الابن يشكو أباه أو أمه في المحكمة أو يضعهما في دار المسنين، وربما تأخذ العلاقة بينهما شكلاً من أشكال القطيعة والهجر.. تصبغها أسوأ ألوان النكران والجحود.. فما هو سبب هذا الجحود والعقوق، هل هو صراع أجيال، أم تباين واختلاف ثقافات، أم انقلاب على القيم والعادات والتقاليد؟!.. في التحقيق التالي نستعرض انطباعات البعض حول حقوق الآباء وعقوق الأبناء، وكذلك آراء بعض الاختصاصيين.. في البداية قالت زهرة علي: لو نظرت في العلاقة بين الآباء والأبناء في الإسلام لوجدت الأب مسؤولاً حتى عن اختيار اسم جميل ومناسب لولده حتى لا يسخر منه زملاؤه حين يكبر وتحدث عنده عقدة نفسية بسبب اسمه، فلابد من اختيار اسم يحمل معنى جميلاً أو مأخوذاً من شخص له بصمة في التاريخ، حتى يفخر الابن باسمه، وهذا من أبسط الحقوق التي لا يتنبه إليها البعض، فما بالك بما هو أكبر من هذا، والسلطة التي يملكها الآباء قد يستخدمونها استخداماً سيئاً في كثير من الأحيان، ويجب ألا يظنوا أن هذا في صالحهم أو صالح أبنائهم، لأن بعض الآباء لا يلتزمون بأصول التربية السليمة، فكيف يتوقعون أن يأتي الأبناء ليطيعوهم كما أمرهم الإسلام؟!. فيما اعتبرت إيمان سعد: إن من أهم العيوب في العلاقة بين الأبوين وأبنائهما هو إيقاع الحياة المتسارع وغياب الوالدين عن المنزل لفترات طويلة، لهذا نجد الأب والأم غير قادرين على الالتقاء بأبنائهما والاستماع لمشكلاتهم وحلها إلا نادراً، وبعضهم مشغولون طوال اليوم فلا يرى أحدهم أبناءه أو أنه مسافر طوال الوقت، ففي هذه الحالة يكون الشاب في أمس الحاجة إلى والده وعندما لا يجده قد يجنح وينحرف متأثراً بأصدقاء السوء. تربية الأبناء ومن جانبه يشير علي سالم المقطري إلى بعض الأسباب التي تعين على تربية الأولاد ومنها: الاستعانة بالله على تربيتهم، فإذا أعان الله العبد على تربية أولاده وسدده ووفقه أفلح ونجح، وإن خذل ووكل إلى نفسه فإنه سيخسر. الدعاء للأولاد وتجنب الدعاء عليهم، فإن كانوا صالحين دعا لهم بالثبات والمزيد، وإن كانوا غير ذلك دعا لهم بالهداية والتسديد. وألا يفرق بين الذكور والإناث في المعاملة، فإذا قبل الولد فعليه أن يقبل الفتاة وغير ذلك، وأن يقدم الفتيات على الأولاد أحياناً لإشعارهن بأهميتهن وبحبه لهن. حسب المعاملة ويتفق مع علي الأخ صالح الأمين الذي يقول: على حسب معاملة الأب لوالده الكبير أمام أبنائه يكون معاملتهم له عند الكبر، فإذا كان الأب يعامل أباه بقسوة وعنف وألفاظ نابية، فإن الله يخرج من صلب هذا الولد العاق بأبيه من يعاملونه بمثل ما عامل أباه، وهذا ما حدث لجارنا الذي أهانه ابنه وضربه وأخرجه بالقوة من منزله ليتنعم هو وزوجته فيه، وعندما كبر هذا الولد وصار شيخاً كان ابنه يعامله نفس معاملته لجده، وعندما نجتمع نحن الجيران نلوم الولد العاق بأبيه كان الشيخ الكبير يقول لنا: دعوه فهذا انتقام الله بي بمثل ما كنت أعامل أبي رحمه الله وهو يبكي ويئن.. لهذا فحسن تربية الآباء لأبنائهم في الصغر يجعلهم يبرونهم عند الكبر. طاعة عمياء ويؤكد بدر الدين أهمية طاعة الوالدين طاعة عمياء فقال: أعرف إنساناً تزوج وأصبح لديه أبناء ولم يعد بحاجة لأبيه بشيء ومع هذا لم يتوقف لحظة عن طاعته والامتثال له حتى على حساب نفسه، ويكفي أن تعرفي أن هذا الشخص لقي من أبيه الكثير من الإهمال، لدرجة لا تتصورها رغم أن أباه يملك الكثير ومع هذا لم يكره أباه ولم يحقد عليه، بالعكس كان مثالاً للطاعة، وإذا