يبدو أن الشعب اليمني قد كتبت عليه الأقدار أن لا يفرح البتة, وأن لا يذوق طعم السعادة على الإطلاق, وان يتجرع مرار المعاناة كلما أشرقت شمس الضحى, فما أن يخرج من مصيبة ويتعاقى منها حتى يقع في أخرى تنهكه وتزلزل كيانه, وما أن يتعايش مع نكبه ويتقبلها إلا وحلت غيرها تقصم ظهره وتزيد من معاناته والمه.. هكذا هو شعبنا المغلوب على أمره تتالى على رأسه الأزمات وتتوالى عليه المشاكل الواحدة تلو الأخرى وتتناوحه يمنة ويسره وتتقاذفه في أكفها وتتلاعب به أهوائها وأهواء سادتها ومفتعلوها,لم يذق طعم الراحة قط ولم يهنأ في حياته قط رغم أنه شعب يتوق للراحة والسكينة والهدوء والطمأنينة,غير مكترث ببهرج الحياة وزينتها ولا مبال بصراع المتناحرين ومكايداتهم التي لا تنتهي, يبحث فقط عن (كسرة) خبز يابسة يسد بها رمق جوعه,وشربة ماء يروي بها عطشه ويطفئ بها لهيبه جوانحه.. ورغم أن مطالبه بسيطة وبسيطة جدا إلا أن دولتنا الموقرة وحكوماتها المتعاقبة (عجزت) عجز تام أن توفر هذه الأشياء التي هي من الأولويات في شتى بقاع العالم ومن الأساسيات في حياة الشعوب,إلا في وطننا المنكوب باتت من (المستحيلات) التي يحلم بها البسطاء والمعدمين ليل نهار ويتوقون لأن تغدوا حقيقة تلامسها أناملهم, ويعايشونها في واقعهم المرير الذي لا يطاق ولا يحتمل.. ومع هذا وذاك ومع إنعدام لوازم الحياة ومتطلباتها لهذا الشعب ظلت الحكومات المتعاقبة في (غيها) وغطرستها وسياساتها (التجويعية) لشعبها غير مكترثة ولا آبهة به وبظروفه المادية والمعيشية وأنهالت عليه تارة (بالجرعات) وتارة (بالأزمات) وأخرى بالحروب والإقتتال والفوضى والعبثية فيما بين المتناحرين وخصوم السياسية وفرقا المصالح المادية.. بالأمس القريب تفاجأ الشعب وهم يعيشون أجواء العيد التي لم يذوقوا فيها طعم السعادة والفرحة بسبب إفتقارهم لأبسط الأمور والحاجيات والمتطلبات وبسبب الحالة المضطربة التي يعيشها الوطن,تفاجئوا بجرعة سعرية جديدة أظنها الأكثر قسوة مرت بهم والإكثر إيلاما تجرعوا مرارها.. (أماتت) في دواخلهم أخر معاقل الأمل في أن يصطلح حال الوطن وتتبدل أحواله ويشهد نموا إقتصاديا وماديا وسكينة وهدوء وإستقرار بعد أن ( أتخموا) في العقود الماضية من الوعود والعهود والنكبات والأزمات وفقدوا ثقتهم تماما في أحاديث المتشدقين بإصلاح الأوضاع في هذا الوطن الممزق.. جرعة في أعتقادي لا مبرر لها على الإطلاق ولا هدف منها سوى قصم ظهور البسطاء وإنهاك قواهم وإستنزاف مصادر دخلهم البسيطة وإضافة معاناة أخرى إلى همومهم التي نأت منها الجبال, وإلا فما مبرر هذا الرفع الذي تعدى حدود المعقول والمتعارف عليه لدى البسطاء منذ عقود طويلة ؟ وكيف سيتحمل المواطنين هذه الجرعة وتبعاتها وويلاتها وما تحمله من مشاكل جمة بين ثناياها من غلاء للأسعار وإرتفاع للمواد الغذائية وشحة المصادر والإمكانيات وربما إنعدامها..؟ حتى وإن كانت الدولة وحكومتها تنظر إلى رفع أسعار المشتقات النفظية من الناحية السياسية والإقتصادية التي ترى فيها هي مصلحة للوطن فهذا ليس مبرر كاف لأن تقصم ظهور المواطنين الذين لم يستطيعوا مجاراة الوضع في ظل الأسعار الماضية فكيف بالحالية؟ نحن هناء نتكلم بلسان حال البسطاء المعدمين بعيدا عن لغة السياسين والإقتصاديين الذين دوما (يتنبئون) بما لا يعلمون, ولا يتحقق من نبوءتهم شيء.. نحن نتكلم بلسان حال من لايجد في منزلة (قمح أو شعير أو أرز) أو أقل القليل مما تحتاجه أسرته والذين كان إرتفاع أسعار المشتقات النفطية بالنسبة لهم كالصاعقة,بل مصيبة حلت بهم,ولا نتكلم بلسان أولئك المتشدقين الذين يقولون ما لايفعلون ويعدون ثم يخلفون.. الجرعة قاتلة بكل المقاييس ومن سيدفع ضريبتها البسطاء الذين دوما هم من يتحملون أخطأ المتناكفين ويذوقون وبال شرورهم..لك الله ياشعب الجرعات, كلما لاحت في أفق سماؤك أطياف أمل بإنفراج لأزماتك تأتي رياح السياسية بما لا تشتهي أنت وبما لا تتمنى.. عزاؤنا الوحيد أن لنا ربنا رغم كل شيء فهو أرحم منا بإنفسنا ومن أولئك الذين خانوا أمانته فينا..والله من وراء القصد..