ذهب الحمار يوماً إلى الأسد ملك الغابة وهو يعرج ويربط شاشاً أبيض على رأسه . اشتكى الحمار من النمر والذئب والثعلب ، وطالب بمحاكمتهم . سأله الأسد : ماذا فعل بك النمر ؟ قال الحمار وقد اقشعر بدنه لا إرادياً : اختطفني وعذبني في معتقل سري بتهمة أنني أتكلم في السياسة . ضحك الأسد حتى استلقى على قفاه . أبرز الحمار الجراح التي في رأسه وقال وهو يكاد ينفجر باكياً : أنظر كيف عذبوني في المعتقل .. هل هذه هي الديمقراطية التي وعدتنا بها ؟! تنحنح الأسد ومسح لبدته ببراثنه : لقد عذبوك ليس لأن الكلام في السياسة ممنوع ، ولكن لأنك لا تفهم في السياسة .. هل نسيت أنك حمار ! وغرق الأسد في الضحك مجدداً . قال الحمار وهو يهز رأسه : الآن اطمأن قلبي .. كنت أحسب أن ديمقراطيتنا قد تم المساس بها . رد الأسد بحزم : لا تقلق أيها الأخ ، الديمقراطية في أمان ولن يستطيع أي عابث أن يزعزع أسسها حتى لو كان حماراً مثلك . نكس الحمار رأسه وساد صمت قصير . الحمار : هل تعرف ماذا فعل بي الذئب ؟ الأسد : الذئب صاحبي ، ماذا فعل ؟ الحمار : كانت معي أرض أريد أن أبني عليها بيتاً فأخذها مني غصباً ، فلما قاومته عضني وسبب لي عاهة مستديمة في قائمتي اليسرى الخلفية . الأسد : لا تغضب من الذئب وحاول أن تتحمله ، فهو وطني زيادة عن اللزوم ، ويحب أرض بلادنا إلى درجة العبادة ، ويعتبر التراب الوطني مقدساً ، ويظن نفسه أكثر واحد يستطيع الحفاظ عليه . الحمار : آه .. لقد أسأت الظن وحسبته قاطع طريق يسطو على الأراضي ولم أكن أعرف أنه يفعل ما يفعل حباً في تراب الوطن . الأسد : يالك من مغفل .. هل رأيت الذئب يسطو على الأراضي خارج الوطن ؟ الحمار : لا . الأسد : طبعاً لا .. لأنه وطني مائة بالمائة . الحمار : حقاً حقاً .. وبقي الثعلب ؟ الأسد : الثعلب حبيبي .. ما شأنه ؟ الحمار : إنه يحتكر المواد التموينية ويرفع أسعارها .. أنظر لقد اضطررت لبيع الخرج الجميل الذي كنت أضعه على ظهري لأشتري حفنة من التبن . الأسد : إنه يعمل ما فيه مصلحتك . الحمار : ولكن كيف ؟ إنه رأسمالي جشع . الأسد : صه .. لا تتفوه بالحماقات .. إنه يسعى إلى إزالة الفوارق بين الطبقات وإلغاء الامتيازات الطبقية .. ولذا كان لابد من تجريدك من خرجك لتتساوى مع أمثالك من الحمير . الحمار : ولكن ظهري يؤلمني . الأسد : كف عن التذمر أيها الحمار البرجوازي . الحمار : لا حول ولا قوة إلا بالله .. إنني أحس وكأن مبدأ إزالة الفوارق بين الطبقات قد جعل كل الطبقات تطبق على أنفاسي ! الأسد : الصبر يا بني . الحمار : كيف أصبر وقد أصبحت سائر طبقات المجتمع تركب فوقي دون طبقة من قماش تحميني من الاحتكاك .. انظر لقد تسلخ ظهري . الأسد : اللعنة عليك يا فسل ، أيأتمنك الشعب على أردافه وأنت تشكو ؟! الحمار : يا ملك الغابة لو جربت أن تجعلهم يركبون فوق ظهرك يوماً واحداً فقط لأدركت مقدار معاناتي . انتاب الأسد غضب شديد وظهرت مخالبه : أنا يركب فوق ظهري الغوغاء .. ويلك يا سفيه . وأطبق الأسد أنيابه في رقبة الحمار وقضى عليه.