ظل الخلاف بين الفرقاء في النظام اليمني هو الشغل الشاغل للمراقب الخليجي ، وكانت المصالحة وشراء رضى الشيوخ والعسكريين والسياسيين سمة التعامل مع هذا الخليط العجيب ، واحتدم الصراع بين الطامعين في التهام الكعكة كعادتهم وشبت حرائق كان لا بد من إيجاد مبادرة مزمنة تسهم في إخماد تلك الحرائق ، ولم يكن هذا المراقب يستشعر قضية الجنوب الأكثر وجعاً في قلوب شعبٍ قاوم الاستعمار البريطاني وقدم تضحيات جسام لينعم بحياة حرة كريمة ، وهو اليوم في وضع أكثر إيلاماً من أي وقتٍ مضى تحت مسن الوحدة الظالمة .. تنبه الجميع إلى خطورة فك الإرتباط الذي يسعى إليه الجنوبيون حثيثاً ، وأثَر ذلك سلباً على دول الخليج وتحديداً المملكة العربية السعودية بحكم وضعها الجغرافي مع اليمن ، فالجنوب وثرواته الطبيعية تسد حاجة الملايين اليمنيين الذين يعانون من الفقر المدقع الذي زاد من تفاقمه سياسات اعتمدت النهب لصالح أشخاصٍ وجماعات دون السواد الأعظم من الشعب ، صاحب المصلحة الحقيقية في الخيرات والموارد ، وكان من الطبيعي أن يتعاظم النضال في الجنوب باتجاه فك الارتباط ، يقابله بالضرورة محاولات محمومة من قبل المجتمع الدولي الذي لا يهمه مصلحة الجنوب وعدالة قضيته بقدر ما يهمه الأمن الغذائي لجائعي اليمن الذي بدونه يتحول هذا الجمع الغفير إلى مصدر تهديد لأمن جيرانه كحال أي دولة غنية تربطها علاقات جوار بدولة فقيرة ، كان لا بد وقد اتخذت الأمور طابعاً عملياً من إفهام القوى المتصارعة بالخطر الداهم لكي يتفقوا على خطة تضمن بقاءهم المهدد بالزوال . انصبت كل الجهود على إقناع تلك الأطراف بضرورة النظر إلى القضية الجنوبية وإغفال ما سواها ، لأنها هي الأساس في صورة المشهد برمته وما دونها رتوش ، ولهذا تم إقناع هادي بالحضور إلى عدن ، ومجيئه ذاك متفق عليه من قبل كل الأطراف اليمنية ، وليس صحيحاً ما يقال عن وجود خلافات بينهم لا سيما في موضوع الجنوب والإبقاء عليه ، واتخاذ الوحدة غطاءً لتمرير كل مخططات الضم والإلحاق التي بدأها عفاش وظهيره بن لحمر ، ويبارك الحوثي مساعي هادي كما يباركها عفاش وبيت الأحمر والراعي الخليجي لكل هذه المنظومة وإن بدت خلافات بينهم فإنها من قبيل التمويه ، وقريباً ستشهد ساحة الجنوب تطبيقاً عملياً يهدف إلى تقليم أظافر الحراك ، وذلك بطمس الأعلام الجنوبية من كافة الجدران ونزعها من أسطح المحلات ، ومنع حمل السلاح إلا بتراخيص ، واعتقال النشطاء تحت ذريعة حفظ الأمن . وبموازاة ذلك سيقوم الإعلام اليمني بتأليب الرأي العام المحلي والدولي ضد من يسمونهم ( دعاة الانفصال ) وتحت ذرائع محاربة الإرهاب سيتم قصف القرى واستهداف الأفراد والجماعات ، والأخطر من ذلك الزج بمسيرات مليونية إلى عدن باعتبارها العاصمة التي اختارها هادي بإيعاز من مموليه ، على غرار مسيرة تعز التي تنوي اقتحام عدن برغم التحذيرات والتهديد والوعيد بالتصدي لها بعنف من قبل شباب الجنوب الصامدين في ساحات الشرف حاملين أرواحهم على أكفهم . ذلك ما وجب التنويه إليه كون المؤشرات تتجه صوب هذه القراءات ، وتطالعنا حملة يتم التجنيد لها من قبل أطراف إما لتأييد هادي ، وتقديمه للمغرر بهم على أنه المنقذ المنتظر ، أو لتدشين مكونات جديدة تصور الحالة للمراقبين على أنها شتات في المكونات وعدم التوحد فيما بينها ، أو للانفراد بدعوات مناطقية كتلك التي يبشرنا بها الشيخ سبعة الخاصة بيافع وعدن ولحج وأبين ، أو ظهور سلاطين كالسلطان العوذلي أو العبدلي أو القعيطي ، وجميعهم يتبنون قضية الجنوب ، هذه القضية التي تأخذ تفسيراً فضفاضاً إذا ما حصرتها في عبارة ( التحرير والاستقلال ) ونحن بهذا إنما نحذر ممن يحلو لهم الخوض في الماء العكر .