عدن.. ارتفاع ساعات انطفاء الكهرباء جراء نفاد الوقود    بمشاركة «كاك بنك» انطلاق الملتقى الأول للموارد البشرية والتدريب في العاصمة عدن    إب .. وفاة أربع طفلات غرقا في حاجز مائي    مراكز ومدارس التشيّع الحوثية.. الخطر الذي يتربص باليمنيين    بدء اعمال مخيّم المشروع الطبي التطوعي لجراحة المفاصل ومضاعفات الكسور بهيئة مستشفى سيئون    التوظيف الاعلامي.. النفط نموذجا!!    المركز الوطني لعلاج الأورام حضرموت الوادي والصحراء يحتفل باليوم العالمي للتمريض ..    المبعوث الأممي يصل إلى عدن    مصرع وإصابة 20 مسلحا حوثيا بكمين مسلح شرقي تعز    وفاة أربع فتيات من أسرة واحدة غرقا في محافظة إب    مقتل "باتيس" في منطقة سيطرة قوات أبوعوجا بوادي حضرموت    تتويج الهلال "التاريخي" يزين حصاد جولة الدوري السعودي    جدول مباريات وترتيب إنتر ميامي في الدوري الأمريكي 2024 والقنوات الناقلة    مصادر سياسية بصنعاء تكشف عن الخيار الوحيد لإجبار الحوثي على الانصياع لإرادة السلام    لهذا السبب الغير معلن قرر الحوثيين ضم " همدان وبني مطر" للعاصمة صنعاء ؟    نادي الخريجين الحوثي يجبر الطلاب على التعهدات والإلتزام بسبعة بنود مجحفة (وثيقة )    لو كان معه رجال!    الحوثيون يسمحون لمصارف موقوفة بصنعاء بالعودة للعمل مجددا    أبناء القبطية ينفذون احتجاج مسلح أمام وزارة الداخلية الحوثية للمطالبة بضبط قتلة احد ابنائهم    مفاجأة وشفافية..!    الدوري الايطالي ... ميلان يتخطى كالياري    "هذا الشعب بلا تربية وبلا أخلاق".. تعميم حوثي صادم يغضب الشيخ "ابوراس" وهكذا كان رده    فوضى عارمة في إب: اشتباكات حوثية تُخلف دماراً وضحايا    عاصفة مدريدية تُطيح بغرناطة وتُظهر علو كعب "الملكي".    الدوري المصري: الاهلي يقلب الطاولة على بلدية المحلة    الحوثيون يطورون أسلوبًا جديدًا للحرب: القمامة بدلاً من الرصاص!    القوات الجنوبية تصد هجوم حوثي في جبهة حريب وسقوط شهيدين(صور)    أفضل دعاء يغفر الذنوب ولو كانت كالجبال.. ردده الآن يقضى حوائجك ويرزقك    بلباو يخطف تعادلًا قاتلًا من اوساسونا    كوابيس أخته الصغيرة كشفت جريمته بالضالع ...رجل يعدم إبنه فوق قبر والدته بعد قيام الأخير بقتلها (صورة)    إطلاق سراح عشرات الصيادين اليمنيين كانوا معتقلين في إريتريا    بعد فوزها على مقاتلة مصرية .. السعودية هتان السيف تدخل تاريخ رياضة الفنون القتالية المختلطة    أطفال غزة يتساءلون: ألا نستحق العيش بسلام؟    الاحتجاجات تتواصل في الحديدة: سائقي النقل الثقيل يواجهون احتكار الحوثيين وفسادهم    شاهد:ناشئ يمني يصبح نجمًا على وسائل التواصل الاجتماعي بفضل صداقته مع عائلة رونالدو    مصر تحمل إسرائيل مسؤولية تدهور الأوضاع في غزة وتلوح بإلغاء اتفاقية السلام    بالفيديو...باحث : حليب الإبل يوجد به إنسولين ولا يرفع السكر ويغني عن الأطعمة الأخرى لمدة شهرين!    