لو لم يمتد به السن فيبلغ من العمر عتياً، ما كانت قنبلة هيروشيما تزيح البرازيلي هافلانج من سدَة حكم «فيفا»، وعلى رغم السن فإن خلفه بلاتر لا يتوقف عن الترشح عهدة بعد أخرى من دون أن يعبأ بمحاولة كثير من الأسماء مزاحمته في مقعد يرى أن سويسرا أحق الناس به، ولو كانوا نجوماً تلمع في الليل والنهار. السيد بلاتر يعرف جيداً أن بعض الأصوات ترتفع عشية مؤتمر «فيفا» تطالب بتعديل اللوائح والقوانين، لتمنعه من ترشح محتمل، لكنّه ينجح دائماً في تفكيك تلك الألغام التي يزرعها بلاتيني وبعض الرافضين لأسلوب إدارته للحكومة الكروية. فشيخ «فيفا» صار عارفاً بأدق التفاصيل في شأن الأعضاء ورؤساء الاتحادات، ويمكنه أن يمنح أي واحد من هؤلاء العقار الذي يناسبه، وأما الأصوات النشاز التي ترتفع لتقول إن الفساد استشرى في جسد «فيفا»، وأن صورة الاتحاد الدولي تشوَهت كثيراً بفعل التصرفات المشينة لأمثال وارنر، أمام العجز عن اتخاذ قرارات صارمة وعقوبات ردعية، لذا ليس أمام بلاتر إلا الرحيل وترك الكرسي لمن يقدر على حماية الهيئة من الفساد وتطوير اللعبة بما يجعلها أكثر مرونة، ويقود هذا التيار بلاتيني وبيكنباور، كونهما من أبرز اللاعبين في العالم الذين يمتلكون حس التطوير والتحسين في قوانين الكرة، لهذا يحاول بلاتر دائماً الظهور في صورة القادر على منع التلاعب والفساد، ويضرب بذلك مثل محمد بن همام الذي فكر في مواجهته فأعلن عليه الحرب وأبعده من الواجهة تماماً، واعتبره نموذجاً للمفسدين في ملاعب الأرض، بل إنّه علّق عليه كل الموبقات، وصار يمارس الابتزاز الناعم لقطر، كونها تتعرض منذ اختيارها لاحتضان مونديال 2022 لأقصى أساليب الضغط من مطالبة بإعادة التصويت أو اتهام بامتهان العمالة الآسيوية. بلاتر المحترف، أو الحريف كما في لغة الشارع الكروي العربي، لم ينزعج كثيراً لترشح الأمير علي بن الحسين، لأنه يعرف تماماً أن الآسيويين لن يكرروا تجربة محمد بن همام، ويعرف أيضاً أن ترشّح جينيولا الفرنسي وفيجو البرتغالي ليس أكثر من صبّ الحليب خارج الإناء. فعلى رغم انسحاب الفرنسي جينيولا الذي فهم أن اللعبة مغلقة، فإن البرتغاليين وفي مقدمهم مورينيو اعتبروا إعلان فيجو الترشح قراراً شجاعاً، وأنّهم سيعملون على دعمه والوقوف إلى جانبه، في انتظار موقف رونالدو الذي يمر بفترة صعبة بعد ترك إيرينا له والتحاقها بشاب إيراني (..) وبفعل البطاقة الحمراء التي جاءت تحت وقع ضغط نفسي رهيب يمر به. ولأن بلاتر تلقى ضمانات من كل الاتحادات القارية، فليس أمام فيجو ومن يرغب في منافسة أبي الهول السويسري إلا أن يحافظوا على ماء الوجه، لأن بلاتر الذي لم يكن لاعباً كبيراً في حياته مثل الذين سبقوه من رؤساء «فيفا» يملك قدرة المناورة واللعب تحت الطاولة، ويحوز سر الفوز من دون مواجهة المنافسين، لأنهم يلعبون على صفحات الصحف، بينما يلعب في المفيد. فعلى الراغبين في مجاراة الشيخ يوسف أن ينسوا أنهم كانوا في يوم ما لاعبين للكرة. *نقلا عن الحياة اللندنية