كتب : مشيرة الصاوي تدفع الظروف الاقتصادية السيئة الأشخاص إلى اتخاذ قرارات رغم إرادتهم، قرارات تسبب لهم الكثير من المعاناة، قرارات تجعلهم يمكثون في بلدان غريبة أكثر مما يقيمون في وطنهم، فأصبحوا مواطنون لكن غرباء، لا يحملون من الوطن سوى جنسيته، مشاعرهم مشتته، ونفوسهم جريحة تسأل الله أن يشفيها، سلواهم الوحيدة هي شتيت من الذكرى وعدد من المكالمات الهاتفية، هذا هو حال الآباء الذين حكمت عليهم مطالب المعيشة التي لا تنتهي بالابتعاد عن فلذات أكبادهم وعن زوجاتهم، فأصبحت المعانة هي توأم روحهم ورفيق أبنائهم. أوضح الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، أن سفر الآباء إلى الخارج لفترات طويلة دون اصطحاب أبناءهم يعد أمرًا شديد الخطورة بالنسبة للأبناء، بسبب حدوث خلل في ما يعرف بهرم الاحتياجات، والذي يعتمد على توفير المأكل والملبس والمشرب والشعور بالأمان، فالأبناء في تلك الحالة يجدون كل مطالبهم المادية مجابة، لكنهم يحرمون من الإحساس بالعاطفة الأبوية، والتي لا يمكن لمال أن يعوضها، فيصبح الأب في نظر أولاده مجرد مصدر للمال فقط. وقال فرويز أن الأم في تلك الحالة تقوم بدور الأب والأم، إلا أن نجاحها في ذلك يتوقف على مدى امتلاكها للقدرات التي تؤهلها لذلك، مشيرًا إلى أن هناك أمهات تفضل مصالحها الشخصية وورغبتها في إشباع احتياجاتها على مصلحة أبنائها. وأشار فرويز إلى أن مخاطر هذا الأمر تتمثل في صعوبة السيطرة على الأبناء، وحدوث نوع من الانحراف الأخلاقي لهم، مثل لجوئهم إلى المخدرات كنوع من الهروب، السرقة، الكذب لإخفاء أخطائهم، العنف في التعامل مع الأم لدرجة تصل إلى حد الضرب، مشيرا إلى أن الأب سيواجه صدًا كبيرًا من قبل الأبناء في حال محاولته القيام بدوره الذي تركه طواعية. ونصح فرويز الأب بضرورة التقرب إلى أبنائه خاصة في الفترة التي يكون فيها متواجدًا معهم، وأن يصبح صديقًا لهم يقصون عليه كل كبيرة وصغيرة في حياتهم، فيشعر الأبناء أنه يعيش بداخلهم مهما باعدت بينهم المسافات، مؤكدًا على ضرورة اصطحاب الأبناء معه في حالة توافر المقدرة المالية. وأوضحت الدكتورة منال زكريا، أستاذ علم النفس كلية الآداب جامعة القاهرة، أن التنشئة الاجتماعية السليمة تعتمد على كل من الأب والأم، وبعد أى طرف يفقد الطفل عنصرا مهما من عناصر التنشئة، مما يؤدي إلى حدوث خلل في تلك العملية. وقالت زكريا إن اختيار الوقت الملائم للسفر يأتي في مقدمة العوامل التي تقود الأطفال إلى بر الأامان عندما يكونون بمفردهم، فلا يمكن للاب أن يسافر دون أن يرسخ في أولاده المنظومة القيمية التي تعد مرشده الأول، وبذلك يصبح عنصرا فاعلا في عمليه التنشئة وأولاده، مشيرة إلى أن قرار السفر لايؤخذ إلا بعد مناقشة الأطفال وإيضاح دوافعه، مع ضرورة التركيز على أن معاناة الأب لا تقل بحال من الأحوال عن معاناتهم. وأشارت زكريا إلى مخاطر سفر الأب في سن غير ملائمة، حيث يفقد الأبناء معيارية الصواب والخطأ، ويفقدون القدوة والمثل الأعلى، إضافة إلى حدوث اضطرابات نفسية مثل العدوانية، عدم احترام القيم الأخلاقية، فقدان الأم لهيبتها، انحراف سلوكهم نتيجة تدفق الأموال في يدهم. ونصحت زكريا الأب بضرورة أن يكون غائبًا حاضرًا، يتحدث بشكل يومي مع الأبناء، عدم الغياب لفترات طويلة، الاعتماد على الخطابات المكتوبة التي تبرز المشاعر الأبوية، التعبير المستمر عن مدى حبه لأبنائه، إرسال الهدايا التي تعمل على إعلاء القيم الروحية والأخلاقية كالكتب، وعدم الاقتصار على الأشياء المادية، كما يجب على الأم أن تؤكد على ضرورة الالتزام بما يقوله الأب والعمل على تنفيذه، عدم البت في موضوع دون الرجوع إليه، عدم الرضوح لمطالب الأطفال.