أخطأ الأب أو قصر فهذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن يصبح الابن عاصياً أو عاقاً، ولو أطاع أبويه وعاشرهما بالمعروف فإن جزاءه يكون مضاعفاً. قبل المدرسة ومن جانبها قالت إلهام خالد: تعتبر فترة الطفولة من أخطر الفترات في حياة الإنسان وفيها تتحدد ملامح رجل وامرأة الغد ومعاملة الأبناء، فلن يستعصي على كثير من الآباء والأمهات، وكثيراً ما يتساءل الآباء عن أجدى السبل للتعامل مع أبنائهم، وخاصة في مرحلة ما قبل المدرسة، حيث قمة النشاط والحيوية والرغبة في التعلم والمعرفة، وينبغي أن توجّه هذه الطاقة الحركية في اللعب المنظم، أي ترشيد هذه الطاقة ليستفيد منها الطفل في بنائه ونموه، وقد يضيق الأهل بهذا النشاط وينهرون الطفل مما يسبب إحباطاً هائلاً له، في الوقت الذي ينبغي فيه أن تستثمر هذه الطاقة اللفظية في إثراء معارف الطفل ووجدانه وإشباع حبه ونهمه للمعرفة. ديكتاتور الأسرة وتقول سارة أحمد: نرى في أسرنا ديكتاتوراً هو الأب أو الأم «كل ما يقوله الأب صحيح، هو القدوة لا تراجعه حين يتكلم ولا تناقشه» لكم هي قاسية تلك المعاناة التي يعانيها الأبناء جراء فهم الآباء الخاطئ لمعنى طاعة الوالدين، يفهمونها بأنها خضوع تام وتذلل وتبعية كما كان يفعل فرعون ببني اسرائيل، أنا أعتقد أن هذه الضغوط والتسلطات والغطرسة الأبوية التي تبرر بأنهما يخافان على ولدهما هي دافع كبير للانحراف والعقوق!!. مراقبة وصداقة فيما أكدت فجر اليزيدي: إن علاقة الآباء مع أبنائهم هامة جداً، فوجود الأب ومراقبته لأبنائه والتعرف على نوعية أصدقائهم ومشاركتهم في الحديث ونصحهم له أثر كبير جداً في حماية الأبناء من الوقوع في مالا تحمد عقباه، فبعض الآباء يخصص يوماً في الأسبوع يجتمع فيه مع أبنائه.. يستشيرهم ويستشيرونه، يتبادلون الحديث معهم، ويمنحهم حرية إبداء الرأي والثقة بالنفس مع مراقبتهم دائماً، ولكن دون إشعارهم بذلك. دفء وحنان ويقول قيس بدر عبدالله : والداي يعطيانني كل الدفء والحنان والثقة، وأنا أطيعهما دائماً، لكن هناك الأسلوب القهري، ولا أتحدث عن نفسي، ولا أقصد العنف في التعامل، فأحياناً أسلوب بعض الآباء يقهر الأبناء ويدفعهم إلى سلوكيات لا يقبلها الآباء، مما يؤدي إلى حدوث الفجوة، لأن بعض الآباء يأمر ويطلب التنفيذ فقط، من المفترض أن تتسم العلاقة بين الآباء والأبناء بالقدرة على التفاهم واعتبار الحوار لغة قادرة على التواصل بين جيلين مختلفين في الأفكار والمشكلات وحتى المشاعر، ولكن بحكم التربية الشرقية تكاد هذه البديهة الحياتية أن تكون منقطعة إلى حدٍ ما. المرتبة الثانية وتشير الأخت إيمان المتوكل نائبة جمعية أطفال المستقبل بقولها: إنه لأمر مؤلم أن يكون جزاء الوالدين العقوق ومقابل عطائهما الجحود والنكران وانتهاء مطاف عمرهما نزلاء في دار للمسنين، ولكن هيهات أن تكون كبيوتهم أو أن يكون العاملون فيها كأبنائهم حتى وإن أخلصوا العمل وكانوا بمعاملتهم أفضل من بعض الأبناء، فعطف الابن على والديه أفضل عند الله وأصدق وأقرب للوالدين حتى وإن كانت لمسة يد حنونة أو قبلة على الجبين عند الصباح أو المساء أو كلمة رقيقة تزيح الهم وتمسح تعب السنين. الرأي النفسي ويقول الاستشاري النفسي والاجتماعي الدكتور أيوب السنحاني: استأثرت مسألة الشباب التي تصدرت أهم المشاكل التي تعانيها مجتمعات البلدان المتقدمة اليوم باهتمام كبير من كبار العلماء والمفكرين لما لها من أهمية بالغة، ولا ننسى