لا أتفق مع طرح الدكتور سعيد سعدي في تخوين مصالي الحاج ولا فيما قاله عن علي كافي رحمه الله بأنه يكره القبائل، وهو الذي كان صديق كفاح الشهيد عميروش. وكان هذا الأخير رحمه الله لا يرتاح ولا يخلد إلى النوم، إلا عندما يزور معسكر الولاية الثانية تحت إشراف المجاهد علي كافي حسب ما رواه هذا الأخير شخصيا في مذكراته، وحسب ما قاله لي حرفيا في حوار له معنا في ماي من سنة 2010، ردا على كتاب الدكتور سعيد سعدي “عميروش.. موتتان ووصية” . ربما أصدر الدكتور حكمه الخطير هذا بناء على ما جاء في مذكرات الرجل وشهادته حول عبان رمضان التي حكمت المحكمة ضده واضطر إلى سحبها من المذكرات. ولكن لا أدري إن كان ما قاله عن الرئيس الراحل أحمد بن بلة يدخل تحت مسمى الشهادة التاريخية، وبالتالي فمن حق سعدي أن يقول ما يمكن له إثباته بالأدلة وبذكر المصادر، وفي هذه الحالة ليس سعدي أول من اتهم بن بلة، بتعامله مع فتحي الذيب، وبأنه كان لعبة في يد رئيس مخابرات جمال عبد الناصر، والكثير من الروايات والكتب توحي بهذا الطرح، وليس فقط الروايات، فالمرحلة التي كان فيها بن بلة رئيسا للجمهورية عرفت فيها البلاد ارتماء كليا في حضن مصر ولها ما لها من إيجابيات ومن سلبيات ليس الظرف لتعدادها. ولا أظن أن من حق وكيل الجمهورية فتح تحقيق حول تصريحات سعدي فيما يخص ما قاله عن بن بلة لأنه شخصية تاريخية، فالتاريخ والبحث التاريخي يحتم علينا أن نتجاوز هذه الاعتبارات، أما إذا كان لاعتبارات رضا من هم في السلطة أو بسبب قرابة الدم أو شيء من هذا القبيل، فإن قمع الحديث عنه يعتبر خيانة . من الجيد أن تكون العدالة حريصة على حماية ذاكرة الأشخاص التاريخيين، لكن كان عليها أيضا أن تسارع لحماية الأحياء مما يهدد حياتهم وسلامتهم، أن تحمي حقهم في التعبير. وكان على وكيل الجمهورية أن يسارع بفتح تحقيق في إهدار دم الكاتب الصحفي كمال داود من طرف الإرهابي حمداش، الذي لم يكتف بتخوين الرجل، بل كفّره ودعا لإقامة الحد عليه، فأيهما أخطر؟ خاصة وأننا ما زلنا نعاني من آثار عشرية من الدم أهدرت فيها دماء المثقفين والصحفيين ونفذ رفقاء حمداش تهديداتهم بدم بارد، ولم يندموا ولم يطلبوا عفو المجتمع ولا أهالي الضحايا الذين يعانون اليوم في صمت وهم يرون قتلة أبنائهم وبناتهم يسرحون ويمرحون ويهددون بإغراق البلاد من جديد في الفوضى . كان حري بالعدالة أن تفتح تحقيقا حول تجاوزات حمداش والتكفيريين إولا، أما تصريحات سعدي فكان يكفي الرد عليها إعلاميا ودحض ما جاء به بالقول، لا بالتهديد بالعدالة، لأن هذا يعني منع نية السلطة في تكميم الأفواه، وعدم التعرض لأسماء معينة بالانتقاد حتى لو كان ذلك من أجل خدمة الحقيقة لا غير. ومن يدري فقد تتوسع قائمة الممنوعات والأسماء التي لا يحق لأحد التشكيك في سيرتها لاحقا . لكن يبقى على سعدي أن يتسلح بالأدلة لإثبات ما صرح به، وعليه أولا تجنب السقوط في الاعتبارات العنصرية واللعب على النعرات الجهوية التي لا تخدم الديمقراطية ولا تساهم في إخراج البلاد من المأزق ولا تساهم في ترقية النقاش الوطني حول شتى القضايا!