المبيدات في اليمن.. سموم تفتك بالبشر والكائنات وتدمر البيئة مميز    هل استخدام الجوال يُضعف النظر؟.. استشاري سعودي يجيب    توقعات بارتفاع اسعار البن بنسبة 25٪ في الاسواق العالمية    اليمن يرحب باعتماد الجمعية العامة قرارا يدعم عضوية فلسطين بالأمم المتحدة مميز    قل المهرة والفراغ يدفع السفراء الغربيون للقاءات مع اليمنيين    القيادة المركزية الأمريكية تناقش مع السعودية هجمات الحوثيين على الملاحة الدولية مميز    أمين عام الإصلاح يعزي رئيس مؤسسة الصحوة للصحافة في وفاة والده    مثقفون يطالبون سلطتي صنعاء وعدن بتحمل مسؤوليتها تجاه الشاعر الجند    هناك في العرب هشام بن عمرو !    قوات دفاع شبوة تضبط مُرّوج لمادة الشبو المخدر في إحدى النقاط مدخل مدينة عتق    هل الموت في شهر ذي القعدة من حسن الخاتمة؟.. أسراره وفضله    اكلة يمنية تحقق ربح 18 ألف ريال سعودي في اليوم الواحد    في رثاء الشيخ عبدالمجيد بن عزيز الزنداني    بسمة ربانية تغادرنا    بسبب والده.. محمد عادل إمام يوجه رسالة للسعودية    عندما يغدر الملوك    قارورة البيرة اولاً    ولد عام 1949    بلد لا تشير إليه البواصل مميز    وزير المياه والبيئة يبحث مع اليونيسف دعم مشاريع المياه والصرف الصحي مميز    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نشأة وصعود القضية الجنوبية
(نحو إطار للحل)
نشر في الاشتراكي نت يوم 13 - 03 - 2012

نشأة وصعود القضية الجنوبية " نحو ايظار للحل " كان عنوان ورقة قيمة تقدم بها السياسي والمثقف المعروف الأستاذ حسن شكري عضوالأمانة العامة للحزب الأشتراكي اليمني رئيس دائرة الثقافة الى ندوة " الانتخابات الرئاسية العبور الآمن إلى مستقبل أفضل " .
الورقة تضمنت تشخيصا واقعيا لجذور الأزمة ونشوئها وتفاعلاتها ، ووضعت تصورات ومخارج وطنية عامة للحل وتجاوز تداعياتها التي تفاقمت وتعاضمت حتى باتت بحجم وطن .
ولأهمية الأفكار والطروحات التي تضمنتها الورقة ارتأينا اعادة نشرها لتوفر موضوعا ومساحة للنقاش كمشروع للحل يرتكز على دولة اتحادية فيدرالية من اقليمين لهما نفس التمثيل المتساوي في الهيئات وقوام الدولة العلياعلى ان تنفتح هذه الأتحادية على فيدرالية الأقاليم وبما يضمن تجسيد مبادئ العدالة والمساواة ويوفر مناخات ملائمة للتنمية والبناء والتنافس الأيجابي والخلاق بين الأقليمين الرئيسيين من جهة وبين الأقاليم المتعددة على المستوى الوطني بشكل عام .ب
نص الورقة :
ندوة
الانتخابات الرئاسية – العبور الآمن إلى مستقبل أفضل
وزارة الثقافة
صنعاء
12-14/2/2012م
ورقة:
الأستاذ /حسن شكري

نشأة وصعود القضية الجنوبية
(نحو إطار للحل)





فهرس
(سلطات الدولة المركزية والمحلية ) (ص 29 _44) ويتفرع العنوان الأخير بدوره والذي تبين أنه الأكبر مساحة بين العناوين كلها إلى سبعة عناوين فرعية جانبية أخرى _ لنحو 15 صفحة ونيف-5/1 تطوير السلطة التشريعية (ص 29_31) -5/2(تحديث السلطة التنفيذية) (ص31-32)-5/3(استقلالية وتحديث السلطة القضائية)(33-35)-5/4(الحكم المحلي) (ص35-37)-5/5(إصلاح أجهزة الدفاع والأمن )(ص37-39)5/6(الإصلاح الإداري)(ص39-41)5/7(مؤسسات المجتمع المدني)(ص41-44).
