نادية يحيى تعتصم للمطالبة بحصتها من ورث والدها بعد ان اعيتها المطالبة والمتابعة    انهيار وافلاس القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الحوثيين    "استحملت اللى مفيش جبل يستحمله".. نجمة مسلسل جعفر العمدة "جورى بكر" تعلن انفصالها    باستوري يستعيد ذكرياته مع روما الايطالي    فودين .. لدينا مباراة مهمة أمام وست هام يونايتد    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    مدرب نادي رياضي بتعز يتعرض للاعتداء بعد مباراة    فضيحة تهز الحوثيين: قيادي يزوج أبنائه من أمريكيتين بينما يدعو الشباب للقتال في الجبهات    الحوثيون يتكتمون على مصير عشرات الأطفال المصابين في مراكزهم الصيفية!    رسالة حاسمة من الحكومة الشرعية: توحيد المؤتمر الشعبي العام ضرورة وطنية ملحة    خلافات كبيرة تعصف بالمليشيات الحوثية...مقتل مشرف برصاص نجل قيادي كبير في صنعاء"    الدوري السعودي: النصر يفشل في الحاق الهزيمة الاولى بالهلال    الطرق اليمنية تبتلع 143 ضحية خلال 15 يومًا فقط ... من يوقف نزيف الموت؟    الدكتور محمد قاسم الثور يعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقه    في اليوم ال224 لحرب الإبادة على غزة.. 35303 شهيدا و79261 جريحا ومعارك ضارية في شمال وجنوب القطاع المحاصر    منظمة الشهيد جارالله عمر بصنعاء تنعي الرفيق المناضل رشاد ابوأصبع    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    بن مبارك يبحث مع المعهد الملكي البريطاني "تشاتم هاوس" التطورات المحلية والإقليمية    الحوثيون يعلنون إسقاط طائرة أمريكية MQ9 في سماء مأرب    السعودية تؤكد مواصلة تقديم المساعدات والدعم الاقتصادي لليمن    مسيرة حاشدة في تعز تندد بجرائم الاحتلال في رفح ومنع دخول المساعدات إلى غزة    المطر الغزير يحول الفرحة إلى فاجعة: وفاة ثلاثة أفراد من أسرة واحدة في جنوب صنعاء    رئيس مجلس القيادة يناقش مع المبعوث الخاص للرئيس الروسي مستجدات الوضع اليمني مميز    بيان هام من وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات من صنعاء فماذا قالت فيه ؟    ميسي الأعلى أجرا في الدوري الأميركي الشمالي.. كم يبلغ راتبه في إنتر ميامي؟؟    تستضيفها باريس غداً بمشاركة 28 لاعباً ولاعبة من 15 دولة نجوم العالم يعلنون التحدي في أبوظبي إكستريم "4"    مليشيا الحوثي تنظم رحلات لطلاب المراكز الصيفية إلى مواقع عسكرية    بعد أيام فقط من غرق أربع فتيات .. وفاة طفل غرقا بأحد الآبار اليدوية في مفرق حبيش بمحافظة إب    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    تهريب 73 مليون ريال سعودي عبر طيران اليمنية إلى مدينة جدة السعودية    شاب يمني يساعد على دعم عملية السلام في السودان    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    مأرب تحدد مهلة 72 ساعة لإغلاق محطات الغاز غير القانونية    العليمي يؤكد موقف اليمن بشأن القضية الفلسطينية ويحذر من الخطر الإيراني على المنطقة مميز    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    النقد الدولي: الذكاء الاصطناعي يضرب سوق العمل وسيؤثر على 60 % من الوظائف    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن والسعودية شريكان في الحرب على الإرهاب (5)
نشر في 26 سبتمبر يوم 12 - 03 - 2009

بوسع كل من يطالع تفاصيل المشروع السياسي لأمير تنظيم " القاعدة " الموحد في الجزيرة العربية عبر صحيفة "الناس" ، اكتشاف جذوره الأصلية في الخطاب الديني لشيوخ الحركة الصحوية السعودية التي أفرزت هذا المشروع السياسي، وبلورت منظومته الفكرية وأطره التنظيمية والحركية، وأساليبه الدعوية داخلياً وخارجياً،
وصولاً إلى صياغة مطالب داخلية لتطبيق نموذج أكثر تشدداً للشريعة الإسلامية مما هو موجود في السعودية، وأبرز هذه المطالب تحريم الغناء والموسيقى والفنون والرياضة والمصنفات الفنية، وفرض المزيد من القيود على حقوق النساء، وتوسيع نطاق التدخل في خصوصيات الأفراد، وتكفير النظام التعليمي الرسمي، والمطالبة باستبداله بشبكة واسعة من المدارس والمعاهد والجامعات الدينية غير الرسمية التي تربي تلاميذها ومنتسبيها بروح التبرؤ من حضارة العصر الحديث وأنماط العيش واللباس "المستوردة من الغرب الكافر"، والولاء لنمط حياة وتفكير "الأسلاف" والتشبه بهم .
