قال حكيم : " كلام الناس مثل الصخور إما أن تحملها على ظهرك فينكسر أو تبني بها برجاً تحت أقدامك لتعلو " يتضح يوماً بعد يوم بأن كل المطالب والأمال التي ظل الجنوبيين يتمسكون بها قبل أي حديث أخر يتمثل في استعادة كل ماتم الاستيلاء عليه ظلماً وعدواناً وبقوة السلاح وبالحرب العدوانية بعد السابع من 94م, وعلى وجه التحديد الاستيلاء على جميع مرافق ومؤسسات دولة الجنوب قبل وحدة 22 مايو ونهب محتوياتها وكذلك جميع المرافق الخدمية الخاصة بالقطاع العام وبالذات في المجال الصناعي والزراعي ومؤسسات والرأسمال المختلط. إن هذه المطالب والطموحات التي ظل يتمسك بها أبناء الجنوب لأكثر من عشرين عاماً ولم يتحقق منها شيء فإن ذلك يدل دلالة واضحة واعتماداً على ماجرى في العاصمة عدن تحديداً بأن هذه المطالب أصبح من المستحيل تلبيتها إضافة إلى ماتم الاستيلاء عليه من عقارات وأراضي من قبل المتنفذين ودعاة النصر في تلك الحرب العدوانية وتعميدها بصرف عقود تمليك شرعية من قبل سلطة احتلال غير شرعية. أنا متأكد بأن من يتمعن جيداً في تلك المطالب محلياً وعربياً ودولياً سينظر إلى المطالبين بها بنوع من السخرية وبأنهم يعيشون في كوكب أخر غير كوكب الأرض. وإذا كانت المطالب قد تحددت في استعادة ممتلكات عامة وخاصة, فكيف الحال سيكون بالنسبة للمطالبة باستعادة الدولة المرفوضة أصلاً أقليمياً ودولياً. وفي حالة التمسك بهذه المطالب المستحيلة فإن الخاسر أولاً وأخيراً هو المواطن الجنوبي. الفرق بين من يرسل رسائله ولا يقرأ ويستوعب رسائل الأخرين فهو كالذي يرمي بنفسه وسط بحر هائج بالأمواج و الأعاصير والرياح العاتية ويعتقد خطاءاً بأنه ماهر في السباحة ليجده الناس بعد ذلك جثة منتفخة مرمية على الشاطئ. الكثير من تلك الرسائل التي يوجهها علي البيض وكبار رموز الحراك ويتعاطى معها أنصارهم دون غيرهم لأن ما يقوله هذا الغير لم يكن مقبولاً عندهم ومرفوض جملة وتفصيلاً. إن هؤلاء حقيقة لا يشعرون بالمسؤلية الوطنية والأخلاقية تجاة الشعب في الجنوب وما تعرض له في الماضي والحاضر من ظلم وقهر ومن قتل وانتهاكات يومية على يد قوات الاحتلال طيلة العقدين الماضية وقبل ذلك على أيديهم ولكن إلى متى ؟ فهذه القيادات التي لم تعرف بعد قدر نفسها مع الأسف وهي تدرك جيداً أن دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة قد قالت كلمتها أمام العالم والشعب اليمني والمتمثلة بالمبادرة الخليجية ووقوفها ودعمها للرئيس عبدربه منصور وحكومة الوفاق الوطني وكذلك الولاياتالمتحدةالأمريكية ودول الاتحاد الأروبي الداعمة دعماً كاملاً لما جاء في المبادرة الخليجية وللرئيس هادي. لا شك بأن مبادرة مجلس التعاون الخليجي قد خرجت بحلول ومعالجات لابديل عنها في ظل الوضع الحالي محلياً ودولياً أجمع عليها أعضاء مؤتمر الحوار الوطني. وعندما يتفاخر ويلوح البيض بعلاقاته المميزة مع إيران وحزب الله البناني وكذلك رفع أعلام الاتحاد الروسي والمزايدة برفع صور عبدالناصر والمرشح السيسي في الفعاليات