من بوابة الملف الأمني.. إخوان اليمن يحاولون إعادة الصراع إلى شبوة    النعي المهيب..    الذهب يهبط إلى أدنى مستوى في 4 أسابيع    الشيخ الزنداني يروي قصة أول تنظيم إسلامي بعد ثورة 26سبتمبر وجهوده العجيبة، وكيف تم حظره بقرار روسي؟!    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    متهم بجريمة قتل يسلم نفسه للأجهزة الأمنية جنوبي اليمن    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و568 منذ 7 أكتوبر    رسالة تهديد حوثية صريحة للسعودية .. وتلويح بفشل المفاوضات    هربت من اليمن وفحصت في فرنسا.. بيع قطعة أثرية يمنية نادرة في الخارج وسط تجاهل حكومي    توحيد إدارة البنك المركزي في صنعاء وعدن.. خبير مصرفي يكشف عن حل مناسب لإنهاء الأزمة النقدية في اليمن    الذكرى 51 لجريمة قتل الدبلوماسيين الجنوبيين بتفجير طائرتهم في حضرموت    زيود الهضبة يعملون على التوطين في مأرب وسط ويحابون كوادرها المحلية    برفقة حفيد أسطورة الملاكمة "محمد علي كلاي".. "لورين ماك" يعتنق الإسلام ويؤدي مناسك العمرة ويطلق دوري الرابطة في السعودية    وزير الدفاع يؤكد رفع مستوى التنسيق والتعاون بين مختلف الوحدات والتشكيلات العسكرية لهزيمة الحوثيين    جماعة الحوثي تفاجأ سكان صنعاء بهذا القرار الغير مسبوق والصادم !    التعادل يحسم قمة البايرن ضد الريال فى دورى أبطال أوروبا    حزامٌ ذهبيٌّ يُثيرُ جنونَ لصٍّ: شرطةُ سيئون تُلقي القبضَ عليهِ بتهمةِ السرقةِ!    نجل الزنداني يوجه رسالة شكر لهؤلاء عقب أيام من وفاة والده    روما يسعى لتمديد إعارة لوكاكو    الحوثيون يتلقون ضربة موجعة بعد رسالة قوية من الحكومة اليمنية والقضاء    السفير السعودي يبحث مع بعثة الاتحاد الأوروبي "خارطة الطريق" ومستجدات الأزمة اليمنية    "لا تلبي تطلعات الشعب الجنوبي"...قيادي بالانتقالي يعلق على رفض مخرجات لقاء الأحزاب    شاهد...عمار العزكي يُبهر جمهوره بأغنية "العدني المليح"    انقلاب مفاجئ.. الانتقالي يوجه ضربة قوية للشرعية ويهدد بالحرب بعد يوم تاريخي في عدن.. ماذا يحدث؟    أول تحرك يقوم به أبو زرعة في عدن بعد وصول العليمي مأرب    كأس خادم الحرمين الشريفين ... الهلال المنقوص يتخطى الاتحاد في معركة نارية    دوري ابطال اوروبا: الريال يتجاوز جحيم الاليانز ارينا ويفرض التعادل امام البايرن    توجيهات واحصائية".. اكثر من 40 ألف إصابة بالسرطان في اليمن و7 محافظات الاكثر تضررا    وزير المالية يصدر عدة قرارات تعيين لمدراء الإدارات المالية والحسابات بالمؤسسة العامة لمطابع الكتاب المدرسي    الوزير الزعوري يهنئ العمال بعيدهم العالمي الأول من مايو    بالفيديو.. عالم آثار مصري: لم نعثر على أي دليل علمي يشير إلى تواجد الأنبياء موسى وإبراهيم ويوسف في مصر    برشلونة يستعيد التوازن ويتقدم للمركز الثاني بفوزه على فالنسيا برباعية    تراجع أسعار الذهب إلى 2320.54 دولار للأوقية    اختتام برنامج إعداد الخطة التشغيلية للقيادات الادارية في «كاك بنك»    بيان الرياض يدعو الى اتخاذ خطوات ملموسة لحل الدولتين وإيقاف فوري لإطلاق النار في غزة    تنفيذية انتقالي لحج تعقد اجتماعها الدوري الثاني لشهر ابريل    البكري يجتمع ب "اللجنة الوزارية" المكلفة بحل مشكلة أندية عدن واتحاد القدم    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    ماذا لو أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال ضد قادة إسرائيل؟    