وتأتي تحته ثلاثة عناوين اصغر هي :-
-الأحزاب السياسية-(ص41-44) –ترسيخ التحالفات السياسية (ص42) –المنظمات غير الحكومية (ص42-44).
كان مثل هذا التفصيل النسبي ضروري ليتضح لنا إن قضية الديمقراطية هي الميدان الأرحب التي أولاها الحزب عنايته الكبرى والأوسع, وانه في نطاق قضية الديمقراطية, وضع الحزب قضية إصلاح مسار الوحدة,فجعلها بدرجة رئيسة نتيجة من نتائج الإصلاح الديمقراطي الشامل,كما جعل الأخير الشرط التاريخي الأعم والاشمل لإصلاح مسار الوحدة ..
في البرنامج السياسي للحزب 2005م فإن نهج إصلاح النظام السياسي لبناء دولة الوحدة الديمقراطية, لا يتعامل صراحة وتسمية مع مصطلح "القضية الجنوبية" بل ذهب إلى توصيف العواقب المشؤمة التي ألحقتها حرب صيف 94 ب " وحدة 22 مايو 1990م ومضمونها الوطني السلمي الديمقراطي فدمرت الكثير من الموارد الوطنية المادية والبشرية وأحدثت تصدعات خطيرة في مشاريع الوحدة اليمنية وأخلت بالتوازنات الوطنية والاجتماعية, ومكنت القوى المتنفذة الاستبدادية المتخلفة من السيطرة على مقدرات المجتمع والانفراد بالسلطة, وإعادة إنتاج الماضي الشطري الانقسامي وتعريض السيادة الوطنية للمخاطر " (ص8) وذهب الحزب الاشتراكي في برنامجه السياسي إلى " أن إزالة آثار ونتائج حرب صيف 1994م وإصلاح مسار الوحدة وإجراء مصالحة وطنية شاملة تمثل مدخلاً رئيسياً لاستعادة الطابع السلمي والديمقراطي لوحدة 22 مايو 1990م, وإلغاء نهج الحرب وتصفية كل آثارها, و تجسيد الشراكة الوطنية والتكافؤ في بنية الدولة, والمواطنة المتساوية وفق اتفاقيات الوحدة" (ص15).
وقد حدد برنامج الحزب أن الغاية النهائية من ذلك تتحدد بالوصول مجدداً إلى "بناء دولة الوحدة اليمنية الحديثة على أساس جوهر اتفاقيات الوحدة ودستورها المتفق عليه بين طرفيها ,ووثيقة العهد والاتفاق"(ص16)
ولهذا السبب من حيث الاستناد إلى وثيقة العهد والاتفاق لم يذهب البرنامج إلى أبعد من نظام المخاليف.
