ارتكب فريق مسلسل «سيلفي»، وعلى رأسهم الفنان السعودي الكبير ناصر القصبي أفضل ما يمكن ارتكابه منذ بداية شهر رمضان؛ لانتزاع الضحكات من قلوب السعوديين تارة، وإجبارهم على البكاء بحرقة تارة أخرى، وربما جمع الحالتين في حلقة واحدة بمشاهد بسيطة؛ تصور الواقع من دون تكلف، وأحياناً من دون احتراف. الخميس الماضي، أدخل «سيلفي» ملايين السعوديين في دوامة ضحك على الكوميديا السوداء، التي يعيشونها مع المتطرفين من أعداء الفن والحياة في كل مدينة وقرية؛ عبر تجسيد صورة بعض «المخابيل» المتخصصين في حفلات مخيمات «التكبير والتكسير»، تحت غطاء الدعوة، ثم أبكاهم «السبت» بمشهد مريع يذبح فيه الابن أباه؛ انتصاراً للفكر التكفيري الإجرامي الذي يعيث في المنطقة دماراً، موجهاً رسالةً ضمنية فحواها: «من يربي المتطرف سيُقتل على يديه في نهاية المطاف».
مخطئ تماماً من يعتقد أن لا علاقة بين الحلقتين، فما هما إلا منطلق النهر ومصبه، فمن المخيم بُذر الشر الأسود؛ ليثمر في كل مكان يستطيع الإثمار فيه، وما «سيلفي» إلا صورة صارخة للواقع الذي سنستمر في التهوين من شأنه كالعادة، حتى يصل إلى رقابنا، ذلك لأننا طيبون جداً.. طيبون بدرجة طيبة الأب نفسه الذي نحره ابنه، ومهما عُلقت الأجراس فلن نستمع لصوتها، وسنقدم الاعتذار لكل «داعشي مؤجل» بيننا يعلن غضبه واعتراضه على المسلسل، ونطبطب على كتفه ونطمئنه بأننا نعرفه ونثق به، ثم نذهب لمتابعة الحلقات الجديدة من «سيلفي» ونضحك ونبكي، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
يضع المواطن التنويري ناصر القصبي روحه على راحتيه، معرضاً نفسه للخطر والتهديدات بالقتل، عبر تقديم أدوار «شائكة» في سبيل تحذير مجتمعه من الكارثة المقبلة، لكن المجتمع يضحك ثم يبكي ثم يستمع لداعية (جمع الدعشنة من أطرافها بين أضلاعه)، وهو يوزع اللعنات على القصبي ويكفره من فوق منبر الجمعة، ولا يتأثر المستمع بذلك، وإن تأثر فلن يزيد رد فعله عن قول: «الله يهدي الشيخ جانب الصواب من حماسته للدين جزاه الله خيراً»، بينما لو اطلعنا على ملفات قضايا الإرهابيين المقبوض عليهم لوجدنا أكثر من 90 في المئة من اعترافاتهم تتضمن كلمات مثل «حماسة، ومتحمس»؛ كتبرير رخيص ومستهلك لأبشع الجرائم التي ارتكبوها أو كانوا على وشك ارتكابها بحق الأبرياء.
بذات طيبة الأب المذبوح على يد ابنه في «سيلفي»؛ ضيع كثير من العراقيين والسوريين أوطانهم وأعراضهم وكرامتهم بعد أن رحبوا بالإرهابيين بينهم، ووصفوهم بالمجاهدين وأهل الدين، حتى تسلطوا على رقابهم، وأذاقوهم الويلات، وبالطيبة نفسها ما زلنا نحن السعوديين نتعامل مع «الدواعش» المؤجلين بيننا، ثم نتابع مسلسل ناصر ورفاقه ونضحك ونبكي وننام من دون أن نعلم على أي كابوس سنستيقظ.