الحزن يطويني والعجز يستوليني والحيرة تكتسحني .. ماذا أكتب عنك ياصديقي الشهيد / مصلح الأسدي وكيف لي أن أستوفيك حقك من الوصف وقد صرت أعظم من أي وصف بعد أن نلت الشهادة على أثر تلك الرصاصات الغادرة التي وجهّها أولئك القتلة المحتلين إلى جسدك وأنت آمن في منزلك في ليلة 26مايو الماضي دون ذنب تقترفه إلا لأنَّهم متيقنين بأن قلبك مُترع بالحب كل للحب للجنوب وتقيم في مدينة الضالع الأبية التي التصقت بها وعانقتها بالحب والإخلاص والوفاء . إنني بما بي من غم وحزن وألم على فراقك يستصعب عليَّ أن أدوِّن عنك المستوجب مني نحوك في هذه اللحظات التي تترأى شخصيتك الطاهرة أمام ناظري حين كنا نجلس معاً ونتبادل الود و أجمل أحلامنا عن مستقبل الجنوب الذي أزداد فيه عبث المحتلين الطامعين بثرواته والحاقدين أشد حقد على أُناسه الطيبين المدافعين عن كرامته . نعم يستصعب عليَّ ياصديقي مصلح الأسدي ذلك لأن مقامك في نفسي المؤرقَّة بعذاب هذا الزمن الملعون أكبر وبكثير جداً من الكلمات التي ستجود بها ذاكرتي المُتعبة ! فكيف لي أن أسرد كلمات أراها دون مقامك الرفيع يا أبا ريدان وأنت الذي أمضيت من عمرك زمناً طويلاً في سلك القضاء . لقد كنت قاضيا تُجل الحق وتدحض الباطل وتمسد بيدك على رؤوس المساكين طمعاً في رضاء الله وحده فكرهك العتاه الظالمون المتنفذون وحقدوا عليك وأزاحوك عن منصبك ، فقبلت وبراحة بال أن تكون مظلوماً لا ظالما , وقَتلوك مظلوماً أيضاً في منزلك لتزداد درجة مع العليين في الجنة إنشاء الله . أعترف بتقصيري نحوك للأسى الشديد الذي يتملّكني فالكلمات أوشكت أن تتحول إلى غصص في حلقي لأن مشاهد ذكرياتك معي تتوالى عليَّ في هذه اللحظات وأحسس بكل ألم أنها تقيّدني من البوح بما أريد كلما تذكرت مجالستك ومصادفة التلاقي معك على مماشي طريق المدينة التي تكررت كثيراً في أسابيع ما قبل استشهادك . فلقد أوحت لي هذه المصادفات التي جرت على غير عادتها من التتالي المتقارب عندما سمعت بخبر استشهادك وكأنك كنت تكثف من مصافحتي ومحادثتي لإحساسك بقرب مفارقتنا لبعضنا وإن لم يكن يخالجك هذا الإحساس أصلاً ، ولكن هكذا هو الشعور الذي انتابني لأن آخر كلام منك لي قبل استشهادك بأيام قليلة بعد تحادثنا لدقائق هو : (مع السلامة) . عليك رحمة الله يا شهيدنا مصلح الأسدي والخزي والعار للقتلة المتدثرِّين بأسمال الجبن والنذَّالة .