ثانياً : التركيب الأسلوبي وهو الذي يدرس التركيب مجتمعاً، ولا يعني بالتركيب الإفرادي أو بالتركيب الاستئناسي، وإن كان لابد منهما ، ولكنه يبحث في النظم وما يترتب عليه، ويشمل ثلاثة مستويات: المستوى البلاغي المستوى النحوي المستوى اللغوي وكل المستويات لا يمكن تجاهله أو فصله عن الآخر، وإلا حدث خلل في التركيب وقصور في المعنى، وقد تنبه لهذا الأمر الشيخ عبدالقاهر الجرجاني صاحب نظرية النظم، ويمكن القول : إن الأمر مترتب على ما يسمى لدى البعض “النحو الوظيفي”. المستوى البلاغي وهو المستوى الذي يعني بدراسة الجمال الذي يضفيه اللفظ على التركيب الواقع فيه أو الدخل عليه، ويعد البيان والمعاني أبرز ما يتناوله هذا المستوى. نحن أمام مثالين في غاية الدقة والمثالية، وقد يصلان حد المشابهة إن لم نقل الموافقة، لما يتمتعان به من خواص مشتركة، لكنهما في الوقت نفسه يفترقان في كثير. قال تعالى :( وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون)،والآية الثانية : ( كأنهم حمر مستنفرة، فرت من قسورة). إن المعنى الذي يؤديه لفظ الذئب غير المعنى الذي يؤديه لفظ قسورة، مع أن كليهما حيوان مفترس، والملاحظ على خاصية التشبيه، غير ما لدى الاستعارة من جمال. إن ما أطلقه “ ب . س . إليوت” من معادل موضوعي يمكن أن نطلقه هنا على علم البيان بأكمله، وإن لم يلحظه من سبق إذ الفائدة لا تتحقق بالمباشرة كما لا تفي بالغرض ذاته. ويكأن المخاطب لا يعي ما يؤديه اللفظ من دلالة حين ينتزع الصفات التي تفيض بها كأسه، ويكأنه لا يدرك أن له ذاتين منفصلة عنه وهي التي نسميها هنا المعادل الموضوعي، وذاتاً متصلة، وهي التي تحت محاور الجمال الخطابي يكنها تحت جوانحه فتظهرها الذات الأخرى، غير عالم بأبعادها اللغوية وعواقبها الوخيمة. إن الأمر الذي لم يدركه الإخوة بل لم يفطنوا له هو الجمال الذي تركز في التورية والتمويه إذ صرف أنظارهم إلى واقع ملموس، وعالم محسوس، ذلك ما توحي به مفردة (الذئب)، وما أدته من معنى قريب هو الحيوان المفترس، فطبخوا له حيلة فضحت أمرهم وبينت غبائهم وهم لا يشعرون. وجاءوا على قيمصه بدم كذب، وادعوا صدقهم وهم غافلون ، فبان كذبهم من ثلاثة وجوه: التأويل الحقيقي لمفردة الذئب، والقميص الذي دخلوا به على أبيهم، والدم الذي جاءوا به على قميصه. هل أدرك الإخوة بعد أن علم النبوة بعيد المنال عليهم، هكذا فطن نبي الله يعقوب “عليه السلام” من أول خطاب معهم (لئن أكله الذئب ونحن عصبة)، وحين دخلوا عليه. إن القميص الذي أهداه إليه أبوه كان قميص نبي الله اسحاق عليه السلاح وقد ظل نبي الله يوسف عليه السلام محتفظاً به حتى آن لأبيه أن يدرك أوان اللقاء ولم يكن جاهلاً بغيابه فأرسله إليه فارتد بصيراً، هذه كذبتهم الأولى بان زيفها، أما الكذبة الثانية وهي مغزى التناول الأسلوبي هنا فهي ادعاء أن الذئب أكله ، ولم يكن من نبي الله يعقوب عليه السلام إلا أن يظهر لهم حقيقتهم التي أخفوها بل خفيت عنهم و تطاول بهم الحسد حداً أنساهم أنفسهم. لم يدركوا بعد ما مغزى الحقيقة التي أدركها أبوهم وأخوهم من بعده، أكان للفظ الذئب هنا علاقة بالكواكب التي رآها نبي الله يوسف عليه السلام، وبعلم التأويل هذا ما ستكشفه الآية وسياقها.