ولما لم يكن للمخاليف نظام دستوري وقانوني سابق, فقد أدرجه البرنامج تحت نظام "الحكم المحلي" إلا أنه قد حدد اتجاهه العام من حيث طالب البرنامج ب "إعادة النظر في التقسيم الإداري للجمهورية اليمنية وفقاً لأسس علمية تراعي الظروف الجغرافية والتاريخية والسكانية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية, وتحقق التكامل والاندماج الوطني من خلال نظام المخاليف" (ص35-36)"
إن نظام الحكم المحلي الذي طالب به الحزب الاشتراكي في برنامجه السياسي,هو إذن نظام حكم محلي يشمل المخاليف التي طالب بإنشائها وليس نظام حكم محلي للمحافظات والمديريات فقط, وهذا ما يفسر أيضاً أن البرنامج السياسي, لم يطرح نظام حكم محلي كامل الصلاحيات لان كمال الصلاحيات قد يفهم انه في حالة نظام المخاليف قد يقود إلى انفصال هذا المخلاف أو ذاك, فتقيد البرنامج بدلاً عن ذلك بإقرار" قيام حكم محلي ديمقراطي واسع الصلاحيات"(ص35)
وإذن أين الجنوب السابق طالما التقسيم الإداري يتدرج من المديرية, إلى المحافظة, إلى المخلاف؟
هنا يطرح البرنامج:"استعادة الطابع السلمي والديمقراطي لوحدة 22 مايو1990م ...وتجسيد الشراكة الوطنية والتكافؤ في بنية الدولة" (ص15) "دولة الوحدة اليمنية الديمقراطية الحديثة "(ص13) وهذا يعني أن يكون للجنوب المجسد سابقاً بجمهورية اليمن الديمقراطية, حضوراً معادلاً ومكافئاً ومساوياً للحضور الشمالي المجسد سابقاً بالجمهورية العربية اليمنية في هيئات الدولة العليا والمنظومة السياسة للدولة, وهو ما يفهم من السياق ولم يصرح به حتى الآن.
إن استعادة الشراكة الوطنية للجنوب (وكذا للشمال), في دولة الوحدة الديمقراطية الحديثة تتحقق من خلال إصلاح النظام السياسي، الإصلاح الديمقراطي الواسع والعميق, والذي يأتي في مقدمة الإصلاح الدستوري الذي يقوم على "الأخذ بالنظام البرلماني وتحديد صلاحيات رئيس الجمهورية كرمز للسيادة الوطنية وممثل لها في الداخل والخارج ومخول بالتصديق على التشريعات والاتفاقيات والمعاهدات الدولية, بما لا يتعارض مع مبدأ تداول السلطة عبر الانتخابات وتشكيل الحكومة من قبل الحزب أو الائتلاف صاحب الأغلبية في مجلس النواب (ص31).
وهكذا بينما رئيس الجمهورية يبدو فخرياً ورمزياً حيث يكون "حكما بين هيئات الدولة وممثلاً لها في الداخل والخارج وضامناً لانتقال السلطة, دون إن يمارس مهام السلطة التنفيذية"، فانه بمقابل ذلك:- "تتولى الحكومة الفائزة بثقة أغلبية مجلس النواب السلطة التنفيذية وتعين كافة موظفيها, وتخضع لها كافة المؤسسات والأجهزة التنفيذية مدنية وعسكرية" (ص17).



2- -
من إصلاح مسار الوحدة
إلى الفدرالية :
إن تحقيق المهمة التاريخية الكبرى, المجسدة بإصلاح النظام السياسي لبناء دولة الوحدة الديمقراطية الحديثة هو أمر يتطلب رص صفوف كافة الفئات والشرائح الاجتماعية والأحزاب والشخصيات المستقلة, وتوحيد جهودها وابتداع الأشكال الثابتة للعمل المشترك من اجل تحقيق المهام المشتركة وقد كان تفعيل اللقاء المشترك الذي نشأ عام 2005م من ستة أحزاب خطوة كبيرة وجسورة على هذا الطريق, استكملت بنقله من حالة الصيغة العامة غير المحددة بلائحة تنظيمية أو برنامج, إلى كتلة سياسية ناشطة وفعالة للمعارضة السياسية الديمقراطية حيث أنجزت خلال ذلك العام أهم وثيقتين: برنامج الإصلاح الوطني الشامل واللائحة التنظيمية لتكتل اللقاء المشترك.