يجب طردهم من ألمانيا إلى بلدانهم الإسلامية لإقامة دولة خلافتهم    السامعي: مجلس النواب خاطب رئيس المجلس السياسي الاعلى بشأن ايقاف وزير الصناعة    استشهاد وإصابة أكثر من 100 فلسطيني بمجازر جديدة للاحتلال وسط غزة    هذا ما يحدث بصنعاء وتتكتم جماعة الحوثي الكشف عنه !    بنوك هائل سعيد والكريمي والتجاري يرفضون الانتقال من صنعاء إلى عدن    لماذا نقرأ سورة الإخلاص والكافرون في الفجر؟.. أسرار عظيمة يغفل عنها كثيرون    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    مدرب بايرن ميونيخ: جاهزون لبيلينغهام ليلة الثلاثاء    وزارة الأوقاف بالعاصمة عدن تُحذر من تفويج حجاج بدون تأشيرة رسمية وتُؤكّد على أهمية التصاريح(وثيقة)    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    حاصل على شريعة وقانون .. شاهد .. لحظة ضبط شاب متلبسا أثناء قيامه بهذا الأمر الصادم    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    يونيسيف: وفاة طفل يمني كل 13 دقيقة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طقوس وعادات سادت ثم بادت..
رمضان في عدن
نشر في الجمهورية يوم 06 - 09 - 2010

تميزت محافظة عدن منذ القدم بالعديد من الطقوس والعادات الرمضانية الجميلة إلى جانب تميزها بالعديد من أصناف الوجبات الرمضانية التي لم تكن معروفة في العديد من المحافظات والمناطق الأخرى.. وعرف سكان عدن بأعمال الخير والتكافل والتعاون وخاصة في مثل هذا الشهر الفضيل الذي يضاعف الله فيه الأعمال ويتقبل فيه القربات ويرفع فيه الدرجات.
كما عرفت عدن مدفع الإفطار منذ زمن طويل وعرفت المسحراتي الذي كان يطوف حواري وشوارع المدينة معلناً للناس وقت السحور استعداداً لصيام يوم جديد من أيام الشهر الكريم، ولكن تلك العادات سادت ثم بادت وعدن عرفت أصنافا من الوجبات الرمضانية التي لم تكن معروفة في غيرها من المدن والمناطق اليمنية ولكن بفعل غلاء الأسعار بدأت هذه الأصناف المتنوعة تتقلص وتتناقص.
وليالي رمضان في عدن لها نكهتها الخاصة والمتميزة بين الكبار والصغار.. “الجمهورية” استطلعت كيفية هذه الطقوس والعادات الرمضانية التي كانت سائدة من لدن الأشخاص الذين عايشوها.
في مدينة المعلا بمحافظة عدن يحدثنا الأستاذ التربوي أحمد ناصر حميدان فيقول : أتذكر أيام زمان وأنا صغير السن كان هناك في مدينة المعلا مدفع اسمه مدفع الإفطار وكان يوجد في جبل شمسان في المنطقة الواقعة بين المعلا والشيخ اسحاق وكان هذا المدفع يطلق قذيفة مع أذان المغرب معلناً للناس وقت الإفطار وكان الناس يترقبون سماع صوت هذا المدفع ليباشروا إفطارهم بعد يوم طويل من الصيام لأنه لم يكن أذان المساجد مسموعا كما هو معروف الآن وأتذكر أنه كان هناك شخص مواظب على تنبيه الناس ساعة السحور فكان يمر في الأحياء والحواري ومعه طبل يقرعه وينادي سحورك ياصائم ويسمى هذا الشخص بالمسحراتي وكان يقوم بهذه العملية طيلة أيام الشهر الكريم دون انقطاع وكان المواطنون يعطونه من عانة أو عانتين وليس كل الناس فالأمر لم يكن مفروضا على كل بيت وإنما عملية طوعية لمن أراد أن يعطي هذا المبلغ الزهيد وكان هذا المسحراتي ينبه الناس لأنه لم يكن هناك أذان أول وأذان أخير للفجر فكان هذا المسحراتي معتمدا عليه لتنبيه الناس بوقت السحور فكنا نتسحر ومن ثم نسمع أذان الفجر.
