سنان بيرق لقد غدا مشفى الثورة في صنعاء، الذي كان يومًا منارةً للشفاء وملاذًا للمرضى، أنقاضًا ميتة يُرثى لها. جدرانه الصامتة تروي حكاية الإهمال، وأروقته الخاوية تشهد على انكسار الأمل في وطنٍ كان يفتخر بمؤسساته الصحية. أين يُرتجى أن يكون مستشفى الثورة اليوم جيدًا أو ممتازًا أو حتى مقبولًا، إذا كان جلّ كوادر إدارته يملكون أو يشاركون في مستشفيات خاصة؟! كيف يمكن لمؤسسة عامة أن تنهض، وقد تحوّل بعض القائمين عليها إلى تجار صحة، يستثمرون المرض لصالح مشاريعهم الخاصة؟! لقد صار الإهمال نهجًا مقصودًا، يُدفع به المريض دفعًا إلى خيارين لا ثالث لهما: الموت البطيء على أسِرّة العجز، أو طرق أبواب مستشفياتهم الخاصة التي يملكونها، حيث العلاج سلعة، لا حقًّا إنسانيًّا. والأدهى أن الدولة نفسها، التي يُفترض أن تكون الحارس الأمين لصحة مواطنيها، ليست مجرد متفرج على هذا الانهيار، بل هي شريك أصيل في ملكية ودعم كثير من هذه المستشفيات الخاصة. وبذلك، يغدو من العبث انتظار إصلاح أو تطوير في مشفى الثورة أو غيره من المستشفيات الحكومية، ما دامت المصالح متشابكة، والسلطة والمال يسيران في خط واحد. إن ما يحدث في مشفى الثورة ليس أزمةً محلية فحسب، بل جريمة إنسانية تستحق أن تكون على طاولة المنظمات الدولية، ومحل اهتمام الرأي العام العالمي. فالصحة ليست رفاهية، بل حقٌّ أصيل من حقوق الإنسان، والاعتداء على هذا الحق هو اعتداء على الحياة ذاتها. نداء إلى العالم: من قلب اليمن، ومن بين جدران مشفى الثورة التي تصرخ بصمت، نوجّه نداءنا إلى منظمة الصحة العالمية، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، وأطباء بلا حدود، وإلى كل المنظمات والهيئات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، وإلى وسائل الإعلام العالمية الحرة: أنقذوا هذا الصرح قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة. أنقذوا المرضى الذين صاروا أسرى الفقر والمرض والإهمال. أنقذوا ما تبقّى من إنسانية في هذا المكان. اليوم، نحن أمام سؤال مصيري: هل نترك المريض والمشفى معًا على سرير الموت، أم نتحرك لإنقاذ ما تبقّى من نبض في جسد هذا الوطن؟