صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    عيد العمال العالمي في اليمن.. 10 سنوات من المعاناة بين البطالة وهدر الكرامة    العرادة والعليمي يلتقيان قيادة التكتل الوطني ويؤكدان على توحيد الصف لمواجهة الإرهاب الحوثي    حكومة صنعاء تمنع تدريس اللغة الانجليزية من الاول في المدارس الاهلية    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    عن الصور والناس    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأب الحاضر الغائب
نشر في الجمهورية يوم 19 - 05 - 2013

تعاني العديد من الأسر من غياب الأب، حيث لم يعد يلعب ذلك الدور المحوري والأساسي داخلها، فتراجع دوره بشكل ملحوظ ظناً منه أن مهامه تقتصر على ما هو خارج عتبة المنزل، ناهيك عن أن وسائل الحياة العصرية جعلت تنصل الأب من مسئاولياته أمراً محتماً، في ظل توفر الحياة المادية الميسورة أحياناً، ووسائل الترفيه ورغد العيش، وفي ظل تراجع دور العادات والتقاليد الأسرية, فأصبح الأب حاضراً غائباً..
إن تواجد الأب في المنزل ليس هو مطلب في ذاته، بل يجب على الأب أن يعرف ماذا يجب عليه أن يفعل أو لا يفعل في حال تواجده في المنزل, وهنا سيدرك كل منا هل هو من الآباء الغائبين، أم من الآباء الحاضرين الغائبين..
أشعر بتقصير شديد تجاه أولادي
لفت نظري أب يلاعب أولاده مع بعض أصدقائهم في الحديقة, يقفز، يركل الكرة ويشجع. يقضي وقتاً مع أطفاله من دون التخلي عن وقاره أو هيبته وهو المدرس للمرحلة الثانوية, مشهد يُصنّف «خارقاً للعادة» فالنساء فقط، يجلسن على مقاعد الحديقة، ويراقبن أولادهن أثناء لعبهم، يسدين لهم النصائح ويصفقن عند سقوطهم على الأرض، ويشجعنهم على الوقوف ومعاودة اللعب والقفز والصراخ.
إلاّ أن «الأخ» محمد العامري، يعي أن الوقت الذي يقضيه مع أطفاله الثلاثة (ولدين وبنت) غير كافٍ، ولذلك يسعى إلى تمضيته برفقتهم وعلى طريقتهم. ويُعتبر دوام العمل، الممتد من الثامنة صباحاً إلى الثانية عشرة والنصف ظهراً، ومن الثالثة بعد الظهر إلى السادسة مغرباً، من أبرز ما يُعرقل وجود الأب إلى جانب أولاده وممارسته نشاطات مختلفة معهم. فدوام عمله إلى جانب الدروس الخصوصية، يقضي على أي فرصة للتواجد مع أولاده ومتابعة أمورهم والتحدث إليهم.
ويخضع محمد لرغبة أطفاله، بعد أن يشعر بالمرارة لعدم قدرته على مجاراتهم في كثير من الأحيان بسبب ضيق الوقت وكثرة العمل، ويقول: «أحمل طفلتي على كتفي وأنزل بها إلى الحديقة، لأسكتها بعد أن تبدأ بالبكاء وطرق الباب من الداخل، تعبيراً عن رغبتها في الخروج. أو ألبي رغبة أبنائي في اللعب معهم على الكومبيوتر، بعد محاولاتهم الحثيثة».
ويسعى محمد دائماً إلى اقتناص الفرص للاستمتاع بصحبة أولاده، ويشعر بأنه مقصّر مع أبنائه. ويقول: «الأطفال في هذه السن يحاولون إقامة توازنات في مخيلتهم عبر طرح الأسئلة». ويضيف: «بعدي عنهم يجعلني عاجزاً في بعض الأحيان، عن الإجابة عن أسئلتهم». وتبقى الفرصة الأبرز، لتمضية الوقت برفقة أطفاله، خلال العطلة الأسبوعية.
الطفل صفحة بيضاء
أم محمد، ربة بيت تركت عملها حتى تتفرغ لأولادها، خاصة أن الأب غائب عن البيت معظم الوقت، وأن تغطي غيابه عن المنزل، من خلال الحفاظ على دوره، فتلجأ في مرات عدة إلى تحذير أولادها من غضب أبيهم إذا لم يحضّروا دروسهم أو إذا خالفوا أوامرها، وتؤكد أن وجودها وحدها مع أبنائها لا يكفي، فوجود الأب ضروري لإعطائهم الثقة بأنفسهم، وقسوته أحياناً ضرورية.
