نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرًا تحليليًّا مطوّلًا عَدَّت فيه أن الاتّفاق الأمني العسكري المرتقَب بين أمريكا والسعوديّة يمثل أكبر مقامرة استراتيجية في (الشرق الأوسط)، ويرسّخ نفوذ الشركات الأمريكية أكثر مما يخدم مصالح المواطنين الأمريكيين، فيما يمنح الرياض مِظلة تمكّنها من الإفلات من المساءلة الدولية. ويؤكّد التقرير، أن عودة ولي العهد السعوديّ محمد بن سلمان إلى الساحة الدولية بعد سنوات من العزلة تُعدّ واحدة من أبرز التحولات السياسية في العقد الأخير.. فبعد أن كان منبوذًا على خلفية جريمة مقتل الصحفي جمال خاشقجي عام 2018، عاد اليوم إلى واشنطن وهو يحمل وعودًا باستثمارات سعوديّة ضخمة تُقدّر ب600 مليار دولار في قطاعات أمريكية متنوعة، مقابل ضمانات أمنية أمريكية. ويسرد التقرير كيف بدأت عزلة ابن سلمان عقب مقتل خاشقجي؛ إذ انسحب مسؤولون تنفيذيون من مؤتمرات الرياض، وفرضت إدارة ترامب عقوبات على 17 شخصًا، ثم جاء التعهد الانتخابي للرئيس جو بايدن بوقف بيع الأسلحة للسعوديّة، قبل أن تعلن إدارته في 2021 أن ولي العهد مسؤول عن الجريمة دون اتِّخاذ إجراءات عقابية مباشرة ضده. وتشير المجلة إلى أن بايدن عاد بعد عامين للتعامل الطبيعي مع الرياض؛ بسَببِ مكانتها كمستورد أول للسلاح الأمريكي، ولأهميتها في حسابات النفوذ الأمريكي بالخليج. وفي 2022 زار بايدن المملكة طالبًا زيادة إنتاج النفط، وواعدًا بتخفيف القيود على مبيعات الأسلحة. ومع عودة دونالد ترامب إلى السلطة، تقول المجلة إن العلاقة الأمريكية–السعوديّة استعادت صيغتها القديمة: حماية عسكرية مقابل التزامات مالية واستثمارية واسعة. وتلفت فورين بوليسي إلى أن جوهر النظام في السعوديّة يظل استبداديًّا. فلا توجد انتخابات أَو مشاركة سياسية، وأي احتجاج قد يُعامل كجريمة إرهابية، بينما يظل القضاء بلا قانون عقوبات مدوّن؛ ما يترك الأحكام رهينة التقديرات الفردية للقضاة. وتشير المجلة إلى تسجيل 322 عملية إعدام في 2025، معظمها لأجانب. وفي موازاة ذلك، ضخت المملكة مئات المليارات في قطاعات أمريكية تشمل التكنولوجيا، الترفيه، الطاقة، الزراعة والمياه، للحصول على ما تصفه المجلة ب"الضمانة الذهبية": التزام أمريكي بالدفاع عنها، واحتمال حصولها على مقاتلات F-35، رغم التحفظات الإسرائيلية على اتّفاقية حماية رسمية. وبحسب التقرير، فإن الشركات الأمريكية هي المستفيد الأكبر من الصفقة، بينما يتحمل الشعب الأمريكي الكلفة العسكرية والدبلوماسية، بما في ذلك المخاطر التي قد يتعرض لها الجنود الأمريكيون في حال اضطروا للقتال دفاعًا عن المملكة. وتحذّر المجلة من أن الولاياتالمتحدة توسّع التزامًا عسكريًّا لا يستند إلى مبرّر استراتيجي واضح، بل يربط أمنها بقائد واحد لا يخضع لمحاسبة مؤسّسية، وله سجل في القرارات المتسرعة. وتخلص فورين بوليسي إلى أن الاتّفاق لن يحقّق استقرارًا للمنطقة، بل قد يورّط الولاياتالمتحدة في صراعات جديدة غير مرغوبة، ويعزز لدى السعوديّة شعورًا بأنها بمنأى عن المساءلة، ما يجعل هذه الصفقة -وفق تعبير المجلة- أكبر مقامرة أمريكية في الشرق الأوسط خلال العقد الأخير.