وتطبيق (شريعتهم) كشرط لبناء المجتمع المسلم. كما يمكن ملاحظة ملامح أخرى أكثر وضوحاً لهذا الخطاب في كتب المنظر العقائدي لتنظيم "القاعدة" الدكتور أيمن الظواهري، وبالذات "الحصاد المر" و"الولاء والبراء" و"فرسان تحت راية النبي" و"التبرئة" على نحو ما سنأتي إليه في جزء لاحق من هذا المقال.
وتطبيق (شريعتهم) كشرط لبناء المجتمع المسلم. كما يمكن ملاحظة ملامح أخرى أكثر وضوحاً لهذا الخطاب في كتب المنظر العقائدي لتنظيم "القاعدة" الدكتور أيمن الظواهري، وبالذات "الحصاد المر" و"الولاء والبراء" و"فرسان تحت راية النبي" و"التبرئة" على نحو ما سنأتي إليه في جزء لاحق من هذا المقال.
وفي السياق نفسه يمكن القول إن المحتوى الرئيسي للخطاب الإعلامي الذي تميزت به الحملة المناهضة لفيلم "الرهان الخاسر" يكاد أن يكون مشابهاً للخطاب الإعلامي الذي تميزت به الحملات المناهضة لفيلمي (كيف الحال) و(مناحي) السعوديين، ولمختلف الإجراءات التي اتخذتها الحكومة السعودية لمكافحة التطرف والإرهاب بدعم وإسناد واسعين من المجتمع المدني والقوى الجديدة التي أفرزتها حركة النهضة والتنمية في المملكة العربية السعودية الشقيقة.
بهذا المعنى يمكن أن نفهم تركيز معظم الكتابات التي تناولت فيلم " الرهان الخاسر" على اتهام هذا الفيلم والمؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون التي أنتجته بمحاربة الإسلام، حيث تتساوى الحرب على الإسلام في منظور هذه الكتابات، مع منظور أمير " القاعدة " لهذه الحرب، وما يترتب على ذلك من وجوب الجهاد ضد فسطاط الكفر ومن والاه داخل الكيان الإسلامي، وصولاً إلى إقامة نظام الخلافة وتطبيق الشريعة الإسلامية على نحو ما قامت به دولة "طالبان" بوصفها نموذجاً يتوجب تطبيقه في أي بقعة من الأراضي الإسلامية التي يتم تحريرها من طواغيت الطوائف المتنعتة والقوانين الوضعية، ثم الانطلاق منها للجهاد ( تحت راية النبي ) من أجل تغيير وأسلمة العالم حتى يكون الدين كله لله.
وعندما تكون إمارة "طالبان" نموذجاً للمجتمع المسلم الذي يطبق الشريعة الإسلامية الصحيحة كضمان لإلحاق الهزيمة بفسطاط الكفر الذي يخوض حرباً مع الإسلام، فإن فيلم "الرهان الخاسر" يعتبر بمقتضى هذا النموذج جزءاً من الحرب على الإسلام، لجهة المشاهد الدرامية التي تُعلي من شأن الموسيقى والغناء والفنون وعمل المرأة والسياحة والقيم والمصالح المشتركة بين مختلف الأمم والشعوب، بما في ذلك السرد السينمائي الذي يجسد قيم التسامح والمحبة والاحترام والرحمة بوصفها من قيم المجتمع اليمني الذي يهتدي بالإسلام على نحو ما يرمز إليه موقف أحد المواطنين اليمنيين الذي قام بالتسليم على أحد السياح الأجانب في مدينة صنعاء القديمة ، وقيام أحد المتطرفين بنهره وزجره وسحب يده ومنعه من مصافحة ذلك السائح الأجنبي الذي يدعو أمير "القاعدة" إلى قتله لأنه ما جاء إلى اليمن ، ( إلا للتجسس أو نشر الرذيلة والفجور أو التبشير بالنصرانية ) !!
