أنا لا أحمل في نفسي ذلك الجفاء الذي يتبناه البعض تجاه الحوثي دونما مسوغ منطقي ، ولهذا أضع الصورة واضحة أمام أولئك الخصوم الذين ينساقون خلف أمانيهم ليصوروها على أنها هي القدر المحتوم ، ويأتون بعناوين تبشر بسقوط الحوثي في مستنقع الوهم ، ويرون نهايته وشيكة لأنه بالغ في التهام الكعكة دون هوادة ، ويلتمسون في مواقف مجلس الأمن والمجتمع الدولي المنّ والسلوى ، وهنا ندعو إلى التأمل في موقف الحوثيين قبل أن يشِطّ بنا المزار لنقف على طبيعة الأمور كما هي دون تزييف .. الحوثيون جماعة يمنية لم تأتِ من خارج البيت اليمني لتبسط نفوذها بقوة السلاح كما فعل صدام في الكويت ، وكما فعل عفاش في الجنوب ، إنهم دعاة إصلاح كما في ظاهر دعوتهم ، ومن السابق لأوانه التشكيك في نواياهم لأن النوايا شأن يختص به الخالق عز وجل ، وما دامت هذه الجماعة تريد الإصلاح ، مع اعتراف الجميع بفساد النظام المنهار والذي لم تستطع المبادرة الخليجية ولا جهود هادي الإتيان بالحد الأدنى من ذلك الإصلاح ، فلا سبيل إلى الطعن في حركتهم ، ووصمها بالشوائب ، لتكن إيران داعمةً لأي هدف تنشده هذه الجماعة ، فلا احد ينكر على إيران اعتناقها الدين الحنيف ، وما دامت مسلمة انتفت العداوة لأن المسلمون إخوة ، حسناً .. مذهبهم ليس مرحباً به هذا لا يعتدّ به في منظومة البناء الإقتصادي الذي يمثل أساس العملية السياسية إذا ما اعتبرنا أن السياسة إقتصاد مكثف ، وإذا اعتبرنا ألا إكراه في الدين ، وأن الدين لله والوطن للجميع ، وتمثلنا قوله تعالى : " لست عليهم بمسيطر " نخلص إلى أن الدين والمذاهب العقدية ما هي إلا حجج يضعها البعض للنيل من خصومه ، ومتى كان المسلمون في حرب مع المشركين كما هو حال السلف ! إنهم يتناحرون فيما بينهم ، ويلصقون التهم ببعضهم على غرار سني وشيعي ، والهدف سياسي إلى مخ العضم . يبقى الحديث عن القراءات المستقبلية المستوحاة من معطيات الحدث ، وأنا هنا أنصح كل من يتحامل على الحوثيين ألا يقرأ ما يلي لأنه لن يجد فيه ضالته المنشودة ، فقد دأب البعض على أن يميل إلى الكتابات التي تتوافق وهواجسه ، بينما يضرب عرض الحاط بأي رأي يصطدم بهذه الهواجس ، أقول الحوثي حسم الخلاف بقوة السلاح ، ولا أثر لذلك الجيش العرمرم الذي يطالعنا به التلفزيون الرسمي إزاء كل مناسبة وطنية ، ويمثل رسائل إلى دول الجوار يفهمها البعض وجهلها الكثيرون ، هذا الجيش لزمَ الحياد بل أن أرتالاً منه ناصرت الحوثي أو صودرت كما هو حال الفرقة الأولى مدرع ، وأصبحت القوة المعوّل عليها في كبح جماح الحوثي هي مجلس الأمن والتماس قراراته السقيمة العقيمة التي تصدرها لذر الرماد على العيون ، وفي أحايين كثيرة يدعم اللاشرعية علناً كما هو الحال في مصر وتأييده لانقلاب السيسي ، وهي سابقة تشرع لانقلابات أخرى ستشهدها المنطقة دون تحريك ساكن من قبل هذا المجلس ، وإذا كان هذا حال مجلس الأمن فمن الطبيعي أن يكون موقف دول مجلس التعاون يسير في ذات الإتجاه ولا ينفرد بقرار لا ينال استحسان البيت الأبيض بطبيعة الحال . وسيُطلب من الحوثيين تشكيل حكومة توافقية من ذوي الكفاءات ، تمثل كافة الأطياف كالعادة وهنا رضوخ للقوة ، وكسب لإيران النووية ، أما الجنوب العربي فلا محل له من الإعراب في بوتقة الحلول التي يعكف عليها دهاقنة السياسة في البيت الخليجي ، ولن يكون ذلك إلا متى فرض الجنوبيون بدورهم أمراً واقعاً أسوة بالحوثيين ، وكانت القوة مرتكزهم ، عملاً بمقولة البقاء للأقوى ، وعلى الحراك أن يدرك حقيقة اللعبة التي تستثني خيار الجنوب في فك الإرتباط ، فحل مشكلة الشمال في نظر المراقبين الدوليين يجب أن يتم على حساب ثروات الجنوب ، وعدا ذلك سيواجه المجتمع الدولي أزمة في بلد يصل تعداد سكانه إلى 23 مليون نسمة ، ويخلو من أي موارد طبيعية عدا شجرة القات وخمط واثل وشيء من سدرٍ قليل .