وتضيف أم محمد: من واقع تجربة أشبه الأبناء بالورقة البيضاء، يكتب فيها الأب والأم ما يريدون ويرتبونها في أجمل ما يكون، أو يعبثون بها ويدعونها شخابيط وطلاسم لا تقرأ، ولا تفهم.. فإن تلك الصفحات البيضاء ما وضعته بها تراه أمامك تحصد ثماره، فالأبناء هم تلك الصفحات البيضاء لذا وجود الأب ضروري فالأب راع وكلٌ مسؤول عن رعيته، كما أخبرنا المصطفى عليه الصلاة والسلام.
الأب هو المشرع لأبنائه
د. أماني فارع، علم نفس تقول: يحتل الأب مكانةً خاصةً ومهمة بالنسبة للعائلة، ويلعب دوراً بارزاً في تماسك الأسرة ويكفل وجوده عدم تفككها واستمرارها. وليس من باب العبث أن يطلق على الأب عبارة “رب الأسرة” لأنّ وجوده يحفظ الأسرة، ويتيح للأبناء الاقتداء به والسير على خطاه، ويعطيهم الإحساس بالأمان والاستقرار، ويعتبر وجوده أيضاً حيويّاً بالنسبة لتكوين شخصية الأبناء وتوازنهم الفكري والنفسي من خلال توجهاته الرشيدة التي تمنعهم من الزيغ والسقوط في وحل الضياع.
وكما أنّ وجود الأب وسط العائلة له فوائده، كذلك غيابه عنها له مضار كثيرة تؤثر بشكلٍ مباشرٍ وجذري على العائلة بأكملها دون أن يستثني أحداً منها، سواء على صعيد الأم، التي هي العنصر الثاني والمهم في العائلة، أو على صعيد الأبناء، وحتى على صعيد الحياة المعيشية والتي تناط مهامها بشكلٍ أساسيٍ ومباشر بالأب الذي هو رأس الهرم...
يشكل الأب بالنسبة للطفل نموذجاً يحاول دائماً الاقتداء به بما يصدر عنه من أفعال وأقوال، الأمر الذي يعكس حالة الطفل إلى الأب كنموذج لسلوك يحاول أن يعتاد على التمثل به. ومن هذه الناحية فإن ما يلاحظه الطفل من سلوك والده يلعب دوراً مهماً للغايّة في تكوين شخصيته أكثر ممّا تؤديه النصائح والتوجهات التي يسمعها وهذه ظاهرة تعرفها مختلف الأسر.
كما ويعتبر الأب بالنسبة لطفله المُشرع الذي يضع له الحدود فيما يجب أن يقوم به وما لا يجب أن يقوم به. وبغياب الأب عن الأسرة يحدث اضطراباً في حياة الطفل، ويبرز ذلك جلياً في مشاعر الخوف والقلق التي تصيب الطفل بين الحين والآخر ولا سيما أثناء النوم أو على شكل أعراضٍ (نفسية، وجسدية)، أو على شكل تغير مفاجئ في السلوك لم يكن معروفًا قبل غياب الأب. وكثيرًا ما تكون هذه الأعراض النفسيّة والسلوكيّة بمنزلة خطاب لاشعوري موجه للأب إذا كان لايزال موجوداً في محيط الأسرة لكن حاضرا غائب، أو موجه للآخرين للاهتمام بما يعانيه الطفل نتيجة غياب الأب.
للأب مكانة لا يملأها لا أم و لا أخ و لا عم و لا خال و لا مخلوق في الكون مهما بلغت تضحياتهم و حنانهم لا تصل لدرجة تضحية الأب و حنانه..
سلبيات غياب الآباء عن أبنائهم
أولاً: ضعف الجانب العاطفي الأبوي، فانعدام المشاعر الأبوية تجاه الأبناء يؤدي إلى انعدام الحنان والمحبة بين الطرفين وحدوث حالات نفسية مكتئبة لدى الأبناء, فقد تحدث بعض الاضطرابات في حياة الطفل، ويتجلى ذلك في مشاعر الخوف والقلق، التي تنتاب الطفل بين الحين والآخر، لاسيما أثناء النوم، أو بشكل أعراض نفسية جسدية (قضم الأظافر، تبول لاإرادي، عدم التركيز، كثرة النسيان، الميل للعزلة).
