منذ بضعة أسابيع، أصبح الجميع يتحدث عن ظاهرة "التشرميل"، تدليلا على العنف والاعتداءات التي أصبحت تطغى على حياة المغاربة. في الأصل، كلمة "التشرميل" تعني خلطة البهارات التي ترافق أشهر الوجبات المغربية. كيف تحولت الكلمة لتعبر عن أشكال العنف واللا أمان؟ لست أدري... سناء العاجي، صحفية مغربية عملت ولا تزال تعمل في العديد من المنابر والمواقع الإخبارية في المغرب وخارجه باللغتين العربية والفرنسية. حاصلة على الجائزة الثالثة للتحقيق الصحافي من المنظمة الهولندية "Press Now". ساهمت في كتاب مشترك تحت عنوان "التغطية الصحافية للتنوع في المجتمع المغربي"، ونشرت لها رواية " مجنونة يوسف" سنة 2003 عن دار "أركانة" للنشر (مراكش) الشرطة نفت الأمر في البداية على اعتبار أن الاعتداءات توجد في معدلات متحكَّم فيها. مع انتشار الصور والأشرطة، عادت وزارة الداخلية من جديد لتقول: "بالفعل، هناك تزايد لظاهرة العنف". منذ ذلك الحين، أصبح المغاربة يقرؤون يوميا عن اعتقالات بالعشرات.
الإشكالية الآن تقف على مستويين: المستوى الأول يتعلق بحملة حلق رؤوس بعض المعتقلين والتي قام بها بعض أعضاء السلطة، في سلوك همجي يُفترَض أن المغرب تجاوزه منذ سنوات. سمعنا فيما بعد عن كون أحد هؤلاء الشباب، وبعد تعرضه لحلاقة شعره وللإهانة والضرب، انتحر. هذه الحادثة المأساوية أدت إلى متابعة وإقالة الباشا الذي تسبب في هذه الإهانة الجسدية والنفسية. إنها ليست قضية منعزلة، بل هي تَعْبير عن تعامل بعض عناصر السلطة مع المتهمين عموما. بالتأكيد، وجب متابعة هؤلاء على الجرائم والجنح المنسوبة إليهم، لكن احترام حقوقهم كمواطنين، ضمانَ شروط محاكمة عادلة واحترامَ كرامتهم وحرياتهم الشخصية، كل هذه تبقى أولوية أساسية.
المستوى الثاني يتعلق بأخبار كثيرة راجت عن عناصر شرطة ابتزوا عائلات المعتقلين وتسلموا رشاوى مقابل الإفراج عن المتهمين. المبالغ تراوحت بين 2000 و30 ألف درهم، حسب "المفاوضات". إنه أمر خطير، إذا ما تم إثباته. جميعنا يعرف انتشار ظاهرة الرشوة لدى العديد من عناصر الشرطة. في هذه الواقعة، الأمر يعني أن بعض المجرمين قد يُطلق سراحهم لأن لديهم إمكانية الدفع، وأن بعض الأبرياء قد يُزَج بهم في السجن لأنهم لا يستطيعون الدفع.
الخوف كلُّ الخوف أن تكون الحملة الحالية مجرد حملة موسمية وإعلامية للرد على احتجاجات الناس... ولابتزاز عائلات المتهمين وكسب رشاوى جديدة.
فمن يحمي المواطنين اليوم من "تشرميل" بعض عناصر الشرطة؟