأهداف الرئيسية لقصف مدافع القوى الملكية. فقبلنا هذا الاقتراح وبعد مغادرتنا بخمس دقائق فقط تعرضت السفارة العراقية فعلا للقصف الأمر الذي أدى إلى هدم أجزاء كبيرة من السفارة العراقية بشكل فظيع. وعندما وصلنا إلى فندق المخا أقبل الأصدقاء إلينا وقدموا التهانئ لنجاتنا من الموت المحدق.
في فترة من الفترات، عاشت صنعاء ولا أحد من ساكنيهايعرف متى ستندلع المعركة وفي أي ساعة ستسقط القنابل. لقد تعودت على هذه الحياة وكنت أخرج كل يوم لإتمام أعمالي وواظب الخبراء والأطباء الصينيون على العمل في مواقعهم، كنا على اتصال وزرناهم كثيرا لتفقد أحوالهم ومساعدتهم على تذليل الصعوبات.يقع مصنع الغزل والنسيج الذي ساعدت الصين في بنائه في شمال شرق صنعاء وكان الخبراء الصينيون لبعثة الغزل والنسيج وبعثة الطرق وبعثة حفر الآبار يسكنون بجوار المصنع. وفي أثناء حصار صنعاء، رابطت إحدى وحدات القوات المسلحة اليمنية في معسكر قرب المصنع. ولكن الخبراء الصينيين والعساكر اليمنيين كانوا يتعرضون يوميا لقصف مدافع القوى الملكية التي احتلت الجبل المطل على مصنع الغزل والنسيج والمعسكر. وكانت هذه القوات الملكية تقوم بأعمال تجسس وتخريب باستمرار مما ألحق خسائر جسيمة بالخبراء الصينيين والمعسكر اليمني. برغم ذلك، ظل الخبراء الصينيون يعملون كالعادة واهتدوا إلى الوسائل المختلفة لحماية أرواحهم وممتلكات المشاريع.
حاولت القوات الملكية في بداية الأمر إجبار الخبراء الصينيين على الفرار لكنهم فشلوا فتحولت إلى أسلوب التصفية الجسدية. وأرسلت عددا من الجواسيس إلى مصنع الغزل والنسيج للحصول على المعلومات الدقيقة عن الخبراء الصينيين مثل شخصياتهم وأوقات عملهم ومساكنهم ومطعمهم الخ. بعد توفر هذه المعلومات بدأت القوى المعارضة تنفذ خطتها الخبيثة لإبادة الخبراء الصينيين. ذات يوم ركزت القوى المعارضة على قصف مطعم الخبراء الصينيين في وقت الغداء واستمر هذا القصف أكثر من نصف ساعة مما أدى إلى تدمير كل شئ في المطعم وتصورت القوى المعارضة أن جميع الخبراء الصينيين في المطعم قد ماتوا جميعا ولكن هذه المحاولة اليائسة باءت بالفشل مرة أخرى إذ أن رئيس بعثة الخبراء الصينيين قرر أن يدعو جميع أفراد طاقمه لاجتماع طارئ في المقر السكني قبل الغداء، فنجا عشرات من الخبراء الصينيين بفعل هذا الاجتماع الطارئ الذي دعا إليه رئيس الخبراء .
تعرض طاقم السفارة الصينية للمخاطر غير مرة أثناء زيارة الخبراء الصينيين.
ذات مرة وصلت مع زميلي إلى مسكن خبراء الطرق الصينيين و بعد وصولنا بدقائق تساقطت قنابل المدافع وظلت تتساقط لأكثر من نصف ساعة وبقينا داخل المبنى لمتابعة تطورات الموقف حتى هدأت الأمور وباركنا لأنفسنا النجاة ولكن وجدنا أن سيارتنا تحطمت كليا ودمرت المعدات والأجهزة لمشروع الطرق.
ومرة أخرى ذهب القائم بأعمال السفارة الصينية إلى نفس الموقع لتحري أحوال الخبراء الصينيين وإصدار بعض التوجيهات إليهم.
يبدو أن القوى الملكية عرفت هذا الخبر فركزت على قصف هذا المبنى واستمر القصف لمدة ثلاث ساعات متواصلة وتخرب المبنى بشكل فظيع ونجا القائم بالأعمال بيد أن رئيس الخبراء الصينيين أصيب ببعض شظايا المدافع التي اخترقت أبواب ونوافذ المبنى. وأثناء هذا القصف كنت في السفارة وفور أن عرفت واقع الأمر أسرعت إلى المستشفى وأخذت بعض الأطباء الصينيين وأسرعنا إلى موقع الحادث كإجراء احتياطي للإنقاذ خشية من العواقب الوخيمة لهذا القصف البربري. وبعد توقف القصف وجدنا أن جميع الصينيين سالمين إلا رئيس الخبراء الذي جرح بإصابة غير خطيرة.
عندما نتذكر ملحمة معارك الدفاع عن صنعاء يلزمنا أن نذكر مآثر الأطباء الصينيين. قبل حصار صنعاء، توزع معظم الأطباء الصينيين خارج صنعاء. مع تأزم الموقف في صنعاء انسحب جميع الأطباء الأجانب من مستشفيات صنعاء ما عدا ثلاثة أطباء صينيين وبرغم أنهم كانوا يعملون ليلا ونهارا إلا أن عددهم كان محدودا جدا والمتطلبات متزايدة باستمرار. فاستدعى الفريق حسن العمري رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة حينذاك القائم بأعمال السفارة الصينية وقدم بواسطته طلبا إلى الرئيس ماو تسى تونغ ورئيس مجلس الدولة شو آن لاي لإرسال مزيد من الأطباء الصينيين إلى صنعاء بأسرع وقت ممكن. وعندما وصل التقرير إلى شو آن لاي أصدر فورا أوامره إلى مستشفى بكين لتكوين بعثة طبية وإرسالها إلى صنعاء بأسرع وقت ممكن. وتكونت هذه البعثة الطبية بسرعة مدهشة ووصلت من القاهرة بالطائرة إلى أجواء صنعاء وحاولت الطائرة أن تهبط عدة مرات ولم تنجح، فاضطرت إلىأن تحلق وقتا طويلا لانتظار فرصة الهبوط ونجح قائد الطائرة الشجاع والماهر في الهبوط أخيرا. وباشر الأطباء الصينيون أعمالهم الإنسانية من يوم وصولهم إلى صنعاء وأدوا رسالتهم السامية برغم الظروف الصعبة والمخاطر الجسيمة والأعمال كثيرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.