ثانياً: شلل الهيكل التربوي نتيجة لغياب الأب المستمر، فتضعف الجوانب العلمية والفكرية والثقافية لدى الأبناء.
ثالثاً: تحمل الأم العبء الأكبر من مسئولية تربية الأبناء في جميع الجوانب، وهذا يؤدي بلا شك إلى تقصيرها في التربية، بسبب غياب دور الأب ومسؤوليته في المنزل .
رابعاً: حدوث خلاف وشقاق مستمر بسبب تقصير الأب وغيابه المتكرر، وهذا يؤدي إلى التأثير السلبي على نفسية الأبناء.
خامساً: غياب الأب يعني غياب القدوة والسلوكيات الدينية مثل اصطحاب الأب أبناءه إلى المسجد، والسلوكيات التربوية الحياتية اليومية مثل متابعة الأبناء واجباتهم المدرسية.
سادساً: انحراف الأبناء خاصة مع وجود عوامل مؤثرة كالتلفزيون والإنترنت.
نحن بحاجة إلى التوعية
أم يوسف الخطيب، عاملة توكد أن وظيفة المرأة ليست فقط الرعاية, لطالما قابلت أمهات للأسف يعتقدن أن هذا دورهن: الاهتمام و الرعاية والطبخ والمسح, إن دورنا كنساء أكبر بكثير ونحن بحاجة لتوعية كبيرة و حملات تدريب, علينا أن نجهز فتياتنا لكي يصبحن أمهات يربين جيلاً يقود العالم.. وأين المشكلة لو فعلاً أقمنا دورات تدريبية بهذا الهدف؟..
أين المشكلة لو أقمنا دورات لإعداد الشباب للزواج و دورات لإعدادهم لتربية الأولاد؟ بل على العكس قد تحد هذه التوعية من ارتفاع نسب الطلاق التي نشهدها يوماً بعد يوم، نريد من المؤسسات الاجتماعية أن تنظر بجدية إلى هذه الأمور..
لا أستطيع القيام بدور الأب
أم مصطفى، تقول: ابني جاء بعد ستة بنات، كبر بينهم وأبوه مشغول كبقية الآباء، وإن حضر فهو الحاضر الغائب، لا يهتم كثيراً بأن يجلس إلى ابنه أو بناته، بل لم يحدث أن رأيته يحدث أحدهم حديثاً ودياً, المشكلة أن عبد العزيز أصبحت تصرفاته واهتماماته لا تختلف عن أخواته البنات وله عذره، فهو لا يرى سوانا, فالأب موجود ببدنه معهم، ولكنه قد رفع يده بالكلية عن متابعة أولاده, ولم يلتفت إلى هذا الأمر ووكله إلي، ولا يعلم أنني غالبا لا أ تمكن من متابعة ابني الذي أصبح يعيش مرحلة المراهقة، فهذه الوظيفة تتطلب الحزم والقوة أحياناً والحكمة والقدرة على اتخاذ القرار وملكة الإقناع وغيرها من الصفات القيادية التي يتمتع بها الرجل، مع أن قليلاً من الأمهات حباهن الله تلكم الصفات، وكان لهن دور عظيم في تربية أولادهن عند غياب الأب أو فقده لكني صراحة لا أمتلك كثير من هذه الصفات.