هكذا يتماهى مفهوم محاربة الإسلام عند الحانقين والغاضبين على فيلم "الرهان الخاسر" مع أفكار منظري الإرهاب وأمرائه ، لأنّ رفض نموذج إمارة "طالبان" الذي تسعى إلى تحقيقه الحركة الصحوية الاخوانية و تنظيم "القاعدة" في السعودية واليمن بالعنف، يعد بالضرورة محاربة للإسلام من منظور الحركة الصحوية الاخوانية !!
قد يرى القارئ الكريم إنني لجأت الى التعميم في تناول الكتابات التي هاجمت فيلم "الرهان الخاسر".. ولربما يكون ذلك صحيحاً إلى حدٍ ما بسبب كثرتها وسطحيتها وتشابهها، لكن ذلك لا ينفي الحاجة لتناول بعض الكتابات المتميزة بعيداً عن التعميم، وأهمها مقالتان للأخ عبدالفتاح البتول في صحيفة "الناس" ومقال ثالث للأخ مروان الغفوري في صحيفة "المصدر"، مع احترامي لحق الأخوين عبدالفتاح البتول، ومروان الغفوري في التعبير الحر عن آرائهما وأفكارهما ومعتقداتهما الأيديولوجية، وواجب من يختلف معهما في التحلي بأكبر قدر من الموضوعية عند نقد أرائهما وأفكارهما، الأمر الذي يستدعي تأجيل مناقشة آراء وأفكار البتول والغفوري إلى الحلقة القادمة من هذا المقال ، وذلك بهدف تمكين القارئ الكريم من التعرف على المرجعية الفكرية (الفقهية) والمنطلقات السياسية لهذه الآراء والأفكار والمعتقدات الايديولوجية، وما تنطوي عليه من تشوش تعود جذوره إلى إشكاليات ما تسمى " الحركة الصحوية الجديدة للإسلام السياسي" التي قادها التنظيم الدولي للإخوان المسلمين غداة هجرة قياداته من مصر إلى السعودية على إثر صدامهم مع ثورة 23 يوليو والزعيم القومي الراحل جمال عبدالناصر، وانخراط الإخوان المسلمين بعد الهجرة في عملية الاستقطابات السياسية والأيديولوجية الاقليمية والدولية لمرحلة الحرب الباردة، ثمّ وصلت ذروتها بالصدام مع المصالح الوطنية العليا للدولة السعودية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م، وانكشاف الدولة والمجتمع في المملكة العربية السعودية أمام أخطار داخلية وخارجية نجمت عن تلك الأحداث الإرهابية التي شارك فيها (18 شاباً سعودياً من أصل 19 انتحارياً)، بالإضافة إلى تزايد الأعمال الإرهابية التي استهدفت زعزعة أمن واستقرار وتماسك المجتمع السعودي، بأدوات أيديولوجية دينية انقلابية أسهم الأخوان المسلمون في صياغتها وتنظيم مخرجاتها الحركية، انطلاقاً من أراضي المملكة العربية السعودية بعد هجرتهم إليها، وهو ما يفسر غضب الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية السعودي في تصريح شهير وغير مسبوق أدلى به لصحيفة "السياسة" الكويتية عام 2002م، وصف فيه الإخوان المسلمين بأنّهم ((أصل البلاء والمصائب التي حلت بالعالم العربي والإسلامي )) !!
والمعروف أن هجرة الإخوان المسلمين إلى السعودية تمت في مناخ العلاقات المتأزمة بين مصر والسعودية في بداية الستينات من القرن العشرين، وقد تسببت هجرتهم السياسية إلى السعودية في تغيير الفكر الديني السائد ، على خلفية التزاوج بين المنهج التكفيري لأفكار الشيخ محمد بن عبدالوهاب في كتابه " الدرر السنية "، وبين المنهج التكفيري لأفكار سيد قطب في كتابه "معالم في الطريق"، حيث يمكن اعتبار حصيلة تزاوج الأفكار الواردة في هذين الكتابين ما يمكن أن نسميه تجاوزاً " إنجيل الإرهاب "!!
