ها أنا أغتسل بصوت المقرئ الدوكالي.. تكاد الجدران تورق.. يكاد السقف يُمطر.. كأن بني إسرائيل يذبحون بقرتهم الآن في غرفتي.. كأن إخوة يوسف يرسمون حدود البئر ويبحثون عن دم كاذب يشبههم. أسمع يعقوب يتحدث بلسان الكفيف وهو يقول: اذهبوا فتحسَّسوا من يوسف وأخيه.. فقد صار يتحسَّس كلَّ شيء بعد أن فقد بصره.. وكأنه كان يريد تعليمهم لغة "برايل" التي لن يفهموها. أخاف أن يأكله الذئب.. كان هذا العذر الذي اقترحه يعقوب على أبنائه، لعلمه أنهم لا يجيدون سوى الخديعة.. وكان هذا هو الحافز لهم للبحث عن دمٍ كذبٍ ليعودوا به إلى أبيهم لتأكيد خوفه من الذئب. لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً.. أسقطوا يوسف في البئر ليعلو فوق عرش مصر، وكانوا يبحثون عن الحنطة في حين كان أخوهم المغدور يضع صواع الملك بين أمتعتهم بعد أن أوفاهم كيلهم.. ابيضَّت عينا يعقوب من الحزن، واسودَّت قلوبهم من المكر، وما زال يوصيهم بالدخول من أبواب متفرقة. أسمع المقرئ الدوكالي، فأشعر أنني ارتديت القمصان الثلاثة ليوسف.. قميص ملطَّخ بالدم الكذب.. وقميص قُدَّ من دُبرٍ.. وقميص ألقاه البشير على وجه أبيه فارتدَّ بصيراً. ثلاثة قمصان كانت هي محور الحكاية.. الأول أفقد أباه البصر، والأخير جعله يرتد بصيراً، وبينهما قميص قُدَّ من دُبُر عبَرَ به من السجن وجعل أهرامات مصر رهن إشارته. ارتديتُ هذه القمصان، وتقمَّصتُ شخصياتهم واحداً واحداً.. حين سجدوا كنتُ أشاهد خضوعهم يطلُّ من صوت المقرئ الدوكالي، وهو يهتزُّ كاهتزاز قلوبهم في تلك اللحظة. حين سمعتُ المقرئ الدوكالي، أحسستُ أنني أسمع سورة يوسف لأول مرة!!