المليونية التي أستمر المسؤلين عنها وقتاً طويلاً يتوسلون وحيد رشيد للسماح لهم بإقامة فعاليتهم الأخيرة في المعلا ولأكثر من أسبوع حتى تم لهم ذلك. هذه الفعالية وغيرها من الفعاليات السابقة لم تقدم شيئاً للقضية الجنوبية بل بالعكس عاد أصحابها أدراجهم من حيث أتوا في اليوم التالي فالاعتماد على مثل هذه التصورات والتهيئات أي الاعتماد على الخارج لن يحقق له شيئا . علي سالم البيض في كلمته الأخيرة امام المحتشدين في شارع المعلا متوعداً ومهدداً كل من يقف ضد أهدافه أو ضد الحراك الجنوبي قائلاً: الثورة الجنوبية هدفها التحرير والاستقلال وطرد المحتل وعلى الدول الراعية للمبادرة الخليجية مراجعة مواقفها". ياسبحان الله بماذا سيتم التحرير والاستقلال وطرد المحتل وإنذاراته لدول الخليج مراجعة مواقفها؟هل بعشرات الطائرات بما فيها طائرة الميج 29 التي تركتها جيوشك الجرارة غنيمة لهذا المحتل؟ أم هل بصواريخ الاسكود التي ابقيتموها سليمة في مخازنها؟ أم بالبوارج الحربية التي استولى عليها المحتل؟ إن مثل هذا الكلام وهذا التهديد مجرد أوهام وخداع وتضليل لجميع الوافدين في المليونيات المتعددة , فليس بالشعارات ولا برقصات البرع والخطابات والمزايدات تتحرر الشعوب. أني أقول له ولغيره صادقاً : إن من ترك جبهات القتال في حرب 1994م وهو في قمة قوته البشرية والتسليحية تركها هارباً براً وبحرا إلى سلطنة عمان وبقية دول الخليج ولا يحمل معه سوى مايغطي جسده من ملابس, تركوا جبهات القتال مخلفين الاف الدبابات والبوارج الحزبية وعشرات الطائرات بما فيها طائرات الميج 29 الروسية الحديثة الصنع التي لم يمتلكها حتى بلدان حلف وارسو. كل ذلك وغيره قد تم التخلي عنه وأصبح غنيمة للقوات الغازية. أقول له أن هؤلاء الهاربين وغيرهم لا يمكن أن يحققوا هدف التحرير والاستقلال والذين يتزعمهم الحراك الجنوبي الذين يعرف عنهم البيض الكثير والكثير. فأغلبهم وخاصة العسكريين قد عادوا من مهاجرهم وعادوا إلى مرافق أعمالهم السابقة بل إن الواحد منهم قد تمت ترقيته إلى مناصب عليا وقد لا يصدق البيض بأن أغلبهم يستلمون أكثر من مرتب . إنهم مع حراك علي البيض وفي مقدمة المليونيات لكن ولائهم المطلق لمن يدفع مرتباتهم الشهرية ومرتبات الوظائف المزدوجة إظافة إلى حق إبن هادي. إن هؤلاء جميعاً يضحكون عليك ويخدعونك كما ضحكوا عليك وخدعوك ولازالوا حتى الوقت الجاضر مستغلين كثيراً من أخطائك وسلبياتك وبالذات طبائعك الشخصية وعصبيتك ومثلما كانوا مخترقين وعملاء مزدوجين أثناء سير المعارك فمثلهم العشرات والمئات ممن يتقدمون الصفوف الأولى في المليونيات.
