طاهرة الثرى .. زاكية الهواء .. جميلة المعالم .. قريبة البحر وشقيقة الجبال .. شمسها لا تشبه الشموس .. ليس للجمال مواطن إلا فوق أكتافها وفي أحضانها .. تلكم هي عدن .. أسرت الإنجليز فحركوا الأساطيل لاستعمارها بعد حادثة السفينة داريا دولت المتعمدة ومكثوا فيها السنين والأعوام ثم طردتهم ومثلهم كان الأتراك والبرتغاليون وكل من مر بها من الطامعين سال لعابه .. تعرضت لشتى الضربات والهزات ولكنها لم تتزعزع ولم تنثني ولم تتمايل بل بقيت شامخة سامقة بشموخ جبل شمسان وغراء شماء بثبات قلعة صيرة .. لها مع النوارس والنحام وكل الطيور البحرية المهاجرة ألف قصة وقصة من حروف العشق والحب والهيام . وحين يتعرض الآخرون لعدن بمكيدة ودسيسة ويجلبون لها الدمار والخراب ستغضب وستلقي بوشاح وداعتها وهدوئها كما حدث مؤخراً حين أقدم الغرباء على مهاجمتها ونهشها ظناً منهم أن هذه الوادعة الجميلة ستقبل بهم أو ترضى بهيئاتهم الرثة كوافدين في شوارعها وحواريها .. أغضبوها فغضبت .. وحينما تغضب عدن ستكسر كل قيد وسترمي بكل طوق ولن يبقى إلا قولها ولن ترفرف سوى رايتها .. حين تغضب عدن يغضب جارها وشقيقها الكريم ويتألم لآلامها وهو ما حصل فعلاً فما كان من ملك الحزم والحسم وراعي الفضيلة والمجد ملك العروبة والإنسانية سلمان بن عبد العزيز إلا أن أرسل طيره الأبابيل فأحرقت أولئك الغزاة الغرباء القادمين من كهوف التخلف والهمجية . انتصرت هذه المسالمة صاحبة الملاحم والبطولات .. أخذت حريتها بسواعد أبنائها ومحبيها وأشقائها وكتبت مستقبلها بدماء شهدائها الأطهار الأبرار وقد توافدوا على ثراها من كل حدب وصوب . عدن هي الكرامة والعزة .. هي النصر والملحمة .. هي النزال والهياج وهي السلام والسكينة والحب والإخاء والطمأنينة ولنا أن نفخر بأمنا العظيمة هذه وأن نفاخر بهذه المليكة ذات الشأن والوزن وربة السيادة والريادة . في عدن وأنت تنهض كل صباح فتتنسم عبير البحر وهو يبعث بعض عليله وجماله ثم تذهب لتقف أمام هذا الأزرق العربي الكبير وهو يحتضن عدن بحنان وحب وأخوة ثم تقلب ناظريك في جمال أمواجه وهي تتكسر فوق بعضها حتى تصل أسفل قدميك زاحفة منهكة كطبيعة الأمواج راسمة منتهى الجمال وصور الفن والبهاء .. ويفيض إحساس المرء صفاءً ووضوحاً حين يرقب الجبال وهي رابضة ساكنة وكأنها ترنو لما يحمل البحر من بعيد ومن جديد .. أما إذا سرت بقدميك متنقلاً بين حواري الجميلة عدن فعليك الذهاب لشوارع كريتر حيث الطويلة والزعفران والمتحف وقلب ناظريك في عروضها الشعبية وسلعها العدنية وروائح البخور والجمال والورد .. ثم لا تنسى الشيخ عثمان والمنصورة والمعلا وخور مكسر والتواهي كمدائن شاهدة على الجمال العدني العربي صاحب الريحان والبخور والتوابل والبهارات وكل جميل تميزت به هذا الجميلة .