ترتيب الأوليات
يقول د طه الحقب أستاذ علم الاجتماع جامعة عمران:
للدوافع أهمية كبرى في حياة أحدنا وهي التي تولد السلوكيات الإيجابية والسلبية، ومع غياب إدارة حقيقية للوقت، أو فهم ناقص لبعض القيم في مشاهدة الحياة، تتأرجح نسبة المعقول وغير المعقول في آثار السلوك عن البشر، فمن مَلَكَ القدرة على التخطيط والتحفيز النفسي والعقلي فقد وقر أسباب النجاح ومَلَكَ عمره، ومن ساهم في قتل الوقت فقد قتل نفسه دون أن يعلم، ودائماً نسمع ونشاهد ونقرأ عن أزواج جعلوا من بيوتهم محطة للاستراحة القصيرة، بينما كان الشارع والاستراحات القسم الأكبر من ساعات اليوم، وقد يبرر سلوكه بالفرار من البيت والمسؤولية، فلا يساهم في إيجاد حياة مستقرة، بل يعلِّل ما يترتب من آثار لغيابه من المنزل بالحجج الواهية، ويتخلى عن واجبه تجاه زوجته وأبنائه، فالزوجة في النهاية إنسانة تجمع في قلبها المشاعر الجياشة والأحاسيس العاطفية، وعندما نرى اختلاف مستويات الأبناء وتفاوت سن أعمارهم، ندرك أن الأبناء تتفاوت كذلك مدركاتهم للقيم وكسب مفردات التربية السلوكية، لأنهم بحاجة إلى كيان الوالد كجسم يحتل كثافة ساحية في بيته، فيجد أمامه معاني الصداقة ويستشرف من عطر أبيه ما يحتاجه من حب ورفق، وقد يؤلمه لذعة فراقه وغيابه عن المنزل، فالوالد هو الملجأ الوحيد الذي يحتاجه الأبناء عند كل كرب وضيق، يحتاجونه كمؤدب، فينشأ الناشئ فينا على ما عوّده والده، والوالد في الأخير هو البوابة التي تحرس عملية التكوين في كل أشكالها، فيكبر الولد ويكون رجلاً صالحاً، والبنت تكون أماً صالحة، وكم قاست الكثير من الأمهات في العملية التربوية عند غياب الآباء. وعن كيفية توجيه الآباء نحو خطورة تغيبهم عن المنزل يضيف د.الغليقة: يجب أن ننبه الآباء إلى أن الاستثمار الحقيقي يكون في الأبناء، وليس الاستثمار المالي، وأن المستقبل كفيل بإظهار معالم هذه القضية، فالآباء يرون الأموال الطائلة التي جمعوها لا تغطي عيباً واحداً من العيوب التي نشأت بسبب غيابهم عن المنزل، ولن تتحقق الحاجات النفسية التي تنطلق من قلب هذا الطفل إلا بكثرة مداومته مع والده، وقد يفقد الطفل معاني الرجولة والذكورة نتيجة نقص المناعة العاطفية الأبوية، ولو افترضنا أن بعض الأمهات حازمات فإن البعض الآخر من الأمهات لا تربي رجالاً، لذلك يشوب تربية بعض الأمهات للأولاد شيء من فقدان الرجولة، فيجب أن نوجّه الآباء إلى أن تربية الأبناء واجب شرعي وعرفي وأخلاقي، بينما الانشغال بتكثير الأموال ومضاعفتها أمر مطلوب ولكن ليس بواجب، فيجب ترتيب الأولويات، وعندما نعرض بعض الإحصائيات التي تبين الآثار السلبية لغياب الأب عن المنزل، سنجد أن الأمر جلل والقضية تحتاج لدراسة متأنية، فهل قام بعض الآباء بزيارة مراكز الأحداث والتعرف على حالات الانحراف الناتج عن فقدان وجود الأب في المنزل؟ وهل قام بعضهم بمقارنة بين الحالة السابقة وحالات النجاحات التي حققتها الأسر التي تكامل فيها وجود الوالدين في المنزل وقتاً أكثر؟
أخيراً أقول: إن حسن استقبال الزوجة لزوجها عند دخوله في عشه الآمن، أو حُسن تدبير الزوجة لشؤون المنزل من نظافة وترتيب وإعداد للطعام، أو حُسن توفيق الزوجة بين واجباتها المنزلية ومسؤولياتها خارج البيت، تطوّل مدة مكوث الأب في المنزل وخاصة إذا تفننت الزوجة في تزيُّنها وتعطرها وتبسمها لزوجها، فإذا نظر إليها سرّته وبعثت السعادة في قلبه، فينجذب دائماً إليها وإلى الأبناء والمنزل.