أنا شخصياً مع كل تلك المطالب المشروعة وفي مقدمة المطالبين باستعادة الحقوق إلى أصحابها وكان ذلك مبكراً مباشرة بعد أن وضعت الحرب أوزارها وقد دفعت الثمن غالياً ومعي الكثيرين وفي مقدمتهم المناضل الوطني البارز هشام باشراحيل * الذي حوكمت أنا وهو أكثر من مرة ولم نسلم من الملاحقات والمضايقات واستدعاءانا منتصف الليل من قبل زوار الفجر, للحضور أمام نيابة الصحافة والمطبوعات للتحقيق الهدف منه تكميم الأفواه ولم نرضخ لذلك في الوقت الذي كان فيه رموز الحراك الذين يتقدمون صفوف المليونيات حالياً هاربين مختفيين في بيوتهم ومناطقهم بعيداً عن الأنظار وخوفاً على حياتهم من قبل من لا يعيرهم أي اهتمام ولم يظهروا إلا بعد الإعلان عن قيام جمعية المتقاعدين عام 2007م المطالبين بحقوق مشروعة والتي تحولت فيما بعد إلى حراك الذي أنظم إليه علي البيض بعد مغادرته لسلطنة عمان . وعلى ضوء ما ذكر آنفاً ونظراً لطبيعة الأوضاع التي استجدت وموقف الدول العربية والأقليمية والدولية الداعمة للمبادرة الخليجية وماخرج به مؤتمر الحوار الوطني فإن السبيل الوحيد للخروج من الأوضاع المأساوية التي يعيشها الجنوب والمواطن الجنوبي هو القبول بالفدرالية و بالاقليمين إقليم عدن وإقليم حضرموت أو الأقليم الشرقي كما يحلو للبعض تسميته **. وأنا على يقين بأن ما قلته آنفاً لن يروق للكثيرين و لا لسماع كلمة حق خاصة أولئك المزايدين الذين عهدتهم طويلاً سيوجهون لي بمختلف أنواع النعوت والشتائم والتهم والألفاظ والعبارات السوقية. لكنني أقول لهم وكما عودت نفسي التمسك بتلك الحكمة التي تقول " أن تخسر أصدقاء بالصدق أفضل كثيراً من أن تكسب أعداء بالكذب ". ومسك الختام أقول للذين يبالغون ويزايدون وينسبون لأنفسهم الشجاعة والبطولات الخارقة الذين يوعدون أنصارهم بالتحرر والاستقلال بأنكم ليس أهل لذلك لقد جربناكم. قد يصدقكم المخدوعين من الأجيال الجديدة بجهلهم لكنهم لابد وأن يكتشفوا يوماً حقيقتكم عندما يبان الخيط الأبيض من الأسود ويعرفون تاريخكم وإن البديل الوحيد عن الإقليمين هو تنظيم القاعدة الذي تتهمونة نتيجة لعجزكم وجهلكم بأنه تابع للمتنفذين في صنعاء. نعم قد يكون هناك فرق للموت تابعة لهؤلاء المتنفذين بهدف تحقيق أهدافهم وحماية مصالحهم لكنهم غير تنظيم القاعدة المنتشرين في العديد من بلدان العالم. وهذا التنظيم الذي يواجه الحملات العسكرية لاجتثاثة من شبوة وأبين وغيرها. والعاجز أو الغريق بتوضيح أكثر هو الذي يبحث عن أبسط قشة تنجيه من الغرق وهذه الأسطوانة هي التي يرددها الفاشلون في قيادة الحراك الجنوبي. مجرد رأي: هل صدق علي سالم البيض بأن قيادة المؤتمر والإصلاح موافقين أو قابلين بالفدرالية أو الأقاليم؟ يكون خاطئاً إذا اعتقد ذلك. هم وافقوا لأنهم على يقين بأن البيض سيرفضها حتى يأتي البيض يوماً باحثاً عن الأقاليم فلن يجدها في أماكنها. حتى لو وافقوا على طلبه بفك الارتباط فإنه أيضاً سيرفض ذلك إلا بشروط تعجيزية. بعدها سينتهي حلمه بفك الارتباط . وقد أكد على ذلك الشيخ سنان أبو لحوم في مذكراته عندما قال: ( إذا تزحزح جبل شمسان عن مكانه فإن علي البيض يمكنه أن يتزحزح عن رأيه) . فهو إذا وافق على قضية من القضايا فهذا يعني أنه لم يدرسها بتعمق فتكون نتائجها سلبية وخطيرة وما موافقته واصراره على قيام الوحدة الاندماجية الفورية إلا دليلاً واضحاً ومثالاً ساطعاً , فهذه هي طبيعة علي البيض .