ان تتبعنا لمجريات الاحداث وتطورها في الساحة السياسية اليمنية تستدعي منا الوقوف والتمحيص كي نتمكن من قراءة المستقبل حيث وإننا ومن خلال مواقفنا وسلوكنا المرتبط بمدى فهمنا ووعينا بما يحدث سيكون له الدور الفاعل في رسم اسس المشهد السياسي المستقبلي الذي لا يتناقض مع اهدافنا كجنوبيين . من بين تلك الاحداث وأكثرها اهمية تبرز القرارات الرئاسية الاخيرة التي فضت الى تعيين اثنين من ابرز القيادات في المقاومة الجنوبية وهم عيدروس الزبيدي وشلال شائع ، احدثت تلك القرارات ما يمكن تسميته تجاوزاً بالعصف الذهني للقارئ السياسي الامر الذي دفعني انا كاتب تلك الاحرف طرح العديد من التساؤلات وقبل الخوض في طرح تلك التساؤلات ادعو القارئ لجولة استقرائية لماهية تلك القرارات والاحتمالات المسببة لصدورها والتداعيات المتوقعة والهدف من اصدارها . اولاً ماهية تلك القرارات والاحتمالات المسببة لصدورها بكلام مقتضب تعني قبول هادي بمبدأ الشراكة مع المقاومة الجنوبية بشروطها وخير دليل على صحة تلك المقولة ظهور العميد عيدروس الزبيدي بعد تعيينه كمحافظ لعدن في مقابلة مع قناة ابو ظبي الفضائية والى جانبه علم الجنوب وكذا قبول الرئيس هادي اليمين الدستوري بعدم التأكيد على ضرورة الحفاظ على وحدة اليمن فذلك يوحي بتمسك القائدين في المقاومة الجنوبية بنهجهما الثوري الذي عاهدوا فيه شهداء ثورة الجنوب هذا من ناحية ومن ناحية اخرى نجد ان الرئيس هادي الذي لطالما حرص دوماً منذ توليه الرئاسة ان يظهر بمظهر الوحدوي نجده اليوم يتخلى عن ذلك ، وهذا الامر له احتماليين اولهما ان هادي قد شعر باليأس وعدم القدرة على استنهاض الشماليين ضد الحوثي وصالح في معركة تحرير الشمال وقرر ان ينحو في منحنى جديد سيكون له الاثر بل وسيمثل منعطف تاريخي في تاريخ السياسة اليمنية وفي مستقبل العلاقة بين الشمال والجنوب وثانيهما ان هادي سمح بذلك كمناورة سياسية لاستنهاض الشماليين ليس إلا .. ولا يزال في نفس الطريق وماضياً نحو مشروعه الوحدوي بتكتيكات جديدة . ثانياً التداعيات المتوقعة أ ان كل الجنوبيين على مختلف مشاربهم السياسية سيكونون محل ترحيب بتلك القرارات(وهذا ماحدث فعلاً) كونها ستمثل الاداة التي بواسطتها سيتم فتح الانسداد في الافق السياسي الجنوبي والطريق لبناء الحامل السياسي الجنوبي . ب ان الشماليين وبالذات من يدعون انهم يدعمون شرعية هادي ومناوئو الانقلاب ممثلين بمن يشغلون حقائب وزارية في الحكومة الشرعية وقيادة وقواعد المقاومة الشعبية في الشمال سوف يعزفون عن التعاطي مع هكذا قرارات ويبدون رفضاً مستميتاً لتلك القرارات (وهذا مالم يحدث). ج يتوقع من خلال التداعيات المفترضة في أ ، ب ان يحدث نوع من الاصطفاف الجنوبي واصطفاف شمالي مضاد له ويؤدي بالضرورة الى تغير جذري في الخارطة السياسية الذي بدوره يلقي بظلاله على شروط وأسس التفاوض المزمع طرحها في مؤتمر جنيف 2 (وهذا مالم يحدث) . ثالثاً الهدف من اصدار تلك القرارات قد يكون الهدف تكتيكي وبالتالي لعبة من العاب خداع الانظار يراد منها جر المقاومة الجنوبية للاستفادة منها بشراكة مرحلية وضربة معلم تهدف الى الاتي : 1 القرارات ستصنع نوع من التحالف الاستراتيجي بين السلطة الشرعية والمقاومة الجنوبية ، فما احوج الرئيس هادي لمثل هذا التحالف سيما وان المقاومة الجنوبية قيادةً وقواعد هي الاقوى على الارض في كل محافظات الجنوب المحررة وهي لوحدها القادرة على ارساء قواعد الامن والاستقرار في الجنوب بالتالي قادرة على احراق كل الاوراق التي ما زال صالح وزبانيته يلعبون بها والمتمثلة بالقاعدة وبقايا اجهزة عسكراتارية عفاش كالخلايا التي زرعتها اجهزة الامن القومي والأمن السياسي والاستخبارات على مدى ربع قرن في الجنوب . 