يُشكل التعامل مع الأجهزة الإلكترونية بأنواعها جانباً مهماً في الأنشطة اليومية لكثيرين؛ بحيث ينتقل الشخص بين الحاسب والهاتف الذكي، ويُضاف إليهما أحياناً الحاسب اللوحي وجهاز الألعاب، ولا يقتصر ذلك على البالغين، بل إن نسبة غير قليلة من الأطفال تعتمد في التسلية والتعليم والاتصال على هذه الأجهزة. وفضلاً عن الآثار الاجتماعية والنفسية، كشفت دراسة أجراها قسم علوم التأهيل في جامعة «بولي تكنينك» في هونغ كونغ عن مواجهة المستخدمين مشكلات تتعلق بالعضلات والعظام في أجزاء مختلفة من الجسم جراء الاستخدام المكثف للأجهزة الإلكترونية. وتلقى الأجهزة الإلكترونية شعبية متزايدة بين المستخدمين في هونغ كونغ، وتعد معدلات بيع الهواتف الذكية فيها من بين الأعلى في العالم، وفي الوقت نفسه، تتغير عادات استهلاك الأجهزة الإلكترونية باستمرار، ويتجه الناس لتبني الطرز الجديدة، وصار من المألوف مشاهدة الكبار والأطفال في الحافلات والأماكن العامة، ينحني كلٌ منهم للأمام لتصفح الإنترنت عبر هاتفه أو لاستخدام الألعاب الإلكترونية، وهي الحال نفسها في أماكن مختلفة حول العالم. امتدت الدراسة لثلاثة أعوام، وشملت نحو 1000 شخص من سكان هونغ كونغ، وركزت على العلاقة بين استخدام الأجهزة الإلكترونية وآلام العظام والعضلات، كما تطرقت الدراسة إلى الوقت الذي يقضيه المستخدمون مع المنتجات التقنية المختلفة، والمهام التي يؤدونها ووضعية جلوسهم أثناء الاستخدام، وطُلب من المشاركين الإبلاغ عن أي آلام جسدية تواجههم تتعلق بأوجاع في الرقبة والكتف والمعصم واليد. وأجريت المرحلة الأولى من الدراسة، التي شاركت فيها جمعية العلاج الطبيعي في هونغ كونغ، بين عاميّ 2011 و2012، وشملت 465 من البالغين، تراوح أعمارهم بين ال18 وال50 عاماً، وشملت العينة بعضاً ممن يعملون بدوام كامل، إلى جانب طلبة الجامعات. وأظهرت النتائج انتشار استخدام الأجهزة الإلكترونية في ما بينهم؛ وجاءت الهواتف الذكية في المرتبة الأولى، فأشار 90% منهم إلى استخدامها، ثم الحواسب المكتبية بنسبة 74%، واستخدم 61% منهم الحواسيب المحمولة، وحلّت الحواسب المحمولة في المرتبة الأخيرة بنسبة 35%. وفي ما يتعلق بأثر هذا الاستخدام في الناحية الصحية، أشارت نسبة كبيرة من المشاركين، بلغت 70%، إلى معاناتهم من آلام في الرقبة، كما عانت نسبة 65% من آلام في الكتف، وواجه 46% أوجاعاً في المعصم والأصابع. ولا تبدو النتائج غريبة مع الاستخدام المكثف للأجهزة الإلكترونية، خصوصاً مع اعتراف معظم المشاركين باعتمادهم على أكثر من نوع كهاتف ذكي وحاسب محمول، إلى جانب امتداد فترة الاستخدام ساعات طويلة من اليوم، ويترافق ذلك مع بقاءهم في وضعية ثابتة ساعات طويلة، مع قلة إقبالهم على ممارسة الرياضة، ما يزيد من مخاطر التعرض لأوجاع في العظام والعضلات. وكانت دراسات أخرى ذهبت إلى تسبب كثرة كتابة الرسائل النصية عبر الهواتف المحمولة في التهاب الأوتار وألم في مفاصل إصبعيّ الإبهام والسبابة، لاسيما مع الاعتماد عليهما كثيراً في التعامل مع الشاشات اللمسية. واستهدفت المرحلة الثانية من الدراسة بحث مدى تأثر الأطفال باستخدام الأجهزة الإلكترونية من الناحية الصحية، وشملت 582 طالباً وطالبة في مدرستين ابتدائيتين ومدرسة ثانوية خلال العام الجاري، وراوحت أعمارهم بين العاشرة والخامسة عشر. وفي تشابه مع النتائج الخاصة بالبالغين، حظيت الهواتف الذكية بالجانب الأكبر من إقبال التلاميذ بنسبة 84%، بما يعادل 488 طالباً، ثم الحواسب المكتبية بنسبة 76%، فيما أشارت نسبة 31.6% إلى استخدامهم للحواسب اللوحية بانتظام. وأشارت النتائج إلى مواجهة 27.6% من طلاب المدارس المشاركين في الدراسة آلاماً في العظام ترتبط باستخدام الأجهزة الإلكترونية، وكانت النسبة الأكبر فيها لأوجاع الرقبة، ثم معصم اليد والكتفين والأصابع. وعلى الرغم من أن معدلات انتشار آلام العظام في الأطفال تقل عن نسبتها لدى البالغين، إلا أن الدراسة تمثل الأطفال خلال خمس سنوات فقط من العاشرة إلى ال15 عاماً، كما تشير إلى السرعة التي يتحول بها الأطفال من جهاز إلى آخر؛ فبينما يقبلون حالياً على الهواتف الذكية والحواسيب اللوحية، كشفت دراسة سابقة أجريت في عام 2009 إلى تركيز الأطفال في هذه المرحلة العمرية على أجهزة الألعاب المحمولة مثل «بلاي ستيشن» و«نينتندو» كما يظل الجانب الأخطر تعود الأطفال على الجلوس في وضع خاطئ منذ الصغر، مثل انحناء الرأس إلى الأمام فترات طويلة، وما ينتج عنه من تحدب الظهر واستدارة الكتفين، وجميعها قد تصبح عادات ثابتة يصعب التخلص منها مع تقدمهم في العمر. ويوصي المختصون الآباء والأمهات بالانتباه للطريقة التي يجلس بها أبناؤهم لأنها تشكل عاداتهم الدائمة، كما يؤكدون على أهمية الاهتمام بممارسة الأبناء للتدريبات الرياضية بانتظام لضمان النمو الصحي للعظام والمفاصل، إلى جانب دورها في الحفاظ على سلامة القلب والأوعية الدموية.