أقدام الصغار كانت تَدُبُّ الأرض، وصدى الهتافات تُصدِّعُ جدران البيوت، يطوفون في أرجاء الحي حول المنازل يبشرون بقدوم رمضان، يقرعون "قصاع" اللبن الدانو بالعصي وينشدون " مُرحب مُرحب يا رمضان شهر الفضيلة علينا الصيام" وكل من كان في المنازل خرج يلبي المسيرة الصغيرة بالهتاف والطبل، والنساء يخرجن للتجمع يشهدن الحدث والكل يستعد لرمضان... لا يعرف هذا الا من عاشَ في عدن. كنا صغار نطوف الشوارع نبشر برمضان ثم نشعل ناراً بعد العِشاءَ ونلعبُ "من كَبَتُه طيار" و"بيع التيس ما أبيعه" و"الغُميضة"، يحل شهرُ رمضان علينا، وتخرجُ شربةَ جدتيِ ليلى تُوَزْعُ على الجيران، ما أشهاها شربة اللحمِ من "دست" ماما ليلى كما كانت تحبُ أن ندعوها، وما أطيبَ المدربش، ثلاثونَ يوماً يقضيها رمضانُ معنا صيامٌ وصلاةٌ وقراّنَ وصدقاتٍ وتجمعاتٍ ما أحلاها، وحين يقربُ موعدُ رحيل رمضان نرجوا ان تُطوى الشهورُ سريعاً ويعودُ الينا رمضان. نستقبلُ العيدَ ونخرجُ أيضاً في مسيراتٍ صغيرة صباحا نطوف بيوتِ الحي نهنئ قدوم العيدِ ويسعدُ الأهالي بناَ وبلبسِ العيد، وعصراً كنا نتحرك أيضاً في تجمعات نقصدُ محلات "السكريم والبطاط"، في خورمكسر كان "الشبَّات" محل تجمُعناَ وفلوس العيد تصرف في الدكان وايسكريم فلونة، كان ذلك منذُ عشرون عاما أو يزيد. غزونا في عام 94 حلف صالح والإصلاح ثم جاء شعبان ولم يعد الصغار يخرجون يبشرون بقرب رمضان، حل رمضان علينا في ذلك العام وعدن تئن، ومرضت ماما ليلى، ولم تعد "مطايب" الشربة تلف الحي رحم الله جدتي، كنا وقتها كبرنا قليلاً والتحقنا بثانوية الجلاء ننتظر كالعادة باصات "التاتا" تنقلنا من شوارعنا إلى المدرسة وتعود بنا لكن الباصات بيعت وحرمنا منها، خرجنا في مسيرة، الأقدام مازالت تدّب الأرض والهتافات تعلو ولكننا لم نكن نبشر برمضان، بل كنا نشجب المعتدين وسالبي الوطن، قدِمَ عسكرهم والقوا علينا قنابل الغاز، ثم فصلوا البنين عن البنات وبنوا السور العالي، وأستفردوا بوطني. وتمضي السنون وتتجدد مؤامرتهم بحلف دموي "حوثعفاشي". أقول لهم: يحلُ رمضان علينا ضيفاً عزيزاً نأنسُ بوجودهِ، لكن الأوجاع تزداد وعدن تفقد الكثير من أبناءها فمنهم من قُتِل ومنهم من اُعتقل وغيرهم شُتِتَ في أصقاع الأرض، سلبتم الأمن عن عدن دمرتم البيوت وشردتم أهلها، قصفتم المستشفيات والمساجد وهي تكبر ومنعتم الغذاء والدواء والوقود عن عدن، وسلبتم فرحة قرب رمضان، ولم تعد مسيرات الصغار تخرج تبشر بقدومه، و حلت في شوارعنا نقاط تفتيش رجال مليشياتكم، فاصبحت دولتنا دولة العسكر، وقضت دولة الصغار. ولأننا سكنت فينا عدن في وجداننا في أفعالنا، نحن من عدن ترعرعنا على الحرية وتسلحنا بعزيمتنا فلم نستسلم، جماهير شعب دولتنا تهب تناضلكم لقد كبر صغارنا وعلت أصواتنا تندد بالمعتدي وتطلب التحرير والاستقلال، فقد عبثتم بمقدراتنا وطمستم هويتنا وثقافتنا وقتلتمونا، أصنجت أصوات الحريه سمعكم، وسلاح الكلمة الحرة كانت سبب في مرارة أيامكم وتخبطتم وبطشتم، تدمرون وتقتلون وتحاصرون، لكن العزائم هيهات أن تُقتل وقد ألفنا المسيرات والهتافات وتسلّحنا بالكلمة وحملنا أروحنا على أكفنا، وإننا بعون الله قادرين على لفظ رجسكم عنا