الحضور المنضم
د. عبدالسلام المقرمي طبيب نفسي يرى بدوره أن ثمة آباء، لا يهتمون بموضوع الحضور المنظم في الأسرة، فيمهدون الأجواء بعدم اهتمامهم هذا لإصابة الأولاد وباقي أفراد الأسرة بالاضطراب خلال فترة غيابهم, ولا يملك الطفل وضعاً جيداً إزاء غياب الأب، فيشعر بأنه فقد سلوته ومستودع أسراره وحرم من الجليس والأنيس, وقد يكون قاسياً جداً على الطفل أن يتحمل غياب الأب في البداية، لكنه سرعان ما يعتاد على هذا الوضع الجديد، وعندما سيفقد الأب قابلية التأثير على الولد والنفوذ إليه، وسوف يعمل الولد بما يرتأيه حتى انه لا يكترث أحيانا بأمه ونفوذها، ويمكن للطفل أن يكتسب من غياب الأب تلك الدروس السيئة والمؤلمة. إذ سيحاول أن يكون حرا طليقا دون أية قيود، ويلجأ إلى ممارسات لا يتوقعها الوالدان أبدا مما سيكون لهذا السلوك نتائج سيئة على الأسرة والمجتمع, لذا أقول للآباء من المؤكد أن الطفل بحاجة إلى حبكم وعطفكم، وانه سيفرح كثيرا فيما لو اشتريتم له حاجة معينة لكنه بحاجة ماسة إلى حضوركم في البيت ووقوفكم إلى جانبه حتى يتحدث معكم ويناقشكم ويتعلم منكم، وإن غيابكم من أكبر المصائب التي تواجهه فالطفل لا يصبر على هذا الحرمان إلا بصعوبة بالغة، ولو أنه افتقد حضوركم المنظم في البيت لأدى به ذلك- في بعض الأحيان- إلى الاستهانة بقدسية الأسرة والهروب من البيت. فغياب الأب عن أسرته يقلل من نفوذه مما يخلق شعوراً عند الأولاد بأنه لا داعي للالتزام بقوانين الأسرة أو إطاعة الأوامر والنواهي. إذ ستنخفض تأثيرات الأب الأخلاقية على الطفل، ويتعرض بناؤه الأخلاقي والاجتماعي إلى صدمة..
ضرورة الحل
لو لم يتمكن الأب من متابعة شؤون أولاده، وكان في غياب دائم تقريباً لتوجب عليه أن يكون جذاباً في تلك الأوقات التي يتواجد فيها في بيته، وخاصة عندما يعود من سفره مثلاً حتى يعوض عن النقص والحرمان.
خصصوا الفترات القصيرة من تواجدكم في البيت لأطفالكم واتركوا كل شيء حتى قراءة الصحف.
ينبغي أن يبذل الأب، الذي يعود لبيته بعد سفر وغياب طويل، جهده وسعيه كي ينسى الطفل فترة الغياب ويستثمر حضور والده.
كما يجب على الأب أن يواسي طفله ويؤمله في الحياة، فيما لو اشتكى من حياته السابقة أو من مشكلة واجهته، وأن يصبره على المشاكل ويزيل عنه القلق والاضطراب ويجعله مستأنساً به ويشبعه حباً وعطفاً.
حري بالأب المضطر لغياب طويل عن البيت أن يدعم مكانة الأم ويقوي موقعها ويحث الأطفال على طاعتها، وذلك للتقليل من أعراض الغيبة، أو أن يساهم في حل المشكلة التي قد تعترض لها الأم ويلزم ولده بإطاعة أوامرها والانتهاء عن نواهيها.
الخاتمة
إن الأسرة هي اللبنة الأولى التي يبنى عليها المجتمع، وهي بحاجة إلى من يرعاها ويحميها من الانهيار، بحاجة إلى من يقود أفرادها إلى الوجهة الصحيحة، بحاجة إلى قائد إذا صلح حاله صلح حال الأسرة بأكملها وإن كان خلاف ذلك تشتت الأسرة وتاه أفرادها في دروب الضياع ومن ثم انهيارها, فإن وجود رب الأسرة أمر مهم وواجب، فلا يستقيم حالها إلا به فالأبناء بحاجة إلى أب يحميهم ويسد حاجتهم المادية والمعنوية, أب يحسسهم بمعنى الأبوة الحقة، إذا احتاجوا إليه يجدونه بجانبهم يحل مشاكلهم ويشجعهم للمضي نحو القمة دوماً, أب يفخر بهم ويفخرون به..
كم هي رائعة تلك الأسرة التي تحظى باهتمام قائدها..
أخيراً.. نقول لكل أب ميت وهو في عداد الأحياء:
قف أرجوك وعد إلى رشدك اتق الله في أسرتك، اصبر على كل شيء من أجل أبنائك فجميعنا بحاجة إلى أبطال، ولسنا بحاجة إلى أصحاب النفسيات المريضة وإلى كل أب حي وهو في عداد الأموات ينحني له التاريخ تحية وإجلالاً لهذه التربية العظيمة، وهذا الأب الجميل سيبقى ذكرى رائعة يحتفظ بها أبناؤه، ويحتفظ بها البشر سيبقى مثالاً حياً على مر الزمان ونموذجاً للأب الصالح فلنكن جميعاً مثل ذلك الأب..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.