منذ استقلال الجنوب العربي في 30 نوفمبر 67م وهو رهن التجاذبات الدولية ، فبعد أن فتح اليمنيون المزاد بالعزف على وتر الوحدة بهدف حيازة الجنوب ، تكالبت الأطماع الدولية : فإيران تطمع في تحويله إلى قاعدة بحرية تسيطر من خلالها على عصب الملاحة الدولية ، والسعودية ترى فيه رقعة أرض يمكن أن تتحول في لحظة ما إلى بؤرة تهديد لأمنها القومي ، وتسعى جاهدةً إلى تقليم أظافره ، وما عاصفة الحزم عنا ببعيد ، أما القاعدة وهي تنظيم دولي ليس له هوية فحضوره في هذا البلد يكاد يُرى بالعين المجردة ، ونشاطه محسوسٌ وملموس مثلما لداعش الذي يرى إمكانية ضم هذا الجنوب السائب إلى مملكة الدولة الإسلامية ، الكل يتبارى في أن يكون له الحظ الأوفر في هذه الغنيمة التي غفل عنها أهلها ، والبعض منهم ذهب في دوامة المقايضات التي سال لعائدها لعابه . وفي هذا الخضم الموبوء بكل معنى للفساد هنالك ثلة من الشرفاء يجوسون خلال الديار حاملين على كواهلهم همّ هذا الوطن وتحريره وعودة السيادة إلى أهله وبنيه ، ويقرعون أجراس الخطر في هذا الظرف العصيب الذي تمر به الأمة ، وهم المعوّل عليهم في إعادة الأمور إلى نصابها بما يكفل استقلال الأرض وتحرير الإنسان ، فمن بين أزيز الطائرات وفرقعة المتفجرات ورائحة الدم ينتفض المارد الجنوبي ، سلاحه الحق المسلوب ، وذخيرته الإيمان بعدالة قضيته ، لا شيء يحول دون سماع صوته ، الكل يتلمس طريقه لمعرفة الموقف الجنوبي الذي بلوره ثوار المدينة الباسلة ، عدن الصمود والتصدي ، لم ترهبهم الجموع المتدافعة بغرض الفيد ، ولا رصاص القناصة سفلة المحتل ، وسطروا في شوارع عاصمتهم أروع البطولات ، وكان ذلك هو الرد الأمثل لكل جنوبي مفصول الضمير أو بحاجة إلى إعادة شحن .
اضحك كما شئت وأنت ترى بعضاً من الجنوبيين يحرصون بحماس على ما يسمى واحدية اليمن أكثر من اليمنيين أنفسهم ، تتوالى أمام أعينهم مشاهد العبث بكل مقدس على قشرة الأرض بما فيها آدمية الإنسان الذي كرمه الله فأهانه عتاولة القهر ، لكل جنوبيينا لا تعنيهم عذابات الأسر الجنوبية ، ويتلذذون بسماع أنات المكلومين لأنهم في نظرهم هكذا وببساطة " إنفصاليون " .
إن أكثر ما أضر بقضية شعب الجنوب هم الجنوبيون المتمسحون بكعبة المحتل ، فهم يمنحونه الشرعية في نظر العالم مقابل أثمانٍ زهيدة ، ويبالغون في التزمت بمواقفهم عكس التيار المطالب بالتحرير والإستقلال في محاولة منهم لاجتذاب الأضواء ، والتأكيد لخصوم هذا التيار بثقلهم في ميزان الحدث ، وبالتالي المراهنة على مواقفهم بما يحقق ارتفاعاً في منسوب الدفع لشراء هذه المواقف باستمرار .
أيها المناضلون الصامدون في مواجهة آلة الغزو وفلول المرتزقة ، إنكم لصادقون مع الله ومع أنفسكم ومبادئكم ومع شعبكم ، لا يغرنكم العاملون في أسواق النخاسة ، ولا سماسرة البيع للذمم ، لأنهم خارج دائرة القيم ، استساغوا الإهانة ، واستسهلوا الهَوان ولم يطرق مسامعهم المتنبي وقوله : مَن يَهُن يَسهُلُ الهَوانُ عليهِ .. ما لجُرحٍ بميّتٍ إيلامُ " ولا الزبيري وقوله : " لِنَمُت أو نعِش على الدرب أحراراً ، فلا عاشَ مَن يَستسيغُ الإهانه .. وحياةٌ تُصانُ بالهَونِ والإذلال ليست خليقةً بالصيانة "