بعد يوم شاق إرتمى على سريره لم تستطع أن تغريه أجفانها شبه المسبلة والعرق الناضح من جسدها وشعرها المنفوش وكعادته لايشعر برغبة فيها هذا المساء.إنه منهك القوى عن الإكتراث بالأنثى الملقاه أمامه فأغمض عينيه وراح يستعيد ذاكرة الأزمنة ذات الصدى المر. تذكر المرأة التي أحبها ذات جنون ومن يومها عجزت ذاكرته أن تنشغل بسواها رغم إزدحام السنين بغيوم المستحيل.. فتح عيناه على واقع أجبر على التأقلم معه, عيناه معلقتان بالسقف الملتفع بالظلمة الحالكة من بين شقوق كهوف الشوق واللهفة، عيناه وحيدتان في صمت الغربة والمرأة لم تزل ملقاه أمامه أرادها أن تكن زوجته لكنه فشل. لم تزل "سلمى" تسكنه فدبيب أقدامها يجول في ردهات قلبه النابض بالعشق وحين ترهف السمع أكثر تتحول أصوات خطواتها إلى طرقات مطارق وطبول حرب تقرع تعيده للحياة كلما راوده اليأس عن نفسه. نهض من على سريره وأرتمى على الكنبة المهترئة إلى جواره, تأمل الجسد الذي أمامه وكعادته تحاشاه مثلما أصبح يتحاشى الجميع حتى الحديث مع صديقه المقرب الذي نصحه يوما ما بالزواج لينسى محبوبته فخابت نصيحته ولم يثمر عن ذلك الزواج سوى الفشل كل ليلة. تحسسها في قلبه فألقى بنظرة مفعمة بالحنو لصورتها في ذاكرته فأنحدرت دمعة على خده مغلفة بشجن حار يتمحور في العروق ويسري في جسده مسرى الحمى, تساقطت الذكريات تباعا كحبات المطر..قسمات وجهها الطفولي الأبيض الملتمع كرغوة البحر عند إصطدامها بصخور "صيرة" كم كان يحلو لهما الهروب إلى هناك.. لا يزال يتذكر رعشة يديها حين أمسك بهما لأول مرة. – سلمى ..تعالي لم أعد أطيق!! صوت رقيق يغمر غرفته من البعيد: هل فارقتك حتى أعود إليك؟؟ أجابته سلمى بصوتها العذب. -أشعر بصداع شديد من التفكير ..لقد أصبحت حياتي عبث بدونك ..متى ستعودين؟؟ - لن أعود إليك..قد رحلت بعيدا لن أعود. قد أجبرتني على إنهاء حياتي فوجودي بدونك شأن لا جدوى منه..حين أنهيت مسيرتي بالموت كنت أنت قد أنهيتها مسبقا بالزواج!! -سامحيني يا حبيبتي لقد أجبرت على ذلك كنت تدركين الظروف التي أعاقت إرتباطنا وقسوة أهلي وووو... -ربما كنت نزوة لا أكثر!!! -لا..لا..أنت حلم العمر وحبي الأكبر.. -لكني هنا أتعذب بسبب رجل تخلى عن حلمه!! - وأنا هنا أموت كل ليلة بعيدا عنكي..عودي يا سلمى عودي إلي..., إنسحبت سلمى من أمامه بثوبها المخملي, كانت الساعة تشير إلى الثانية بعد منتصف الليل, أغمض عينيه فجأة واستسلم لنوم عميق فغدا يوم شاق وليل مرير ستزوره سلمى ..ستمكث معه لدقائق لتخبره الحقيقة بأنها لن تعود..ثم ترحل من جديد..