وأتذكر في تلك الأيام أن هذه الألبان المجففة لم تكن موجودة وإنما كان هناك بعض الصومال لديهم أغنام ويقومون ببيع اللبن الطازج فكان والدي يرسلني لشراء قوارير من اللبن الطازج وبأسعار رمزية شلن أو نصف شلن وكنا نعتمد عليها في سحورنا حيث يتم عمل فتة الخبز باللبن الغنمي الطازج ولم نعرف هذا اللبن “الدانو” أو غيره، وأيامها كانت قلوب الناس متآلفة وهناك تكافل وتعاون بحيث إن الأغنياء يعطفون على الفقراء فكانت الفرحة في رمضان تعم الجميع فقراء وأغنياء صغارا وكبارا وكان العديد من الناس يتكفلون بتوزيع الوجبات الرمضانية على عدد كبير من البيوت وكان هناك تبادل في توزيع أنواع الأكلات الشعبية الرمضانية البعض مثلاً يتكفل في توزيع الشوربة والبعض يتكفل بتوزيع اللحوح وهكذا فتجد الصائم يجد أنواعا من الأكلات بشكل مبسط ولا تجد من يحتاج أو يجد في نفسه خصاصة أبداً.. وأغلب الأوقات كانوا يجتمعون حول المذياع “الراديو” يستمعون لإذاعة صوت العرب وإذاعة لندن وخاصة عندما يخطب الزعيم جمال عبدالناصر فكانوا عندما يستمعون لخطبة جمال عبدالناصر الجميع ينصت بمن فيهم نحن الصغار كنا لا نستطيع التحدث خوفاً من الكبار وهم منصتون لسماع عبدالناصر ونحن الصغار لا يمكن لأحد منا إحداث أي صوت أو تشويش على الكبار.
إضافة إلى ذلك نحن الصغار كنا نذهب في ليل رمضان لاستئجار الدراجات الهوائية , كان هناك شخص في المعلا اسمه “الطلي” كان لديه مجموعة دراجات هوائية “ سياكل” فكنا نستأجر منه السياكل ونظل ندور بها في الشوارع مرددين الأناشيد الرمضانية فرحين ومسرورين.
كما كنا قريبين من التاجر المعروف حينها في عدن هائل سعيد أنعم الذي كان في منطقة المعلا وكان يوزع الصدقات طيلة أيام رمضان وأذكر وقوفنا في طابور خاص بالأطفال وطابور خاص بالكبار ويقوم بتوزيع الصدقات علينا خلال الشهر الكريم فكانت هذه الصدقات تزيد من فرحتنا وسعادتنا مهما كانت بسيطة لكنها بنظرنا كانت شيئا كبيرا نفرح به وكانت الأسعار ثابتة فلا يوجد أي قلق لدى الكبار أو الصغار وكانت العلاقات الاجتماعية بين الناس طيبة والتآلف والتآخي أمرا سائدا، وأذكر في ذلك الزمان أن التجار كانوا عندما يقدم شهر رمضان يرخصون الأسعار بشكل كبير على عكس هذه الأيام نجد أن التجار يجدون من رمضان موسما وفرصة لزيادة الأسعار.