2 من خلال القرارات سيتمكن هادي من ان يرسي لنفسه قاعدة جماهيرية حيث اثبتت كل معطيات الحرب ان هادي كان يفتقد للقاعدة الجماهيرية شمالاً وجنوباً وبعبارة اخرى الشمال قاعدة جماهيرية لصالح والحوثي والجنوب قاعدة جماهيرية للمقاومة الجنوبية وهذا ما اثبتته وأكدته معطيات الحرب فالجنوب تحرر بسيطرة كاملة للمقاومة الجنوبية على كامل المشهد وعجز الشمال عن الظفر بأي انتصار لسبب واحد ووحيد مفاده ان الشمال بكل قواه وأطيافه تحولت الى روافد دعم لصالح والحوثي بعضها سراً وأخرى علناً ، لكن قرارات هادي ادت الى ارساء قاعدة جماهيرية داعمة له في الجنوب وهذه القاعدة الجماهيرية ستلعب دوراً كبيراً في المستقبل السياسي للريس هادي وتطور الاحداث في الايام القادمة ستثبت صحة تلك المقولة . 3 القرارات تعني اخراج المقاومة الجنوبية من فلك المعارض السياسي الى شريك في الحكم ، فلان المرحلة الحالية مليئة بالتحديات فالرئيس هادي غير قادر على خوض غمارها لوحده سيما وانه مطالب بنموذج لدولة النظام والقانون في المناطق المحررة ولكن تلك المناطق تميل وجدانياً وعاطفيا للمقاومة الجنوبية لذا وجب مشاركتها هذا من ناحية ومن ناحية اخرى يهدف من تلك الشراكة تقاسم المسؤولية في حالة الاخفاق بدلاً من تركها اي (المقاومة الجنوبية) مجرد راصد لأخطائه وإخفاقاته كما وتظل في حال عدم اشراكها الفارس المنتظر المعلق عليه امال وطموح الجماهير في الجنوب . 4 الشراكة مع المقاومة الجنوبية ستمكن هادي من بناء جيش جنوبي يخلو من المناطقية ويبقى كل الجنوب حاضن شعبي لذلك الجيش ومطعم بأشجع مقاتلي المقاومة الجنوبية وبالتالي يمكنه من دعم حلفائه (دول التحالف) في معركتهم المصيرية . وقد يكون الهدف من اصدار تلك القرارات وإعلان تلك الشراكة كمون صحوة هادوية وعودة فارس جنوبي مرحباً به الى حضن الجنوب الدافئ من خلال الجولة الاستقرائية نستنتج الاتي ان هادي لا زال قابضاً على العصا من اوسطها فمن ناحية قبل الشراكة مع المقاومة الجنوبية بشروطها وهدفها التي تنشده المتمثل في استعادة الدولة واظهر جنوبيته التي لطالما انتظرها الجنوبيين ومن ناحية اخرى لازال على عهده بوعود سرية لأنصاره في الشمال وهذا ما يفسر عدم رفض الشماليين لتلك القرارات ، وبعبارة اخرى ان هناك طرفاً مخدوع هل هم الشماليين الذين يراهنون على وحدوية هادي ؟ ام انهم الجنوبيين الذين كسروا حاجز التشاؤم وأصبحوا يدورون في فلك التفاؤل بدافع ما اظهره هادي من سلوك جنوبي منقطع النظير ؟ . اي كان السلوك المستقبلي لهادي فالسؤال الذي يطرح نفسه بقوة ... هل يستطيع الجنوبيين اقتناص الفرصة من خلال تلك المشاركة لتهيئة الظرف الموضوعي لفعل سياسي يحقق هدفهم ؟ وكيف ؟ام سيكونون مجرد آداه لتمرير اوراق سياسية ومن ثم سيعودون خاسئين الى ساحات الاعتصام ؟ .