قرأت الإعلان التالي: "أيها الجنوبيون السُذج...ليس هناك ما تفقدونه غير أموالكم وخطاياكم...دقوا المزامير،ولمعوا شواربكم واركبوا طائراتكم أو أي وسيلة مواصلات...وتعالوا إلى "صنعاء"،حيث ينتظركم نادينا الليلي المُعد خصيصاً لناس سُذج مثلكم....ستجدون لدينا أنواع النساء كلها،من جميع المقاييس والألوان،وأنواع آلات القمار كلها...كل هذا من نقود شعبكم المسكين الجائع المكافح...نحن فقط نستعملكم لتهربوا بها إلى أحضاننا....نحن في انتظاركم....شرّفونا تجدوا ما يصعقكم"!هذا الإعلان قرأته،مثلما قرأه الآلاف من القراء الجنوبيين،في الصحف اليومية،ويتم بثه على القنوات الإخبارية التابعة لنظام صنعاء،وأعترف لكم بأن الإعلان لا يقول حرفيا ما ذكرت أنا،ولكنني أحببت أن اكتبه لكم على طريقة كتابة ما وراء السطور.
حتى هنا الأمر طبيعي ولا يستحق التعليق-حسب اعتقاد البعض-ولكن الذي يلفت النظر هو الفهم الخاطئ والقاصر لدى بعض الجنوبيين، حيث يعتقدون أن ذهابهم إلى صنعاء هو بمثابة انتزاع حقوق الجنوبيين -المقهورين- لكنهم لا يدرون أنهم بذهابهم يتحولون اتوماتيكيا إلى سُذج ومغفلين وقد لا يسلمون من تهمة الخيانة!وبما أنني ذكرت هذه الكلمة،لا بد أن أحكي قصة حدثت لي شخصيا وأنا في صنعاء، عندما طلب مني صديقي بأن أذهب معه إلى مقيل يقول أنه تجمع للضباط الجنوبيين؛ وافقت فورا دونما أي اعتراض ،لأنني حينها كنت أشعر باختناق شديد جراء ما حصل في الضالع وصور تلك المجزرة لازالت تركض في ذاكرتي، وكنت أمني النفس بالجلوس مع الكوادر الجنوبية ،وتبادل أطراف الحديث....ويا ليتني لم أذهب! لقد وجدت جثث هامدة بل ميتة ،لكن الغريب أن هذه الجثث تهتم بالمسلسلات الهندية والتركية ،فعندما وصلنا المقيل وجلست في جوار أحد الضباط وجلس صديقي بجانبي، تعرفت على الضابط وتعرّف عليّ ،وفي غمرة الحديث لا يجدر بك الصمت، وإذا أردت أن تتحدث إلى زميلك يجب أن ترفع صوتك وكأنك في مظاهرة، ولشدة الهرج والمرج لم أفهم ماهية حديثهم ،لكنني كنت أرى الحماس مرسوما على وجوهم، وكنت أقول في نفسي إنهم يناقشون وضع الضالع ،تراهم ينددون ويقولون كيف يتم ارتكاب مجزرة كتلك ويفلت الفاعل دونما عقاب....؟ استمر الحديث وإذا بي أسمع الضابط الذي بجانبي وهو يُحدّث زميله عن براعة الإخراج التركي والهندي...؟إذن لم يكن حديثهم عن الضالع !وما سرُّ الحماس !وفجأة التفت إلي ذلك الضابط و سألني "برأيك هل سيكون هناك جزء ثاني من المسلسل الهندي "الملكة جانسي "أتذكر الاسم جيدا لأن الضابط سألني باهتمام شديد!!لا أبالغ إن قلت أنني صُعقت حينها واحترت ولم أدري بماذا أجيبه...! فاكتفيت بالرد عليه أنني لم أتابع هذا المسلسل وبالتالي لا أدري!! وفورا طلبت من صديقي مغادرة هذه المقبرة وليس المقيل!!
إن مثل هذا السؤال هو صرخة اتهام في وجه بعض قادتنا وكوادرنا الجنوبية ،وهو مرآة لهم يرون فيه بشاعة الوجه الذي يطلون به على الشعب الجنوبي، وهو أيضاً تذكير ل أولئك القابعين في صنعاء بتقصيرهم عن تقديم الوجه الحقيقي للفرد الجنوبي أمام الشعب الشمالي الذي يتوهم أن كل كوادرنا وقادتنا من طراز "عشاق المسلسلات" ! أعرف أنه لا توجد أي مفاجأة لدى "الجنوبيين" فنحن قد اعتدنا على مطر النار والحديد الموجه ضدنا بتنفيذ جنوبي....