الثابت أن الحركة الإخوانية الصحوية في السعودية اتسمت بنزوعها نحو التدين السني الوهابي الحنبلي البدوي ، فيما تكامل معها الصحويون الاخوانيون في اليمن بتبني فقه الامام الشوكاني بعد انحيازه الى المرحلة البدوية الأولى من فقه الامام الشافعي، وهي مرحلة تجاوزها الامام الشافعي نفسه جذرياً بعد سفره الى مصر وإقامته فيها ، حيث استقر المذهب الشافعي في صيغته المصرية المدنية التي أخذ بها أتباع هذا المذهب في مصر واليمن ، قبل ظهور الطبعة اليمنية للحركة الاخوانية الصحوية السعودية في بداية الثمانينات من القرن العشرين، وهي الفترة التي شهدت انتشار صيغة متشددة للتدين السني الذي يهتم بإعلاء شأن المظاهر والقشور الخارجية للسلوك الديني، مثل إعفاء اللحية وحف الشوارب ، وكراهية إسبال الثياب وتكثيف حجاب المرأة . وقد أفرط الصحويون السعوديون واليمنيون في تحريم مس اللحية بعد أن كان جائزاً في السابق قص ما يتعدى قبضة الكف، وبالغوا في تحريم إسبال الثياب بعد أن كان في السابق مكروهاً، وتشددوا في حجاب المرأة بثياب كثيفة ، وزادوا إلى حجابها قطعا إضافية مع وجوب لبس القفازين لإخفاء كفيها ، كما أضافوا صوتها الى قائمة المحرمات ، بعد أن اعتبروا صوت المرأة عورة مغلظة !!
وفي سياق التزاوج بين المنهج التكفيري الوهابي، والمنهج التكفيري الإخواني القطبي على أراضي المملكة، انبرى رموز الصحويين السعوديين إلى تكفير المخالفين لأفكارهم ودعوا إلى ملاحقتهم وإبعادهم من الأقسام الثقافية في الصحف والنوادي الأدبية والرياضية، وفروع جمعيات الثقافة والفنون، وهو ما يمكن الاستدلال عليه من محتوى كتاب (الحداثة في ميزان الإسلام) للشيخ عوض القرني، وكتاب (فِرُّوا إلى الله ) للشيخ سفر الحوالي، وكتاب (القول المختار في وجوب معاداة الكفار) للشيخ حمود بن عقلا الشعيبي . وقد تعرضت هذه الكتب لنقد صريح من قبل الدكتور غازي القصيبي وزير الكهرباء الأسبق ووزير الخدمة المدنية حاليًا في كتابه الشهير (حتى لا تكون فتنة ) الذي حذر فيه من مخاطر انتشار الفكر التكفيري وثقافة الكراهية، بعد ظهور طبقة الفقهاء السياسيين الذين يزعمون بأنهم ولاة الأمر الأساسيون، بينما الحكام مجرد شركاء لهم، مشيراً إلى أن المجتمع السعودي لم يألف هذه الظواهر قبل ظهور رابطة العالم الإسلامي كمنظمة دولية حركية للمنظمات والجماعات الإسلامية الصحوية التي أفرطت في نزعاتها الرامية إلى إيجاد صدام بين الدولة والمجتمع من خلال التشكيك بشرعية الدولة في المجتمعات الإسلامية ، على نحو ما عبر عنه الشيخ سفر الحوالي في كتاب (كشف الغمة عن علماء الأمة ) بقوله : " لقد ظهر الكفر والإلحاد في صحفنا، وفشا المنكر في نوادينا، ودُعي إلى الخنا والزنا والفجور في إذاعتنا وتلفزيوننا، واستبحنا الربا في مصارفنا، أما التحاكم إلى الشرع، فالحق أنه لم يبق للشريعة عندنا إلا ما يسميه أصحاب الطاغوت الوضعي الأحوال الشخصية وبعض الحدود التي غرضها ضبط الأمن " !!