كان هناك تكافل وتعاون ومحبة
المواطن فضل أحمد علي - متقاعد من أبناء مدينة الشيخ عثمان بمحافظة عدن تحدث قائلاً:
نحن في أيام رمضان أيام زمان قبل 50عام كانت مدينة الشيخ عثمان محصورة بأربعة أقسام “سكشن” وهي قسم أ،ب،ج،د كل قسم يحوي العديد من الشوارع والمنازل وكانت الكهرباء غير متوفرة لكل البيوت وإنما في بيوت معدودة بينما غالبية البيوت يعيشون على الفوانيس والسراجات التي تعمل بالجاز “الكيروسين” فكانت الحياة بسيطة وكان الموظفون يذهبون للعمل منذ الساعة السادسة صباحاً وحتى الثانية عشرة ظهراً فيرجع المواطن من عمله وينام في بيته إلى قرب العصر ثم يخرج إلى السوق ومعه زنبيل في يده لأنه لم تكن هناك أكياس كما هو الآن فيقوم بشراء حاجياته الرمضانية ويعود بها إلى منزله ومن ثم يخرج الناس قبيل أذان المغرب ويتجمعون أمام المنازل, يتبادلون الأحاديث استعداداً وانتظاراً لأذان المغرب وبعض الناس ممن معهم سيارات كانوا يذهبون إلى بستان “كمسري” حديقة ملاهي عدن الآن فكان هذا البستان نزهة مجانية لجميع الناس فيجلسون هناك في ظلال الأشجار إلى قرب المغرب ثم يعودون إلى منازلهم للإفطار وهناك أناس يتجمعون في المساجد ولم تكن المساجد مزودة بالمكرفونات “مكبرات الصوت” كما هو الآن فكانت قبة المسجد مزودة بسراج فكان المواطنون يقفون أمام بيوتهم وأبصارهم متجهة إلى قبة المسجد فعندما يشاهدون السراج الذي فوق قبة المسجد يضاء , يعلمون أنه حان وقت أذان المغرب فيقومون بالإفطار وكانت مائدة الإفطار تتكون من عدة أصناف من الوجبات أو المأكولات التي تميزت بها مدينة عدن ومن أهمها الشوربة المعمولة من قمح البر وتطبخ جيداً مضافاً إليها اللحم والبهارات وكذا السمبوسة والباجية والشفوت المعمول من اللحوح والحقين الطبيعي من ألبان الأبقار وكانت هناك مادة تسمى “البلوزة” المصنوعة من النشأ والسكر ولم تكن هناك اللبنية المعروفة هذه الأيام فكانت هذه الأصناف توضع على طاولة مستطيلة ويقوم الجيران بتوزيع العديد منها لجيرانهم من الفقراء وكذا يتبادلون بينهم توزيع هذه المأكولات وكان هناك بيوت معروفة يقومون يومياً بطبخ كميات كبيرة من الشوربة المعمولة من البر ومن ثم يوزعونها على بقية البيوت وعلى أي شخص يأتي إليهم وهذه العادة تستمر طيلة شهر رمضان على عكس هذه الأيام حيث لا يتم التوزيع إلا لمن يعلم بأنه سيعيد لك البديل من الأكلات وفي نفس الصحون التي تعطيها له لكن زمان لم تكن هذه الطريقة موجودة فالقادر يوزع على من لا قدرة له لوجه الله وبدون مقابل أو بديل، وأتذكر تلك الأيام أن مادة الشوربة كانت تعمل بطريقة جيدة حيث يتم طحن البر بواسطة الملاكد اليدوية ومن ثم تطبخ بالحطب وليس بالغاز كما هو الآن فكانت الشوربة تعطي نكهة خاصة وطعما مميزا وشهيا وريحة الطباخة تشم من على مسافات بعيدة فتجعل الصائم يتشوق لأكلها، فكنا ونحن أطفال ندخل إلى بيوت بعض الناس الميسورين فنجد في المنزل طاولة مستطيلة وفيها من مختلف أصناف المأكولات فندخل ونأخذ منها ونأكل وكانت تحتوي على الشوربة والباجية والسنبوسة والمدربش والشفوت وهذه الأصناف عرفت بها عدن منذ زمن طويل ولم تكن معروفة في بقية المحافظات والمناطق الأخرى.
