خرج في ذلك الصباح باكرا كله نشاط وحيوية ، حاملا بيمينه هم وطن وازمة امة ، وبيساره مشروع ثورة ، وبين اضلاعه عشقا للحرية والكرامة والشرف ، خرج بثقه واتزان يرسم بقدميه النحيلتين اخر خطواته واغلاها على تراب مدينته خطوات تفوح منها رائحة الحق واليقين وينبعث من نقش بنانه الذي ارتسم على تلك الذرات المحظوظة الاصرار والتصدي للباطل وعساكره المجرمون المدججين بالحقد والشر ، والاتهم التي تشبه الوحوش في تصرفاتها وهي تقتحم ازقة مدينته لتركيعها واخضاعها ، لا لشي الا انها حاولت ان تنفض عن جسدها المنهك غبار المسكنة والخضوع ، وتكسر عن معصمها سلاسل الخوف والتردد ، وتفك عن يديها الجريحتين قيود الذل والخزي ، لم يودع امه ولا اباه لم يحتضن صديقه او اخاه رحل عنهم باستعجال لم يسعفه الوقت حتى بنظرات الوداع الاخيرة وتأدية تحيته التقليدية ، تقلد سيف ايمانه وصعد صهوة جواده ليخوض اخر معاركه الشرسة ضد الباطل والشر وضد اعداء الحياه والحرية ليرتقي بعدها بهدوء وسكينة الى جوار ربه وخالقه . لم تكن الشمس لتتنصف سماء تريم في ذلك الاثنين الاسود حتى اغارات بجنون كتيبة عسكرية يملاها الكره والحقد على الحياه ، اغارت على شعله للحرية بوسط المدينة يوقدها ويغذيها مجموعة من الشباب الابطال كان من بينهم الامير ، في محاولة فاشله لفض اعتصام سلمي رافضا لشرعنة الوجود الاجنبي عليها ، توجت تلك القوه العسكرية هجمتها باقتناص احد اسود النضال السلمي كان يوثق بجواله تصرفات اولئك الجنود الوحوش عبر رصاصه غادرة انطلقت من فوهت بندقية اثمه ، لتستقر بقلبه ليسقط على اثرها شهيدا مضرجا بدمائه يقبل تراب وطنه الذي افنى الكثير من عمره الغالي في سبيل حريته و الدفاع والذود عنه ، مات .. وايقظ امة بموته ، قتل .. واحياء شعبا بمقتله ، استشهد .. وزرع بشهادته مبادئ وقيم للحرية والكرامة ظلت الى اليوم بأكناف هذا الوطن تثمر العزة والشموخ والكبرياء برفاقه وذويه . شجع جثمانه الطاهر في احتفالية وداع رهيبة بمسيرة جنائزية فاقت التصور والتقدير غبته عليها الحاضرون .. غاب بعدها وغاب معه قسطا كبير من الشجاعة والاقدام ، وانهار ركنا قويما من الثورة كان الامير سانده ، وتصدع جدار عتيقا للعزيمة والتضحية كان الامير يشد في بناءه ، وخارت تريم على ركبتيها تبكي اميرها وتنعي شهيدها الامير في لحظات صدمه وانهيار كادت تأخذ من ثباتها وقوتها لو لا ان مصيبتها كانت اكبر وافدح من ان يقال عنها ، فحق لها ان تبكي وتذرف الدمعات وتطلق الصيحات بفراق من شانه كشأن هذا الامير وهذا الشاب الفذ الصلب الذي مات وهو يذود عن حياض شرفها وكبرياءها وكرامتها وشموخها ، ويصد بصدره تجبر عساكر الشر والحقد من على ترابها ، ويهزم بضرباته الفتاكة ضباط الاجرام والنهب والاستعباد ، ويسعى بقوة في اشراقة شمسها وسطوع نورها الذي خفت من زمن ، ليجعل من نفسه غلام الثورة الذي يلهم كل متردد وخائف عن خوض هذه المعركة الحتمية ليحق الحق ويبطل الباطل ، ويغد الامير بعد ذلك مدرسة نضالية تنتج الرجال الابطال وتزرع في النفوس والقلوب حب الاوطان ، لتمضي مسيرة الحياة بحرية وكرامة وثبات وصمود .