وكان الشيخ عبدالله عبدالمحسن التركي الأمين العام لرابطة العالم الاسلامي قد أصدر تصريحاً في عام 2004م على اثر تفاقم المواجهات بين الدولة والجماعات الارهابية ودعاة الفكر الضال في السعودية ، طالب فيه الحكومة والأسرة المالكة بأخذ رأي رجال الدين ( يقصد الفقهاء السياسيين ) قبل الدخول في مواجهات مع ( الشباب المتحمس ) بحسب تعبيره ، مشيرا الى ( ان العلماء يقصد رجال الدين هم ولاة الأمر وليس الحكام ) ، ما أدى الى موجة من ردود الفعل الغاضبة ، كان أبرزها تصريح صدر عن الأمير تركي الفيصل عندما كان سفيراً لبلاده في لندن ، شدد فيه على ( أن الملك والأسرة المالكة والحكومة ومجلس الشورى ، هم ولاة الأمر في المملكة العربية السعودية وليس غيرهم ) !!
أما العداء للغرب فهو صراع حتمي وفق المنظور الصحوي للشيخ سفر الحوالي في كتابه المشار إليه آنفاً حيث قال : ( فلا حرج ولا تردد في الإجابة القاطعة الواضحة عن سؤال ما هو موقف الإسلاميين من المبادرة العربية للسلام، وفكرة حوار الحضارات والتعايش بين الأديان؟ فهو الرفض الحاسم وليس ذلك عناداً ولا تصلباً، ولكنه موقف عقدي محتوم ) !!
من جانبه يقول الشيخ سلمان العودة في كتابه (حيّ على الجهاد) : " لقد أصبح كثير من الناس ولا أقول عامة الناس، بل من دعاة الإسلام مع الأسف في هذا العصر يتصورون أننا في دعوتنا الناس جميعاً للإسلام ينبغي ألا نسلك إلا طريق نشر الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة والدعوة السلمية، ولا نحتاج إلى رفع راية الجهاد، ولا نحتاج إلى حمل السيوف للقتال.. والواقع أن من يقرأ القرآن الكريم لا يحتاج إلى أي كلام ولا بيان ليظهر له بطلان ذلك"!!.
بالتزامن مع هذه الآراء التي صدرت في السعودية في مطلع الألفية الثالثة من هذا القرن الميلادي ، أعاد الداعية الإخواني الصحوي الشيخ عبدالله صعتر إنتاجها في اليمن حيث قال لصحيفة " العاصمة " في أكتوبر عام 2002م : ((لا يجوز أن يبقى أحد من البشر خارج الإسلام، ولا يجوز أن يبقى مكان في الأرض لا يحكمه الإسلام.. فالمعركة قائمة لهذا الغرض والصراع مستمر على هذا الأساس.. والله تعالى ما أرسل رسوله (صلى الله عليه وسلم) ليدعو ويبقى في مكانه ، ولكنه قال له ولأتباعه من بعده : وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كل لله.. أي قاتلوهم ليكون الإسلام هو الحاكم للأرض ومن عليها )) !!.
في الاتجاه نفسه لم يخف الشيخ حمود هاشم الذارحي وهو أحد رموز الحركة الصحوية الاخوانية في اليمن ابتهاجه بأحداث 11 سبتمبر 2001م الارهابية حيث نشرت صحيفة (العاصمة) التي يصدرها حزب التجمع اليمني للاصلاح، حديثاً صحفياً له بمنا سبة الذكرى الأولى لتلك الأحداث في عددها الصادر يوم 13 اكتوبر 2002م ،وصف فيه تلك الأحداث التي أدانها العالم بأنها (( تبعث على الأمل كونها اختصرت مسافة كبيرة من الزمن على الحركات والشعوب العربية والاسلامية لإقامة نظام الخلافة على مناهج النبوة )) !!
