نهاية كانون الثاني (يناير) الجاري، تنتهي المهلة التي حددها المانحون للحكومة اليمنية للوفاء بما عليها من التزامات وتعهدات بتنفيذ المشاريع المعتمدة بناء على الشراكة مع القطاع الخاص، خصوصاً مشاريع الكهرباء والطاقة باعتبارها ذات أولوية اقتصادية استراتيجية.
واتفقت حكومات دول مجلس التعاون الخليجي على التوقف عن تقديم أي دعم للحكومة حتى تفي بوعودها وتبدي جدية في تنفيذ المشاريع المعتمدة، خصوصاً ان فشلها في ذلك في السنوات الماضية، خصوصاً خلال 2014، أفقدها ثقة المانحين والمجتمع الدولي، على رغم تخصيص الأموال اللازمة لهذه المشاريع.
وبرز غياب ثقة المانحين بالحكومة اليمنية بعد تأكدهم من فشلها وعدم تمكنها من إحراز أي تقدم على مدى 10 اجتماعات متتالية، كان آخرها في 20 كانون الأول (ديسمبر) 2014 في صنعاء، وهو الاجتماع الدوري الثالث مع المانحين وشركاء التنمية، ونوقش خلاله مدى التقدم في تنفيذ المشاريع وسير استيعاب المنح والتعهدات التي تقع تحت الإطار المشترك للمسؤوليات المتبادلة، وتقويم ما أنجَز من إصلاحات خلال الفترة السابقة.
وعلى رغم مرور نحو اربع سنوات على اندلاع الاحتجاجات الشعبية التي أطاحت بالرئيس السابق علي عبدالله صالح، وإطلاق «المبادرة الخليجية» التي وقعتها الأطراف السياسية من معارضة وموالاة، لم يلمس اليمنيون التغيير الذي أرادوه، خصوصاً لجهة أوضاع اليمن الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق العدالة والتنمية ومحاربة الفساد.
وساهمت «المبادرة الخليجية» في عقد مؤتمر الحوار الوطني الذي أنتج وثيقة تعالج الأوضاع اليمنية كلها، وتقر وضع دستور جديد للبلاد، والتوصل إلى «وثيقة الضمانات» التي نصت على تشكيل حكومة وطنية ومجلس شورى يستوعب المكونات اليمنية، إلا ان هذه الخطوات على رغم أهميتها، إما نفِّذت في شكل جزئي أو لم تنفَّذ أصلاً، حتى ان مبادئ وثيقة الضمانات لم يحصل فيها أي التزام حقيقي، بما في ذلك مبادئ الشراكة الوطنية والتوافق والحكم الرشيد والتقويم الدائم، كذلك لم يكتب النجاح لإحداث تغيير حقيقي وتعزيز المواطنة، والخطاب الإيجابي على صعيد وسائل الإعلام. أما بالنسبة إلى الانتخابات، فلا يمكن ان تجري في ضوء النزعات الانفصالية في الشمال والجنوب، والحرب الطائفية بين الحوثيين وتنظيم «القاعدة»، في ظل الانقسام الحاصل في جيش السلطة.
ولوحظ ان الأوضاع تطورت نحو الأسوأ بعد سيطرة الحوثيين على بعض أهم موارد البلاد، من منشآت النفط والمصرف المركزي ومعظم شركات الدولة ومؤسساتها، وبدأوا يستنزفون موجوداتها، ووصف تقرير استراتيجي اعده فريق من الخبراء هذه الأوضاع بأنها تنطوي على تحديات كبيرة في كل المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية وتأثرها بالتطورات الإقليمية.
وإذا كان صندوق النقد الدولي الذي قدم أخيراً إلى اليمن تسهيلات ائتمانية بنحو 553 مليون دولار على دفعات نصف سنوية، أكد «ان التقدم في تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي يمكن ان يؤدي إلى دعم العملية السياسية»، يواجه مناخ الاستثمار في هذا البلد صعوبات موسمية وتشريعية وسياسية وأمنية، ناهيك عن ضعف التدخلات الحكومية الذي حال دون تهيئة البيئة لمزيد من الاستثمار خلال السنوات الأخيرة، ويزداد قلق المستثمرين من انتشار المظاهر المسلحة في المدن، وهم يتخوفون من اعتراض مرور بضائعهم في الطرق وتفتيشها في بعض النقاط العسكرية، فضلاً عن تعرض بعض رجال الأعمال إلى عمليات خطف في مقابل فدية وابتزاز بعضهم، وتعرضهم للقتل، ما يجعل البيئة المحيطة طاردة للاستثمار.
هل يمكن في أجواء وأخطار متعددة ومتنوعة كهذه، تنفيذ مشاريع حكومية لتعزيز البنية التحتية وتشجيع المستثمرين على المشاركة في تنفيذ مشاريع استثمارية وتنموية؟ يبدو ان الجهاز التنفيذي في صنعاء والذي أنشئ لتسريع استيعاب تعهدات المانحين ودعم تنفيذ الإصلاحات، لم يتمكن حتى الآن من تحقيق أهدافه، لذلك أكد «أصدقاء اليمن» ضرورة تكثيف عمل الجهات المانحة مع هذا الجهاز لتسهيل إنفاق التعهدات المالية، خصوصاً بعدما تبين ان قدرة الحكومة الاستيعابية للقروض والمنح الخارجية ضعيفة وبطيئة جداً، فمن إجمالي 7.8 بليون دولار تعهدها المانحون، حُوَّل 6.7 بليون أو 85.1 في المئة، ولكن لم يُخصَّص سوى 3.9 بليون أو 49.6 في المئة، فيما بلغ ما أُنفِق 2.07 بليون أو 26.2 في المئة.
وأشار «أصدقاء اليمن» إلى استمرار الحاجة إلى الإصلاح الاقتصادي، خصوصاً في مجال مكافحة الفساد، وتسهيل الاستثمار بالبنية التحتية، وزيادة توفير الخدمات الأساسية، ليمضي هذا البلد على طريق الاستقرار والكفاءة الذاتية، وعلى تعزيز الاستقرار الاقتصادي.
واتفق «أصدقاء اليمن» على «تطوير عمل المجموعة وتقديم الدعم الكامل لمبادرة مجلس التعاون الخليجي، واعتماد آلية التطبيق في ثلاث مجالات أساسية: عملية الانتقال السياسي، والإصلاح الاقتصادي والتنمية، وإصلاح قطاع الأمن والقضاء». لكن يبدو ان تحقيق كل ذلك مرهون بنجاح الحكومة اليمنية في اجتياز اختبار «ثقة» المانحين والمجتمع الدولي في قدرتها على التنفيذ.