لقد حدد البرنامج الأهداف العامة للنضال السياسي والاجتماعي والاقتصادي وفي مقدمتها الأخذ بالنظام البرلماني, فمثل نقلة هامة في العلاقات الداخلية لهذا التكتل, ناهيك عن المناخات السياسية الملائمة التي أوجدها فلم تكن النخب السياسية على يقين من أن هذه الأحزاب قادرة على الالتقاء حول برنامج من هذا النوع,الأمر الذي أسهم في خلق ثقافة سياسية تؤسس للتسامح والتعايش والتفاهم وغيرها من قيم الحرية الضرورية لنجاح المشروع الديمقراطي. أما اللائحة الداخلية فقد نظمت الحياة التنظيمية الداخلية حيث أنشىء بموجبها مجلس أعلى يعتبر بمثابة القيادة العليا للقاء المشترك يتناوب رئاسته أمناء عموم الأحزاب كل ستة أشهر,كما نظمت اللائحة العلاقة على صعيد الفروع...
رغم كل الصعوبات التي تواجهه الحياة السياسية والديمقراطية في البلاد, ورغم التأثير السلبي للعوامل الاجتماعية والثقافية وتلك العوامل الناشئة على التخلف الاقتصادي, فقد استطاع اللقاء المشترك مواجهة هذه التحديات بفعالية ليصون وحدته بالاستناد إلى عاملين أساسيين:-
1-أنه لا يسعى أن يصبح حزبا واحداً, فأعطى ذلك الأحزاب مرونة كبيرة للتعاطي مع بعض القضايا الفكرية التي لا تمس جوهر أهدافه المتعلقة بحماية الديمقراطية,كما حافظ كل حزب على استقلاليته التنظيمية, وما يلحق بها من ممارسات حزبية وتثقيفية...الخ.
2- وضوح أهداف اللقاء المشترك وأسلوب قيادته وإدارة الحوار الداخلي في ضوء مستجدات الحياة السياسية وسيادة روح التعاون واستمرار الشعور بالحاجة الماسة إلى هذا العمل الجماعي في ظل نزعة الهيمنة التي تعبر عنها السلطة السياسية وحزبها والتراجع عن الهامش الديمقراطي.
وقد اختبر هذا التلاحم في انتخابات 2006م بدخول اللقاء المشترك في الانتخابات الرئاسية بمرشح للرئاسة مقابل الرئيس صالح الذي تمسك بالسلطة منذ ما يقرب من 28 عاماً، وكان الهدف من ذلك كسر حاجز الخوف من منافسة رئيس يحكم البلاد كل هذه الفترة من ناحية, وتحويل الانتخابات الرئاسية إلى منافسة حقيقية بعد أن كانت عبارة عن عملية شكلية لا معنى لها.
كانت انتخابات 2006م الرئاسية محطة هامة إن لم تكن فاصلة بين مرحلتين وضعت البلاد على مفترق طريقين الأول: الطريق المفضي إلى تعزيز الخيار الديمقراطي حيث يصبح الشعب لاعباً رئيسياً في تقرير مستقبل البلاد, أو الثاني: الطريق الذي يكرس الهامش الديمقراطي المسموح به والذي لا يجب أن يتجاوز حاجة النظام المغلق إلى الديكور الخارجي الذي يسمح له بتوسيع تعاقداته مع كل من يرغب في الالتحاق بركبه، ومن الجانب الأخر خرج المشترك من الانتخابات بشهادة جدارة كبرى باعتباره قوة المعارضة الديمقراطية المعترف بها دوليا وإقليميا ومحلياَ.
ولأن الإنتخابات قد كشفت للنظام وسلطته عن إن الهامش المسموح به في الديمقراطية والذي ظل يوظف لإعادة إنتاج هذه السلطة على نحو دوري لم يعد مقبولاً شعبياً بعد أن تدهورت الأوضاع السياسية والاقتصادية لدرجة غير مسبوقة، وأنه من غير الممكن أن يواصل الناس رهن خياراتهم لمثل هذا الهامش الضيق فقد أعطى ذلك النظام مؤشراً جاداً عن أن الديمقراطية قد تجاوزت الخط المسموح به ولابد بالتالي من إعادتها إلى وضعها القديم وتقطيع الزوائد الديمقراطية بعمليات إستئصالية جديدة وعاجلة بل إن عمليات النظام الإستئصالية قد أخذت سرعة مذعورة تجاوزت الزوائد إلى الهامش القديم, فراحت تفتش عن وسائل قانونية وغير قانونية لوضع قيود جديدة على الديمقراطية والحريات.
