لم يكن مخفيا على الجميع الاثار السلبية التي حدثت بعد ازمة 2011 او كما سميت بالثورة، وتلك السلبيات اثرت بشكل كبير على شريحة الشباب اكثر فئة خرجت للشارع وتحديدا الشباب اللذين ساهموا في صنع التغيير بغض النظر ان كان التغير الذي وصولوا اليه لا يتفق مع تطلعاتهم وامالهم واحلامهم المنشودة التي لطالما تمنوا ان يصلوا اليها، وتأتي مسرحية صرف غير صحي للمخرج المتألق عمرو جمال لتكشف حقائق لم يكن احد يتجرأ من قبله على كشفها ومن اشد الاشياء التي لفتت انتباهي ديكور المسرحية الذي هو عبارة عن حمام غير مكتمل الترميم والذي يشير بشكل مباشر الى الصرف من الاموال المتسخة والاراضي المنهوبة من قبل من قادوا الثورات والازمات لكي يتم تلميع اسمائهم في ذاكرة الوطن ولكي يصنفوا من ضمن الشرفاء في المجتمع وتشير المسرحية بشكل غير مباشر الى الصراع بين من قادوا تلك الثورات ومن قادونا الى واقع غير صحي وبين الفئة المستفيدة من كل التغييرات وكذلك التعبير عن مدى بلوغ هؤلاء الى مكانات عالية في المجتمع على الرغم بانهم من المرتزقة ولايزالون يوالون من قاموا ضدهم ولكن بثمن مدفوع مقدما، وقدمت ايضا نموذج لمنظمات المجتمع المدني وتحديدا المنظمات المتسلقة على ظهور الشباب والتي تنهب الاموال مقابل المظاهر ومقابل الاقاويل التي لاتسمن ولا تغني من جوع ،ما اثار اعجابي حقا هو اتقان الممثلة سالي حماده دور رئيس منظمة مجتمع مدني نوال ،وكأنني ارى بعيني الواقع وارى تلك الرسائل المارة من خلال الشخصية التي تخلوا من المعرفة والثقافة و لا تكاد تعرف ايضا معنى كلمة العدالة الانتقالية –كما سمعتها في نص المسرحية. انه لشيء رائع ان نرى الصحفيين المرتزقة عندما يتحالفون مع اشباهم من منظمات المجتمع المدني تحت اطار واحد ،وكذلك التعامل مع جميع الاحزاب بقلم واحد والشاطر الذي سيدفع اكثر، ذلك ما جسده المبدع سامح عقلان بدور عوض الذي كان دورة رئيس تحرير صحيفة تقرر ماذا ستنشر ممن يدفع اكثر. كانت الروعة في اداء الرائع المبدع عدنان الخضر في دور غازي حيث شاهدناه في دور لأول مرة في شكل متغير جدا ليجسد شخصية استاذ جامعي اكاديمي ورئيس حزب سابق حيث اصبح لاحول له ولا قوة بعد ان كان يتغنى بقصائده العصماء الداعمة لحزبه وبعد ان قام بكل ذلك تم الاستغناء عنه وتشير القصة ايضا الى زوجته الدكتورة سوسن التي قامت بتجسدها الفنانة الرائعة شروق التي ايضا لا تقل شأنا عنه لكونهما استبعدا من مناصبهما بعد ان قامت عليهم الثورة التي كانت من احد اسبابها الاستيلاء على الاراضي ونهب المواطنين لعشرين سنة. الصرف يكون غير صحيا عندما نعالج الخطاء بخطاء اكبر منه ولعل الفنان المبدع قاسم رشاد سباك الحمام جسد الفئة الصامتة من الشباب حيث كان دورة اشبه بمتلقن للمعلومات التي تارة يفهمها بشكل صحيح وتارة اخرى ينفذها بعد فوات الاوان ولكن هم من بيدهم التغيير الى الطريق الصحيح عندما يظهر الحمام على حقيقته وعندما ينهار الجدار الهش الذي وضعوه المتسلقين على ثورة الشباب الجدار الذي لم يكن صلبا بالقدر الكافي لكي يصمد امام انهياراتهم وامام كشف حساباتهم التي هي اصلا مكشوفة عندما اغلق الباب وواجه جميعهم بعضا الامر الذي جعل سفر نوال يذهب وموعد الطائرة يفوت بعد ان سبقتها المدعوة والمذكورة بالاسم فقط في المسرحية نجيبة سلطان، وكذلك الصحفي رئيس التحرير الذي فاته موعد مهم وكذلك غازي الذي فاته اجتماع لم ينوي حضوره لولا اصرار زوجته سوسن رغبة منها في تحسين وضعهم للعودة كما كانوا من قبل، ولكن لأشيء يعود كما كان ،عندما اغلقت الدرجة بالمسمار وعندما اغلق الباب على الشباب (الفئة الصامتة)اصبح الباب سهل الفتح ليس بربطة العنق كما ارادوا ولكن الكماشة التي في يد من يسمع ولا يتحدث هي من قامت بالغرض. صرف غير صحي اثلجت صدور الحاضرين جمعت بين الكوميديا والواقع السياسي للبعض بعد الثورة بصورة رائعة جدا وبأسلوب متميز جدا، على امل ان يلتفت الشباب الى مستقبلهم وان يحققوا طموحاتهم بالطريق الصحيح كما يريدون وان لا يكونوا اداه بيد من قاموا ضدهم يوما.