وأتذكر أنه كان هناك ونان فوق مبنى شرطة الشيخ عثمان فكان القائمون على الشركة يطلقون هذا الونان لتنبيه الناس بوقت الإفطار فيسمع إلى مسافات طويلة وبعد الإفطار وصلاة المغرب كنا نعود للعشاء ومن ثم نعود إلى المساجد لصلاة العشاء والتراويح ومن ثم يتجمع المواطنون في أمسيات رمضانية منهم من يقرأ القرآن ومنهم من يلقون الأناشيد الرمضانية والموالد ونحن - الصغار - كنا نجلس نراجع الدروس ونتعلم لأنه لم تكن هناك قنوات فضائية كما هو اليوم وكان جهاز الراديو هو الوحيد الذي نستمع من خلاله الأخبار وكنا نوقت لساعة إذاعة لندن وننصت لاستماع الأخبار من خلالها وكذا نستمع لإذاعة صوت العرب وبعض الإذاعات التي نستطيع التقاطها بواسطة جهاز الراديو الصندوقي القديم الذي كانت له بطارية كبيرة مربعة ويمد للجهاز سلك هوائي طويل يثبت في مكان مرتفع من أسطح المنازل.
وبعد ذلك يأتي وقت السحور فيقوم الناس في تجهيز وجبة السحور التي كانت غالباً من الخبز البر والحليب الطازج البقري حيث كانت هناك أكثر من حظيرة كبيرة للأبقار كانت هناك حظيرة لشخص يسمى محمد عبادي وحظيرة لصالح قائد وآخرين فكانوا يقومون ببيع الحليب البقري للبيوت منه ما كان يصنع منه الحقين ومنه ما يشرب طازجا أو تصنع منه فتة الخبز والحقين كنا نستخدمه للشفوت.. وأتذكر بأنه كان هناك شخص مسحراتي اسمه “الكعمدي” يقوم بالمرور على كافة الحارات يشعر الناس بوقت السحور ومعه طبل كبير يصدر أصواتا مسموعة وهو ينادي: سحورك ياصائم سحورك ياصائم فكنا نقوم عند سماع صوته ونحن نائمون ونهاية الشهر مع قرب العيد كان الناس يقدمون له بعض المساعدات لقاء هذه الخدمة.. وعندما يأتي العيد كان العديد من الميسورين يذبحون الكباش “البرابر” ويقومون بتوزيع اللحوم على الحوافي والشوارع أما نحن فكنا نظل نأكل اللحوم لمدة أسبوع أو ثمانية أيام من اللحوم التي نتلقاها من أولئك الميسورين وكان البعض من الفقراء يذهب إلى المجزرة ويشتري الرطل اللحم ب4 شلنات كانت الأسعار رخيصة ومقدورا عليها والكل يمشي نفسه بقدر ما معه.. وأتذكر أنه كان هناك شخص اسمه الحاج فضل عفارة رحمه الله فكان يقوم بتوزيع المساعدات بعد صلاة العيد يقوم بالمرور على جميع البيوت ويعطيهم المساعدات المالية وهذه كانت تضيف فرحة في قلوب الناس وكان الناس يستعدون من الليلة التي تسبق العيد فيقومون بصرف مبالغ يحولونها إلى فئات استعداداً ليوم العيد ويقدمونها جعالة للأطفال الذين كانوا يدورون على البيوت للحصول على حق العيد “الجعالة” وهم لابسون بذلات العيد الجديدة وبأيديهم بعض أنواع الألعاب، وكانت هناك دراهين للأطفال يتم تجهيزها في حافة الهاشمي وغيرها من الحوافي بينما يذهب بعض الأطفال مع أولياء أمورهم إلى حديقة الكمسري وإلى حديقة الحيوانات التابعة لعبدالمجيد السلفي رحمه الله حيث كانت هذه الحديقة هي الوحيدة الخاصة بالحيوانات والطيور والزواحف وكانت تشكل متنفسا للأطفال والكبار يتعرفون من خلالها على أنواع عديدة وكثيرة من الحيوانات والطيور النادرة وثاني أيام العيد تبدأ المعايدة بين الأهل والأسر الذين يأتون من مختلف مديريات المحافظة كل يذهب إلى أهله وأقاربه للتهنئة بالعيد.