فزع السلطة هذا بتوغلها في الطريق المفضي إلى الاستبداد حرك في العام التالي للانتخابات الرئاسية –أي عام 2007م -قطاعات من المجتمع ودفعها دفعاً للتعبير عن رفضها باستنهاض الفعل الديمقراطي المخبوء, والذي لم يكن قد جرب قبل ذلك إلا في حالات ضيقة وفي المواقع التي نضج فيها استنهاض هذا الفعل، فبدأ حراك ديمقراطي من نوع آخر كان هو الحراك السياسي في الجنوب حيث قد توفرت له عوامل وشروط الظهور والبدء على نحو مكنه من أن يتصدر الحراك السياسي والجماهيري على صعيد البلاد من حيث المبادرة وقوة الحشد وتماسك الروابط الداخلية، وإنتظامه في سياقه السياسي ومتصل بظروف المعاناة الذاتية لمنتسبيه وما شهده هذا الجزء الجنوبي من الوطن من ظروف منذ حرب 1994 م جعلت المشهد السياسي والاجتماعي بادياً فيه وكأنه غرفة عمليات طوارئ حتى استطاع الحراك إن يعيد بناء المشهد الذي جعله أكثر تعبيراً من الناحية السياسية والمعرفية عن حاجة الجنوب إلى احتشاد سياسي _ وليس عصبوياً- يمكنه من إعادة الاعتبار لمكانته في المعادلة الوطنية كطرف أساسي في الوحدة، وهي المكانة التي خربها إحلال القوة محل السلام والديمقراطية ( راجع د/ ياسين سعيد نعمان: القضية الجنوبية والحراك السياسي والاجتماعي ص 10_12).
تم التعبير عن هذا الاحتشاد بالحراك السلمي الجنوبي وعن أهدافه ب"القضية الجنوبية" وهذا المصطلح لم يعبر إطلاقا عن دلالات انفصالية أو عنفية، ولكنه يضع الجنوب في إطاره السياسي التاريخي كطرف في الوحدة اليمنية, طرفاً لا ملحقاً، والجنوب الطرف لا الملحق _ هو (الدولة الجنوبية) التي دخلت الوحدة مع الطرف الأخر (الدولة الشمالية).
وهذه الدولة الجنوبية التي شنت الحرب عليها في صيف 1994 قد تمت تصفيتها كمشروع حضاري وثقافي, وألغيت كل المنجزات الاجتماعية بمثل ما صفيت كهوية وتراث وطني يمني رائد ومتقدم هو الذي يراد له أن يستعاد في الشراكة الوطنية الندية في دولة الوحدة اليمنية الديمقراطية الحديثة والمعبر عنه احتشاداً بالحراك السلمي الجنوبي وقضيةً ب(القضية الجنوبية).
وإذ أخذ الحراك السياسي ينضج آلياته المستندة على الدوافع المختلفة السياسية والاجتماعية والحقوقية والمطلبية, لتنفتح هذه الآليات المستنبطة على بعضها البعض في صيغة النضال السلمي الديمقراطي, فإن الأمر لم يخل من التجاذبات المتحققة عن محاولة البعض بلورة هوية خاصة بنضال الحراك خارج المعايير السياسية الوطنية.
غير أن المؤكد إن مواجهة هذا الحراك من قبل السلطة قد تمت بوسائل العنف المادي المفرط والعجرفة السياسية الذاهبة إلى التخوين ومبرهناً من جديد عن غياب المشروع السياسي الديمقراطي لمن في سدة الحكم.