والمثير للتأمل أن الشرائط الصوتية والمحاضرات والفتاوى والآراء التي درج الشيخ عبدالله صعتر، وغيره من شيوخ الحركة الإخوانية الصحوية في اليمن على ترديدها ، تكاد أن تكون نسخة يمنية مكررة للخطاب الصحوي الإخواني في السعودية الذي يدعو إلى جهاد الكفر والجاهلية أينما وجدها المجاهدون ، ووجوب منع دخول السياح الكفار إلى البلدان الإسلامية، ومحاربة الثقافة الكفرية التي تتسلل عبر الغناء والموسيقى وأفلام الفيديو والمهرجانات الغنائية، ومعارض الصور والفنون التشكيلية والاختلاط في الأسواق والمراكز التجارية.
لا ريب في أن كل من يتأمل مضامين وأبعاد الخطاب الصحوي الإخواني في السعودية واليمن بوسعه أن يلاحظ أنه يدعو الى أن يكون العالم ساحة جهاد بالسلاح ضد الحضارات والأديان والدول الكافرة، ويحرِّض على تحويل البلدان الإسلامية إلى ساحات ساخنة لحروب داخلية ضد الدول والحكومات والمثقفين والفنانين والنساء العاملات والمنشآت السياحية، والمصارف ووسائل الإعلام المقروءة والسمعية والبصرية وكل أدوات الحياة العصرية ، بذريعة ظهور الكفر والإلحاد والمنكرات، بما في ذلك وجوب إعلان الجهاد ضد التوجهات (الكفرية ) للدول التي تمتنع عن تطبيق الشريعة ، ولا تقيم الحدود إلا على المجاهدين الذين يواجهون الأعداء الكفار في بلاد المسلمين لأغراض أمن هذه الدول فقط !!
ومن نافل القول إن فيلم "الرهان الخاسر" نجح من خلال الاستخدام الإبداعي والتقني الراقي لأسلوب السرد السينمائي المعتمد على المؤثرات السمعية والبصرية ، في تعريف الإرهاب بوصفه عنفاً يتخذ شكل الجريمة المنظمة التي تلحق أضراراً بالوطن والدولة والدين والمجتمع والقيم الإنسانية المشتركة والوحدة الوطنية والأمن والسلم الدوليين، وقد سبق لنا في الحلقة الثانية من هذا المقال القول إن فيلم "الرهان الخاسر" استخدم التجريب الفني والسرد السينمائي في توصيف الجريمة الإرهابية كنتيجة موضوعية لمقدمات فكرية تتسم بالنزوع الى الغلو والتطرف والتكفير والإقصاء والأحادية وعدم القبول بالآخر.
ويبقى القول إن منظري تنظيم "القاعدة" شأنهم شأن منظري الحركة الإخوانية الصحوية في السعودية واليمن، يتوزعون إلى اتجاهات متنوعة ومتقاطعة عند نقطة مشتركة تتمثل برفع راية الشريعة الإسلامية كغطاء لمشروعهم السياسي الرامي لإقامة نظام الخلافة الذي يسعون إلى تحقيقه بالسلم أو العنف، والغلو في تعريف الشريعة الإسلامية، انطلاقاً من منظور أيديولوجي منغلق وعدواني. وهو ما نجد تجسيداً له في المخرجات الفكرية للحركة الصحوية الجديدة للإسلام السياسي الإخواني في الجمهورية اليمنية، والمملكة السعودية اللتين تخوضان منذ بدايات الألفية الثالثة الميلادية مواجهة سياسية وأمنية وفكرية وثقافية مع الإرهاب بوصفه نتاجاً لأفكار ضالة وملتبسة بالدين، ما يدفعنا إلى التحذير من أن يتحول الهجوم على فيلم "الرهان الخاسر" اليمني، الى مرافعة (صحوية) خاسرة للدفاع عن الإرهاب، لا تختلف في مضمونها وأساليبها عن الهجمات التي تعرض لها فيلما (مناحي) و(كيف الحال) السعوديان، والحملات التي شنها الصحويون السعوديون ضد الأعمال الدرامية والسينمائية والفعاليات الثقافية والكتابات الصحفية في المملكة، بما في ذلك الهجمات الإرهابية التي طالت أجهزة الدولة والأحياء السكنية في السعودية.. حيث شاركت في جميع تلك الهجمات، كتائب جهادية صحوية تمارس الدعوة باللسان والبيان ، وأخرى تتبنى الدعوة بالسلاح والسنان، وثالثة بالأثنين معاً.. وهو ما سنوضحه في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.