اليوم نجد أن غلاء الأسعار قتل الفرحة لدى الكبار والصغار ونقولها كلمة أو نصيحة للتجار أن يتقوا الله في مثل هذه الأيام المباركة وأن لا يتعمدوا تصعيد الأسعار الأمر الذي يخلق التذمر لدى الناس وخاصة محدودي الدخل الذين يعيلون أسرا كبيرة فما بالك بشخص راتبه محدود ولديه 4 أو 6 أطفال وكلهم يريدون كسوة العيد ويريدون حق المدارس من ملابس ودفاتر ولوازم الدراسة فكيف يكون حال هذا الشخص فنقول للتجار اتقوا الله تعالى بالناس ونقول للجهات المسئولة لابد من وضع الضوابط الصارمة على الأسعار فهذه مسئولية أولاً أمام الله ومن ثم تجاه المواطنين والفقير تقدم له الوجبات دون تسول
الأخ عبدالرحيم علي سلام “الكوكي” متقاعد يقول:
رمضان شهر كريم وشهر توبة وعبادة يجب على الناس اغتنام الفرصة وتصفية القلوب من جميع الأحقاد والضغائن , ويجب أن يسود الحب والعطف والتعاون بين الناس, ويجب على التجار أن يعلموا أن البركة لن تحل في أموالهم إلا من خلال مراعاة ظروف الناس، ولكننا للأسف نجد أن البعض إن لم يكن غالبية التجار يتعمدون رفع الأسعار مع حلول هذا الشهر الكريم فيحولونه من شهر لكسب الحسنات ومضاعفة العبادة والتقوى إلى شهر لكسب المزيد من الأموال على حساب الناس البسطاء محدودي الدخل الأمر الذي حول هذا الشهر من شهر فرحة ومسرة إلى شهر تتضاعف فيه معاناة الفقراء فتقتل فيه الفرحة لدى الكبار والصغار وهذا أمر حقيقي وملموس هذه الأيام على عكس أيام زمان حيث كان رمضان شهرا له نكهة خاصة وكانت قلوب الناس طيبة ونفوسهم هنيئة كان هناك عطف وحب وتعاون بين الجميع وأتذكر أنه كانت تعد الوجبات المختلفة وتوزع بين الجيران وكان الكثير من البيوت يعدون الشوربة المعمولة من البر مضافاً إليها بعض اللحم والحوائج كانوا يعدونها بكميات كبيرة ويوزعونها على العديد من البيوت فتجد الفقير لا يشعر بأي فاقة ويجد من يقدم له الوجبات دون تسول، وهناك وجبات تميزت بها مدينة عدن مثل الشوربة واللبنية والسنبوسة والباجية والكاتلس وغيرها من أنواع المأكولات الرمضانية التي لم تكن معروفة في كثير من المناطق الأخرى، إلى جانب بعض العادات والتقاليد المتميزة.
وأتذكر أيام زمان أن الناس في عدن كانوا يعتمدون على سماع مدفع الإفطار لأن مكبرات الصوت لم تكن كما هي الآن وكان هناك المسحراتي الذي يقوم طيلة أيام رمضان بإيقاظ الناس ساعة السحور وهو يقرع الطبل وينادي: سحورك ياصائم سحورك ياصائم فكنا نستيقظ من النوم ونقوم بتناول وجبة السحور ومن ثم نذهب إلى المساجد لصلاة الفجر.
