من يرون خلاصهم في زوال خصومهم واجتثاث معارضيهم والقضاء على مخالفيهم يعبرون عن نفسية مريضة بالحقد الذي لا يقبل الاختلاف ولا يعرف التسامح والتعايش مع الآخر المختلف والنقيض, وهؤلاء يعيشون في جحيم الكراهية المدمرة للأفراد والمجتمعات, وللشعوب والأوطان. إن جحيم الأحقاد هو السائد في وطن العروبة منذ تفجره في المسارات المنحرفة للانتفاضات الشعبية في بعض الأقطار العربية عام 2011م, والتي ابتدأت من ليبيا بأحقاد العدوان الأطلسي وأتباعه، وامتدت إلى سوريا في سياق تاريخي انطلق من العراق ولن يتوقف عند العدوان السعودي على اليمن. هو جحيم الأحقاد الذي يتكيَّف مع واقعه السياسي والجغرافي ليخرج منه بما يناسبه من أقنعة، إن لم تكن طائفية فهي قبلية وجهوية, أو عشائرية وجغرافية, أو هي تخوين وتكفير, أو تسفيه وتحقير, فالمهم أن تبرر للحقد ما يريده لأهله من جحيم الاقتتال الأهلي والتدمير الذاتي. في جحيم الأحقاد تحترق فضائل العفو والصفح, ومحامد الرحمة والإحسان، فلا عفو عند المقدرة, ولا رحمة عند المعاقبة, ولا إحسان مع العدل, بل بغي وعدوان, وبطش وطغيان, ثم اختلاق ما يبرر للأحقاد بقاء الجحيم ملتهباً بالضحايا ومستعراً بجواز الاستعانة على الخصوم بالشيطان, فالمخطئ أو المجرم يسلبه جحيم الأحقاد حقه بالعدل, ويستبيح ماله من حرمات مكفولة بعرف أو شرع وبقانون أو خلق, في طغيان يتجاوز الفرد والحاكم إلى الأوطان والشعوب. لم يتوقف جحيم الأحقاد عند الاستعانة بشيطان الأطلسي على الشهيد الخالد معمر القذافي, بل تفجَّر بين جماعاته التي توحدت عليه ضد القذافي, ثم احترقت به وأحرق معها شعباً ووطناً, ولم يعتبر أهل الحقد من جحيمه المستمر في ليبيا, فأشعلوا حرائقه باليمن, وذهبوا بها إلى مشارف الهلاك والخراب بعد أن ضيَّق عليهم جحيم الأحقاد سعة الأرض والمعاش. لا يحتاج جحيم الأحقاد لغير الكراهية التي تنتشر بالاسم أو تصطنع بالوصف, إذ يكفي المرء لكي يقتل أن يوصف بكونه من الحوافيش "أتباع الحوثي- عفاش"، أو من الدواعش التكفيريين، أو عميلاً للسعودية أو عميلاً لإيران, فالحقد يولد بالكراهية، ما يبرر لأهله جعل الوطن الواسع هشيماً تذروه الرياح في جحيم الاقتتال والدمار, والمصيبة أن جحيم الأحقاد لا يدمر الحاضر فقط، بل يدمر المستقبل إذا لم تطفئه المحبة بالعفو والغفران.