بالكاد يستطيع المشاهد فهم الواقع اليمني الحالي بسبب ضبابيته وتسارع أحداثه خلال الأيام القليلة الماضية، وذلك بشكل دراماتيكي لصالح المتمردين الشيعة ومن شايعهم في شمال اليمن. بالمقابل، لا يختلف اثنان أنه إذا ما كانت هناك معركة أرادتها السلطات الحاكمة في اليمن، فكانت بالتأكيد ستحسم لصالح الجيش اليمني الأقوى عدداً وعتاداً من بضعة آلاف من المسلحين، والذي أيضاً سيكون مدعوماً من المليشيات المسلحة لحزب الإصلاح والجماعات القبلية المسلحة الأخرى المتألبة على الفكر الشيعي لأنصار الله الحوثيين، بالإضافة إلى القاعدة، التي ستتفق مع الجيش اليمني في صنعاء لقتال "الرافضة". لكن، المتعمق بالرؤية إلى ما آلت إليه الأمور في صنعاء، سيتضح له أن إسقاط العاصمة كان محبوكاً "بحكمة يمانية" شديدة. في تصوري أن الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، يريد من خلال دخول الحوثي صنعاء إلغاء الدور القديم - الجديد لبعض قوى النفوذ العسكرية والقبلية، والتي تمنعه من تحقيق الأهداف الاستراتيجية في اليمن، التي خط المجتمع الدولي بنودها العريضة. هناك حقيقة لا ينبغي أن يغفلها المتابع للأحداث في صنعاء، وهي أن الحوثيين لن يسعوا إلى السيطرة على مفاصل الحكم أو تقلده بهذه السرعة، فهم لديهم "استراتيجية" طويلة الأمد، تبدأ من كسب تعاطف الناس وجعلهم ينظرون إليهم بأنهم الحل والسبيل الأمثل لوضع حل لمشاكلهم المتراكمة منذ عقود بفعل الفساد المستشري في البلد، وذلك كمدخل أساسي للسلطة، بالإضافة إلى التأثير على عقيدة الأغلبية السنية، بالإضافة إلى الطائفة الزيدية، القريبة من السنة، أو على الأقل تغيير النظرة المليئة بالشكوك حول نواياهم، وأنا هنا لست بصدد توضيح أهدافهم "طويلة الأمد"، التي تهدف إلى إعادة إنتاج الحكم الملكي في اليمن، أو ربما من خلال "ولاية الفقيه". هناك أيضاً أسباب أخرى للاعتقاد بأن السلطات كانت متواطئة مع الحوثيين لتسليمهم صنعاء، منها استخدامهم للسلاح الثقيل لقصف مواقع يتحصن فيها المسلحين الإصلاحيين وجنود الفرقة الأولى، وترك فرق الجيش الأخرى للفرقة المنحلة تقاتل الحوثيين دون إرسال تعزيزات عسكرية، تماماً كما حصل في سيناريو سقوط عمران، وترك القشيبي يقاتل وحيداً حتى قُتل، هذا دون الدخول في تفاصيل المعلومات المتداولة حول مشاركة العديد من المواقع العسكرية في قصف مقر الفرقة الأولى المنحلة. منذ بدء الاحتجاجات للحركة الحوثية في شوارع صنعاء في ال 20 من شهر أغسطس / آب 2014، كان هناك تواطؤ واضح من قبل السلطات اليمنية، وتسهيل مرور المسلحين الحوثيين والتغاضي عنهم، وما حصلت من اشتباكات بين عسكر وحوثيين كان من الواضح أنها حوادث عرضية وفردية لا تؤشر على اندلاع مواجهات منظمة بين الجيش والحوثيين، وربما حادثة إقالة قائد قوات الأمن الخاصة، اللواء فضل القوسي، بعد مقتل ثمانية متظاهرين حوثيين، يعد أقوى مؤشر على ذلك. هناك أيضاً خارطة تحالفات باتت اليوم واضحة أكثر من أي وقت مضى، وذلك بين الحوثيين والرئيس اليمني السابق، علي عبدالله صالح. من الجلي أن الرئيس السابق صالح التزم الصمت منذ بداية الأزمة إلى 15 سبتمبر / أيلول 2014، أي بعد خمسة أيام من ذكر صالح وحزبه، المؤتمر، بالاسم في تقرير لجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة. ينكشف أيضاً تعاطف صالح وحزبه جلياً من خلال مشاركة الكثير من أعضاء حزبه بمظاهرات الحوثيين، وعدم اعتراض اللجان التنظيمية للحوثيين على رفع شعار حزب المؤتمر إلى جانب شعارات الحوثيين. بالإضافة إلى ذلك، لعنة قتل المحتجين الحوثيين لاحقت اللواء فضل القوسي إلى نادي العروبة، حيث تم فصله من رئاسة النادي الذي يملكه ابن اخ الرئيس اليمني السابق، يحيى محمد صالح، كقربان حسن نوايا تجاه الحوثيين. تنبع أسباب خارطة التحالفات من العدو المشترك لكل الأطراف المذكورة أعلاه، سواء كانت حزبية أو قبلية أو عسكرية، والتي يتشارك الحوثي وهادي وصالح على عدائها. فهادي وصالح كانت لهم فرصة استخدام الحوثيين لإزالة أعداءهما عن المشهد السياسي، أو على الأقل إضعاف نفوذهم الذي لم تستطع ثورة 2011 أو ما لحقها من إعادة تدوير للمناصب من القضاء عليه. يبقى السؤال اليوم هو ماذا سيحدث بعد زوال مسببات التحالف ؟ هل ستتغير الخارطة من جديد حسبما تقتضي مصلحة كل طرف، أم ستكون هذه هي نهاية السيناريو؟