أما في فترات المساء فإنه لم الآن فكنا نقضي المساء في قراءة القرآن والتعليم وهناك من الناس من يقومون بإلقاء الأشعار والأناشيد الدينية وكان البعض يقومون بالأناشيد الجماعية مع الدفوف فكانت هذه الصورة الرمضانية تضفي فرحة وبهجة في قلوب الكبار والصغار، وأهم شيء أنه لم يكن هناك ما يعكر صفو القلوب مثل هذه الأيام إذ أصبح هم المعيشة هو الهم الكبير نظراً لزيادة الأسعار التي طغت على كل المستلزمات فجعلت الناس يلهثون وراء أرزاقهم ولم يعد في قلوبهم البهجة الرمضانية وبعدها يأتي العيد وتأتي بعده متطلبات المدارس وهذه كلها هموم طغت على الفرحة بالشهر الكريم وبالعيد ولا حوله ولا قوة إلا بالله ، كما أن الدولة كانت قد بدأت بخطوات إيجابية في إعطاء إكرامية لشهر رمضان ولكن هذه الإكرامية لم تعد تعطى ونطالب الحكومة بضرورة اعتماد إكرامية سنوية للموظفين , لأن هذه الإكرامية تخفف من عناء الموظف وتكاليف الطلبات الضرورية وخاصة في ظل تصاعد الأسعار.
توزيع كمية كبيرة من الشوربة
عدنان سعيد فضل - موظف في القطاع الصحي تحدث قائلاً:عدن تتميز بالعديد من الوجبات الرمضانية التي لم تعرف في العديد من المناطق الأخرى في السابق فهناك أكلات متنوعة تكاد تكون موجودة في رمضان دون غيره من الأشهر مثل الشوربة والباجية والسنبوسة واللبنية العتر وغيرها من الطبخات التي عرفت في عدن بحيث تعد هذه الأنواع ويتم توزيعها بين الجيران قبل حلول وقت الإفطار فكنا نحن - الصغار - في الزمن السابق قبل “40عاماً” تقريباً نقوم بنقل المأكولات إلى كل منزل مجاور وكنا نشعر بفرحة ونحن نقوم بهذا العمل، وأتذكر أن هناك عادة جميلة في رمضان حيث يقوم البعض من الناس بجمع من ست إلى ثماني أسر قبل انطلاق مدفع الإفطار ويتكفل بإفطارهم وعشائهم عنده وهذه العادة كانت تخلق لدى الناس الألفة والمحبة والإخاء والتعاون والتكافل، هذا غير الناس الذين يقومون مثلاً بطبخ كمية كبيرة من الشوربة والقيام بتوزيعها لعدد كبير من البيوت..
لكن الآن نجد أن العديد من تلك العادات الرمضانية قد قلت بسبب الحالة المعيشية للناس وارتفاع أسعار المواد فنحن نوجه دعوة للتجار بأن يتقوا الله ويراعوا ظروف الناس كما أن الجهات المسئولة يجب أن تتحمل مسئوليتها في ضبط الأسعار ومراقبتها للسوق.. ومن ذكرياتي كنا - ونحن أطفال وحتى الكبار - كنا نرحب بقدوم الشهر الكريم قبل دخوله بأيام حيث نقوم بالطواف في الشوارع مرددين: “مرحب مرحب يا رمضان” وغيرها من الأناشيد وفي داخلنا فرحة غامرة بقدوم هذا الشهر ولكن هذه الأيام قلت هذه الفرحة فيأتي رمضان والناس تفكر بكيفية الصرف على المتطلبات الرمضانية.. وأتذكر تلك الليالي الرمضانية التي كان يتجمع فيه الناس من الجيران ويسمرون بفرحة وبهجة ونحن نلعب ونمرح، ومن الذكريات الجميلة التي عشتها في مدينة كريتر سماعنا لمدفع الإفطار الذي كان يطوف على الشوارع من بعد الثانية ليلاً بقرع الطبل وينادي بأعلى صوته: “سحورك يا صائم” فكنا نفرح به ونخرج إلى خارج المنازل لاستقباله ونعود إلى المنازل فنجد الأهل قد أعدوا مائدة السحور والتي غالباً ما تكون من الخبز والحليب الطازج أما حليب الغنم أو الحليب البقري يتم شراؤه من أصحاب الغنم والبقر، لكن اليوم صار الاعتماد على المواد المصنعة مثل الحليب المجفف وغيره وما عاد لها طعم وذوق مميز، كما أن الغلاء قد حد الكثير من الوجبات الرمضانية ونلاحظ أن الأسعار ترتفع مع قدوم هذا الشهر الفضيل وكانت الدولة قد بدأت قبل أعوام بصرف إكرامية رمضان لكن هذه الإكرامية لم تتواصل مع أنها كانت تخفف من المعاناة وتعين الناس لتأمين صرفيات رمضان والعيد والمشكلة أننا نعاني من صرفيات رمضان ثم يأتي بعده العيد ثم تأتي المدارس.
