لا اعتقد ان هناك من عقلاء الخليج من كل مذاهبهم وتوجهاتهم واتجاهاتهم من يؤيد أو يفرح لوقوع الجريمة البشعة والشنيعة التي طالت يوم الجمعة الماضي وفي اثناء صلاة المصلين في مساجد في العاصمة اليمنيةصنعاء وفي صعدة مركز الحوثيين. وبغض النظر عن ارقام الضحايا من القتلى والمصابين تظل جريمة مستنكرة ومدانة لاسيما ان الانتحاريين اللذين نفذا الجريمة ينتميان للعصابة الاجرامية السرطانية «داعش!!». ولسنا هنا في وارد لتقييم الجريمة، الا انها ليست الاولى كما لن تكون الاخيرة طالما ان الاوضاع في ذلك البلد المنكوب تسير في منزلقات خطرة لا يعلم الا الله مداها، فالصراع والخلاف بين المتصارعين والمتنازعين ينبئ عن حرب اهلية «طائفية» قد تحصل وهذا ان حصل فسوف يفضي الى تفكيك اليمن الى ما يسمى بالدويلات الطائفية وادوات التفكيك لمن لا يعلم موجودة! الخليجيون قلقون من الاوضاع هناك وهذا حقهم، فاليمن خاصرة الخليج وعمقه الاستراتيجي وأي مساس يطول هذا البلد الشقيق والجار تنعكس اثاره عليهم «على البلدان الخليجية» اقتصاديا وامنيا وبشريا وهذا ما قد دفع ويدفع بالخليجيين الى ان يضعوا ثقلهم السياسي والمالي لعل في ذلك مخرجا لمعاناته! الخليجيون اخطؤوا في المرة الاولى اثر الثورة الشبابية واحتلال الساحات في صنعاء، فالمبادرة التي انقذت رأس الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح ومنحته حرية الحركة والحصانة السياسية مقابل تنازله عن السلطة الى نائبه الضعيف والمغلوب على امره عبد ربه منصور هادي وتسميته بالرئيس التوافقي ضمنت للرجل «صالح» ان يبقى حرا وينتقل عبر البلاد بكل صولجانه وحماياته الامنية ومن خلفه حزبه «حزب المؤتمر» يقتات بعض اعضائه من بعض الفتات التي يرميها لهم المخلوع من حصيلة المليارات التي منع وصولها الى افواه اليمنيين المسحوقين الجياع وبرلمان «صوري» مازال يدين بالولاء له، هذا فضلا عن ولاء قطاعات من الجيش والحرس الجمهوري والخضوع لاوامره، فضلا عن ضمان الولاء القبلي وامبراطورية اعلامية من محطات تلفزيونية ومواقع الكترونية وصحافة ورقية، فالرجل عندما وقع على وثيقة التنازل كان يعلم انه لن يخسر شيئا وانه انتقل من كرسي وثير الى كرسي اكثر وثيرية ونفوذا (!!) ولذلك فلم يهدأ ولم يشهد اليمن منذ الاطاحة بالرئيس المخلوع شيئا من الاستقرار او الأمان، ومن نتاج ذلك خروج الحوثيين من قمقمهم على اعلى جبال صعدة ووصولهم الدراماتيكي الى صنعاء واحتلالهم مفاصل الدولة في بضعة ايام أو أسابيع، فلم يكن ليحدث لولا قوة على صالح الخفية في الجيش وبعض القبائل، لعل ذلك ينم عن فشل المبادرة الخليجية التي اغرقت اليمن بأزمات اضافية ولم تنقذها! ولعله خيرا عندما تجاهل مجلس الامن دعوة المنظومة الخليجية الى تطبيق الفصل السابع من ميثاق الاممالمتحدة على الحوثيين واستخدام القوة لردعهم، وسيخطئ الخليجيون اذا تدخلوا باستخدام القوة في اليمن، فالجيش اليمني الذي ضربت طائراته قصر المعاشيق مقر الرئيس هادي في عدن لن يتوانى اذا اقتضى الامر عن ضرب الطائرات الخليجية «الشقيقة» فالطائرات الخليجية في نظرهم لن تكون حاملة راية السلام لليمنيين وانما انحياز لفئة على فئة يمنية بغض النظر عن توجهاتها المذهبية «الزيدية» أو السياسية، كما ان مبادرة الحل باجتماع الرياض المقبل بين المكونات السياسية والقبلية اليمنية لا يعول عليه اليمنيون كثيرا لاسيما القوى الفاعلة في القرار اليمني «الحوثيين وجماعة على صالح والحراك الجنوبي».. من هنا يفيد القول اذا لم تكن المبادرة الخليجية انحيازية فلا اقل تدخلها في الشأن اليمني الذي يحتاج الى وسيط حيادي. لا ريب يدرك اليمنيون خطورة الاوضاع في بلدهم ويحتاجون الى حل استباقي يعينهم على التصدي للقادم الاخطر، ذلك ان كل المبادرات والحلول المطروحة لا تفضي الى دروب السلام. ليست بالقوة الغاشمة وحدها تحل الازمات ولا بفرض الحلول لصالح طرف على طرف اخر، يكون بالحل الناجز والناجع لمسألة معقدة لاسيما في بلد تتقدم فيه لغة السلاح على لغة العقل احيانا على الرغم من ما قيل ان على ابواب اليمن علقت الحكمة!!