الفجر يوشك على البزوغ، و همهمه المؤذن في ميكرفون المسجد تكاد أن تُسمع، أقبل مسرعاً، مسرعاً يركض.. لا هدف له سوى إرضاء رغباته وشهواته، يتخبط هنا وهناك، يأخذ من هذا وذاك، وكأنه لم يأكل قط، لا يعتق طعامً ولا شرابً! ، صوت ينادي من بعيد " الله وأكبر الله وأكبر.." ما زال مسرعاً وهو يلتقم الثانية قبل الأولى!، يتدارك الوقت ليملى معدته، لقد ملأها حتى غلبه النعاس، وصوت المنادي يقول"الصلاااااةُ خيرً من النوووم.." ..
أستيقظ متأخرً على غير عادته نعم فهو يشعر بالإرهاق والتعب فلم يأكل منذ أكثر من خمس ساعات!.. نظر إلى ساعته إنها العاشرة صباحاً، لقد تأخر "لا داعي للذهاب اليوم فقد قارب الدوام على الإنتهاء"، تثاءب، تنحنح قليلاً، إنه يشعر بالضما أسرع إلى الثلاجة ليروي ضماه، تسمر مكانه، نظر إلى التقويم على ذلك الحائط، نعم إنه الأول من رمضان، تغيرت ملامحهُ وشعر بالغضب، تذمر، تمالك نفسه وأطبق شفتيه، إنطلق إلى خارج المنزل لعله ينسى جفاف ريقه، الشمس حارة اليوم، أخذ يهمهم في نفسه "لماذا اليوم.. لماذا اليوم.. لو تأخر قليلاً..آه .. رمضان يشعُرني بالملل" تحسس جيب سرواله آه.. إنها معشوقته الشيطانية، أخرجها و قبلها وهو يقول " ليتني أستطيع تدخينك. " أعادها إلى جيبه وأخذ يتذمر أكثر..
الأفكار تدور في رأسه والغضب بين عينيه وصور الطعام والشراب تهيم أمامه، كل ملذاته المذكورة والمنسية تدور في خلده الآن، بلع ريقه،..و تناول سماعه هاتفه الخلوي وضعها في اُذنيه وأخذ يُطرب نفسه، أصوات الموسيقى العالية تكاد تمزق اُذنيه، اتسعت عيناه، وكيف لا تتسع وهو يتذكر ذلك " الكليب" وتلك الحسناء التي تتمايل في ذلك الفستان الذي لا يكاد يستر عورتها..
يغمض عينيه بين حين وأخرى وهو يترنح كالسكران بين جموع الناس في الشارع لقد أنتقل بوعيه إلى حيث يحب أن يكون .. أفاق ويد لطيفة تزينت بالتجاعيد تطرق كتفه برفق، "أذان يأبني" أوقف الموسيقى وأتجه بعيداً عن المسجد حتى تلاشى صوت المؤذن "حي على الصلاااااا..." لقد ابتعد بما يكفي لكي يعيد تشغيل الموسيقى وينتقل إلى عالمه مرة أخرى..
الدقائق تمر ببطء وكأنها سكرات الموت، وكأن الزمن قد توقف، ينظر إلى ساعتهِ لا تزال عقاربها في مكانها يتأمل الشمس مازالت في رابعة النهار، يمر الناس أمامه عائدون من المسجد، يلقون التحية " السلام عليكم".. مع ابتسامة لطيفة - قد تحيا بها الأشجار إذا اُلقيت عليها- بوجوههم ألمشرقه بنورها الإلهي، يردُ السلام بصوت شاحب ينطق بكلماتً مملؤه بالنعاس والبرود خالية من الحياة "وعليكم.." وينطلق في تسكعه..
يصول في جولاته ومازالت معشوقته في جيبه وسماعة الهاتف في اُذنيه، يتأمل المارة وهم سائرون يبتسم لتلك ويناظر أخرى، لقد وصل إلى السوق حيث الناس يقضون حوائجهم الضرورية والكمالية ، يتسوق الناس بينما هو يمارس الزنا بعينيه وربما تساعده يداه تارة وشفتاه تارة أخرى، لقد إعتاد على ممارسة الرذيلة في هذا المكان الذي تتواجد فيه أمه وأخته ومحارمه ، ولكنه يتناسى ذلك ويستمر في فاحشته..
أقبل عليه من بعيد (.....)، انه صديقه، جارهُ في سقر، ينشده طرباً، حيَّاه بشتم أمه، تبسم ورد بأحسنِ منها، عانقه، قبله بود، همس في اُذنيه بكلمات غير مفهومه، تعالت الضحكات من الطرفين، إلتفت المارة بإشمئزاز لكن لا حياة لمن تنادي، أخرج هاتفه وداعب أزراره بحركات سريعة وأبتسم ابتسامة خبيثة، فردها صديقه بنفس الخبث ..لقد شاركه بعض المعاصي وأهداه قطعة من النار..
أوشكت الشمس على المغيب، لقد انقضى يومه الشاق، دقائق ويرفع الأذان، لم يصدق ما يسمع - الله أكبر الله أكبر - ، مسرعاً كعادته، أسرع يركض ولعابه يتدلى من بين شفتيه ، يُسابق الريح وربما سبقه ، ليصل أخيراً، إلى "مائدة الرحمن" المملؤه بكل أنواع الطعام والشراب، ويبدأ بإمتصاص دخان سيجارته وهو يتناول بعض التمرات - إنه يمزج النار بالجنه - والأذان يملى أرجاء الحي ، تنهد بقوة وهو يشعر بالتخمة، أسدل جِفنيه، وأرخى جسده، واشخص ببصره، وراح يهيم في ملذاته..
أستيقظ بعد أقل من ساعة، وصوت الإمام يقول: "..غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ*" فيرد المصليين جميعاً "آمين"، إرتدى أفضل ما لديه وأسرع مهرولاً إلى صنمه الذي يتبرك به ليل نهار، رفعه ليتفقده، رسالة من إحدى الغاويات توعده بالجنه، أبتسم إبتسمة خبيثة، بدء يفرك يداه عندما تخيل ذلك الموعد وعض على شفتيه - ليس ندماً وإنما شعوراً بلذة النصر الذي يعيشها المنتصر - وأنطلق إلى موعده مع خليلته والشيطان..
عاد متأخر وقد أرهقه التعب، عاد بخفي إبليس، ندم على ما فعله طيلة اليوم، فكر مليً، أدرك أخطاءه، نعم لقد قرر، ينام نهاره ويسهر ليله، سيعتكف أمام ذلك الحاسوب يتصفح هنا وهناك، ويقوم الليل حتى شروق الشمس أمام ذلك التلفاز باحثً عن ما يطرب له قلبه ويمتع به ناظريه، متنقلاً بينهما بلا كللاً او ملل، و في يداه هاتفه الخلوي و معشوقته الذي لا تُفارقها، .. عندها أدركت بأن ذلك الشيطان قرر العمل من المنزل، ذلك المنزل في الدرك الأسفل من النار.