رمضان زمان فرحة حقيقية
الأستاذ مازن سعيد عبدالله الرجاعي موظف في القطاع التربوي أوضح قائلاً:قبل الحديث عن عادات وتقاليد شهر رمضان في عدن أود أن أناشد الحكومة ممثلة بمؤسسة الكهرباء أن تعطي اهتماما للمناطق الساحلية الشديدة الحرارة وتعمل على تخفيض أسعار الكهرباء لأن ارتفاع قيمة الاستهلاك جعل الكثيرين من ذوي الدخل المحدود عاجزين عن الدفع وبالتالي يتم فصل التيار عن منازلهم وهنا تحل المصيبة بسكان هذه المنازل نظراً للحرارة والرطوبة العالية.. أما عن الفرحة بهذا الشهر الكريم فإنه كانت في السابق توجد فرحة حقيقية نظراً للحالة المعيشية المتيسرة فنجد الناس يستقبلون الشهر بفرحة وبهجة ويستعدون لتوفير المتطلبات الرمضانية دون هم ولا معاناة لكن اليوم ومع ارتفاع الأسعار تجد الناس يتحدثون عن الهموم جراء ارتفاع أسعار السلع وكل الاحتياجات الضرورية.
“ندوات ومحاضرات ثقافية”
الأستاذ توفيق عبده حسين - تربوي متقاعد يقول:
رمضان شهر كريم وشهر إخاء وتعاون ومحبة بين الناس، ونتذكر رمضان في الزمن الجميل كان الناس يستبشرون بقدومه ويعدون أنفسهم للطاعات والعبادات وكانوا ينتظرون قدوم الشهر بفارغ الصبر وأذكر أن الناس كانوا يتعاونون فيما بينهم فتجد الميسورين يقومون بتوزيع الوجبات على جيرانهم بمحبة متناهية وكانت المحبة والألفة، لكن الآن ونظراً لغلاء الأسعار نجد هذه العادات الحميدة انحسرت كثيراً ولم تعد كما كانت عليه.
هناك وجبات رمضانية تميزت بها عدن عن غيرها مثل الشوربة والباجية والسنبوسة وأنواع الكيك والمحلبية واللبنية والبدنج فكانت هذه الأنواع تجدها في المائدة الرمضانية، لكن الآن ومع ارتفاع الأسعار نجد الكثير من هذه المواد انخفضت وتقلصت بسبب التكلفة المرتفعة وخاصة أسعار السكر الذي يدخل في كثير من إعداد هذه المواد الرمضانية وإن شاء الله تتحسن الظروف.
أما عن ليالي رمضان فكانت تقضى في الصلوات ومنها صلاة التراويح ومن ثم كان الناس يتجمعون في مجالس ذكر وتبادل الأحاديث النافعة وكانت الأندية تنظم ندوات ولقاءات وأتذكر وأنا في نادي الشبيبة المتحدة “الواي” كنا نقيم ندوات نحضر فيها مثقفين يلقون المحاضرات المفيدة إلى جانب ممارسة العديد من الألعاب، وهناك فعاليات روحانية كثيرة ولا تزال هذه الروحانيات موجودة إلى جانب ذلك كان هناك العديد من رجال الخير يقومون بتوزيع المساعدات والصدقات للفقراء والمحتاجين وممن أتذكرهم من رجال الخير في الشيخ عثمان : المقطري وعبده حسين الأدهل والغنامي كانوا يقومون بتوزيع الصدقات للناس إلى منازلهم دون ضجة ولا إعلام ولا تعب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.