أن للآباء والأمهات دوراً كبيراً في عملية الإدراك فيما يتوجب عليهم مسؤوليات تجاه أبنائهم ويتعلمونها بكل شوق ولهفة ورحابة صدر، حيث يجب على الوالدين أن يسعيا إلى تقييم ومعرفة أفكار وأحاسيس ورغبات أبنائهما لتترسخ الثقة في نفوسهم تجاه بعضهم البعض، وأن يسعيا إلى عدم مضايقة أبنائهما دون سبب وانتقادهم على أبسط الأمور، وألا يتوقعا منهم أكثر من طاقتهم.. وينشأ الجدل بين الأبوين وأبنائهما، أحياناً نتيجة غرور الأبناء واستبدادهم بآرائهم، فإذا منح حريته واستقلاله ضمن حدود المصلحة الأسرية سوف يستهين بنصائح والديه فيكون مصيره الشقاء، وإذا أقيمت عليه القيود سوف يصاب بالعُقد النفسية. وقال الدكتور أيوب: أحياناً يسيطر نوع آخر من الأحاسيس ألا وهو العداء والخصومة الذي قد يطيح بالعلاقات الأسرية، حيث يبدأ الفتى بالتمرد والعصيان ثم بالفرار من البيت بعد أن يستخدم رذائل الكلام لينتهي إلى الهجران الأبدي.. ويرى الاستشاري النفسي والاجتماعي أن تقدير الفتى في جميع شؤون الحياة الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية والتربوية له مردود إيجابي بلا شك.. إننا في الغالب نطالب الشباب بالتعقل والجد والمثابرة ليكون لهم سلوك يشبه سلوكنا، ولكننا في الوقت نفسه نسلب منهم حق التحرك والتحرر أو نمنحهم أدواراً ثانوية لا أهمية لها، وهذا ما يجعلهم يتأرجحون بين عالمين مختلفين، فتارة يميلون إلى هذا وتارة إلى ذاك.. والمشكلة الثانية هي إثبات جدارتهم وقدراتهم على التكيف مع المجتمع، والشاب مكلف بالتعجيل في بناء شخصيته وتنمية عقله استعداداً للتكيف مع المجتمع وتحمل مسؤولياته الاجتماعية.. وأعتقد أنه على الآباء والأمهات مجاراة التقدم الذي بلغه عالمنا اليوم والعمل على تربية أبنائهم بمقتضى زمانهم كي يتمكنوا من تكييف أنفسهم مع الظروف والتكيف مع مجتمعهم على أفضل وجه، ولكن على الآباء والأمهات أن يحرصوا على أبنائهم دون أن يسمحوا لهم بتجاهل التقاليد الأساسية الثابتة والضوابط الإسلامية التي تشكل أساس سعادتهم تحت حجة تغير مقتضيات الزمان. رأي الشرع يقول الشيخ أحمد السباعي أبو العلا من علماء الأزهر: جاء الإسلام لهدفين أساسيين؛ أولهما حسن علاقة الإنسان بربه، وثانيهما حسن علاقة الإنسان بغيره من المخلوقات، وبتحقيق الإنسان لهذين الهدفين يكون قد استحق أن يكون خليفة في الأرض، ويوصي الله عز وجل بالوالدين بعد الوصية بحق الله تعالى فيقول: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً، إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ، ولا تنهرهما، وقل لهما قولاً كريماً، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة، وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً» سورة الإسراء آية «23» والنبي صلى الله عليه وسلم يقول حين سأله رجل: «من أحق الناس بحسن صحابتي» فقال الرسول الكريم: «أمك» قال الرجل: «ثم من؟» قال: «أمك» قال: «ثم من؟» قال: «أمك» قال: «ثم من؟» قال: «أبوك» متفق عليه.. وإذا كان الله قد نهى الأبناء عن إيذاء الوالدين ولو بكلمة «أفٍ» وهي أخف كلمة يمكن أن يعبّر بها الابن عن ضيقه من أبيه أو أمه، فما بالكم بما هو أشد من الإيذاء من ذلك، كالذي يرفع صوته أمام أبيه أو أمه، أو يتكلم بكلمات جارحة أو يمتنع عن مساعدتهما مادياً أو جسدياً، لا شك أن ذلك يكون أشد جرماً وأكبر ذنباً، ويعتبر عقوقاً من الأبناء للآباء والأمهات، وهو أكبر الكبائر.