بين أروقة صحيفتي "26 سبتمبر" و"اليمن"، عاش رجال لا يعرفهم سوى القليل. لم تصنع لهم الشاشات ولا مواقع التواصل أسماءً لامعة، ولم تُغرِهم أضواء الكاميرات أو الألقاب المزيفة. كانوا صحفيين من طراز نادر، رجالا ظلوا يعملون بصمت، يحررون الأخبار، يصيغون التقارير، ويراقبون كل شاردة وواردة في وكالات الأنباء الدولية ووسائل الإعلام العالمية، دون كلل أو ملل. كان كل ما يملكونه مستحقات زهيدة منها يعيشون ويعيلون أطفالهم. وفي رحلتهم اليومية، يجوبون الشوارع مشيًا على الأقدام أو يركبون الباصات المزدحمة، وكانت وجهتهم دائما هي مقرات الصحف، حيث يكتبون الحقيقة ويصنعونها، بعيدًا عن الأضواء. يلتهمون ساعات النهار ولياليه بلا كلل، ليصنعوا الحقيقة صافية، ناصعة، كما هي. ظلوا أوفياء لمبادئهم حتى لحظة الاستشهاد، تلك اللحظة التي اختاروا فيها أن يكونوا جزءًا من التاريخ .. شهادتهم كانت الكلمة الأخيرة، وخبرهم الأخير. هم شهداء الكلمة الذين صنعوا من الصمت صوتًا، ومن المجهول حقيقة، ومن الألم شهادة على الإنسانية. صنعاء تعرفهم، القليل يعرفهم، والعالم ربما لم يسمع عنهم. لكن الحقيقة_ كما كانوا يعرفون دائمًا_ لا تحتاج لمن يصنع لها أضواء.