يفرض الواقع المؤلم، لشعب طحنه الهم والغم.. والخوف والقلق.. والصراعات والإقتتالات، أن الشعب اليمني لم يعد يتحمل أية مناكفات، وصراعات سياسية جديدة، بين القوى السياسية اليمنية المختلفة، الذين أتعبوه ويأسوه وأرهقوه، ولم يحققوا له أي شيء من تطلعاته، خلال الأعوام الماضية, وكل الأحزاب والجماعات والمكونات الجيوسياسية، وغيرها من قوى النفوذ في اليمن، تتحمل مسؤولية ما أصاب هذا البلد، من صراعات وتصدعات وانهيارات وإنفجارات، وما سوف يعانيه مستقبلا من توترات وحروب أهلية . هذه القوى ومكوناتها العصبوية، كانت وما زالت تعيش في احتقانات سياسية دائمة، وما أن تخرج من أزمة سياسية، حتى تدخل في أزمة سياسية أخرى، فأخفقت في التأسيس لدولة توفر الحد الأدنى، من الشعور بالأمان والاستقرار والعدالة لمواطنيها، كما فشلت تلك القوى بنفس الدرجة، في إيجاد صيغة تستوعب في هيكلها كافة الأطياف في المجتمع، وتحصل كل منها على دورها ومشاركتها في السلطة، واتخاذ القرار بتلقائية دون الحاجة إلى الجنوح للعنف والصراع والاحتراب، فكل الجماعات والمكونات السياسية اليمنية، كثيرا ما تسقط من حسبتها المواطن ومصلحته, أو انها تعنى بمصلحة البعض، وتنبذ أو تتجاهل مصلحة البعض الأخر، نتيجة الخلافات والصراعات السياسية الحاصلة بينهم، فقاموا بتفويض الرئيس هادي لاختيار أعضاء حكومة "مخرجات الحوار واتفاق السلم والشراكة"، والبعض يسميها حكومة تفويض الرئيس هادي، كون اختيار أعضائها تمت على مسئوليته. لذلك على الحكومة الجديدة المعينة من الرئيس هادي، خلال المرحلة القادمة القيام بأداء استثنائي، حتى تستطيع العبور باليمن إلى بر الأمان، وعليها سرعة تقديم برنامج عمل محدد ومزمن، يعد من قبل متخصصين تكون الحكومة ملزمة بتنفيذه، بناء على اتفاق السلم والشراكة، يبدأ بترسيخ دعائم ألأمن والاستقرار، في العاصمة صنعاء وجميع محافظات الجمهورية، وهذا لن يتأتى إلا في إعادة بناء الجيش والأمن كما وكيفا، وإلزام الأحزاب والمليشيات الذين نهبوا الأسلحة والمعدات، من معسكرات الجيش والأمن بإرجاعها للدولة، ووضع كامل السلاح تحت سيطرة الدولة، وإخراج جميع المليشيات المسلحة من المدن الرئيسية وإلغائها، يلي ذلك تدوير وضيفي واسع وشامل وفق مبدأ الكفاءة والنزاهة، وتأهيل وتفعيل أجهزة الرقابة بمختلف مسمياتها, لتكون قادرة على محاربة الفساد المالي والإداري، ومعالجة الأخطاء والانحرافات أولا بأول، يلي ذلك حل مسألة البطالة والفقر والمرض ونقص الخدمات، وصولا إلى إنجاز الدستور والاستفتاء عليه، والدعوة لانتخابات برلمانية ورئاسية، وعلى الحكومة أن تحاسب، وان اقتضى الأمر أن تعاقب، لكن بعيداً عن مفاهيم الانتقام والإقصاء، وأن يجعلوا مصلحة البلاد فوق مصالحهم الضيقة، أما إذا تحولت الحكومة الجديدة كسابقتها، إلى حكومة أزمات واختناقات تعمق المشاكل وتعطل البلاد، كأسلوب للإدارة والحكم، فان ثمن ذلك هو تدهور الأمن وانتشار الإرهاب، وزيادة العنف وتردي الخدمات، وتعريض البلاد للانقسام والتشظي، والسير بالبلاد بوتيرة متسارعة إلى حافة الهاوية. بالمقابل يتوجب علينا جميعا الوقوف، مع الدولة ودعم الحكومة الجديدة، للخروج من وضع "آلا دولة" التي يعيشها اليمن أرضا وإنسانا، بغض النظر عن اعتراضنا، على بعض الوزراء المعينين في الحكومة، حتى نهيئ جميعا وضعا جديدا، في البلد يسمح بالانطلاق إلى أفق الدولة، والتنمية المرجوين لنا جميعا، وصولاً إلى إقامة الدولة المدنية الحديثة، القائمة على النظام الديمقراطي العادل، الذي يكفل مبدأ المشاركة وإشاعة، قيم العدل والحرية والمساواة، والشراكة في السلطة والثروة، ونشر ثقافة التسامح والتصالح والحوار بين اليمنيين، وإعادة اللحمة والعلاقة والثقة، وتعزيز سيادة البلاد واستقلالها، وعلى الجميع عدم التسرع بالحكم على فشل حكومة بحاح، والبعد عن التشاؤم إلى التفاؤل، والقول بان العِبرة بالنتائج، ونقول للحكومة الجديدة التي نعتبرها حكومة الفرصة الأخيرة، لن تكفينا بعد الآن الخطب المنمقة، عن المصلحة العليا أو اللحمة أو قيم الفضيلة، من دون مشروع إنساني حقيقي يحفل بالعدالة والمساواة، وإلا سيكون الأمر مرة أخرى ضرباً، من الدفع بالناس والبلد نحو الهلاك، فقادة وسياسيي العالم المتحضر، لا يتحدثون إلا القليل عن أعمالهم، بل لا تكاد تسمع أصواتهم إلا همساً ولكن فعلهم كبير، فتكون نتائج أفعالهم لا أقوالهم هي، الحكم على منجزهم ورقيّهم وإنسانيتهم، وعلينا جميعاً أن نهتم بمستقبل أجيالنا القادمة من الأبناء والأحفاد, الذين سيعيشون في واقع نصنعه اليوم لهم، فإما أن نورث لهم الفوضى الخلاقة والخراب والدمار، أو أننا نورث لهم وطناً أمنا وقوياً، اقتصادياً وحضارياً، يحفظ لهم كرامتهم وحقوقهم العامة والخاصة.