إلا إن الحراك السياسي والاجتماعي في الجنوب واصل صعوده, في مسيرة سلمية وجد فيها(اللقاء المشترك) هو الحاضر الفاعل والمساند لفعالياته السياسية والجماهيرية وذلك عبر انخراط المنظمات الحزبية والسياسية لأحزاب المشترك في المحافظات الجنوبية في أنشطة وفعاليات الحراك بدون أن يتوجه المشترك لقيادة هذا الحراك.
فالمشترك بقدر ما حرص أن يجعل من نضاله السلمي الديمقراطي سياجاً للحراك السياسي والجماهيري بالحرص على المشاركة فيه، حرص في الوقت نفسه أن لا يكون وصياً عليه, وأكد على أهمية الدفع بمثل هذه التفاعلات الاجتماعية والسياسية وتوسيع مساحة تحالفاتها, وتمكينها بذاتها أن تنتج قياداتها الميدانية التي يعول عليها أن ترفد الحياة السياسية بدماء جديدة، ولقد أثمر كفاح الحراك السياسي الجماهيري ليس وحسب بالحصول على المساندة الكبيرة لمنظمات أحزاب ( المشترك ) في الجنوب بل وإلى نشوء تفاعل سياسي جماهيري عريض على صعيد اليمن كلها مع الحراك في الجنوب حتى لقد أخذ هذا التفاعل في بعض المحافظات الشمالية يبتكر له إطارات وأشكالاً حراكية, موازية أو مناظرة لما هو في الجنوب, وأخذ هذا التفاعل يتوجه نحو إنضاج موقف وطني عام بشأن بناء الدولة الوطنية الديمقراطية, وعلى الأساس الذي يلبي حاجة الشراكة الوطنية, واستنقاذ الوحدة من المأزق الذي وضعتها فيه سلطة القوة والعنف.
وكان تسارع التوجه لإنضاج موقف وطني عام من مشروع بناء الدولة الوطنية الديمقراطية مدفوعاً بتضافر أزمات كبرى إضافية يستعجل النظام على إنتاجها يوماً بعد أخر وأبرزها أزمة حروب صعده المتلاحقة والمنهكة ليس وحسب للأهالي الذين حاق بهم وبما يتجاوز محافظة صعده إلى محافظات أخرى قتل مروع وشبه جماعي، وموجات هجرة داخلية واسعة، وهلاك للزرع والضرع والمساكن والمنشآت والمؤسسات، فضلاً عما حاق بالقوات المسلحة والخزانة العامة وموارد الدولة ومؤسساتها، والأخطر ما أخذ ينتجه ذلك من التأسيس لمشروع انقسام وطني جديد، وبهوية جديدة. وهو ما كان يحدث في سياقات كارثية أخرى من مزيد تردي الحياة المعيشة من فقر وبطالة وأمية متزايدة وتجارة نخاسة جديدة وعريضة، إلى غير ذلك من مشكلات التدهور الاقتصادي والمحكوم جميعا بتنفذ الفساد وتغوله في مفاصل النظام السياسي.
كان نظام إنتاج الحروب والأزمات بذلك كله يوجه مسار الحراك السياسي الجماهيري في الجنوب للضغط أكثر من السابق على المسار العام للعملية السياسية الديمقراطية والتي يتصدرها( اللقاء المشترك) لإنضاج الموقف الوطني العام من خلال بلورة رؤية متوافق عليها من قبل كل قوى الشعب السياسية والاجتماعية عبر مؤتمر للحوار الوطني يقف أمام وثيقة للإنقاذ الوطني ويقرها, لتكون بمثابة عقد اجتماعي جديد.
وتمثل وثيقة "رؤية الإنقاذ الوطني"التي أعدتها اللجنة التحضيرية المنبثقة عن ملتقى التشاور الوطني للحوار الوطني, وأمانتها العامة, جهداً سياسياً وطنياً كبيراً, استغرق إعداده والتحاور حوله زهاء العامين, تم تقديمها وإقرارها من اللجنة التحضيرية في 7/9/2009 م بما تضم من قوى وأحزاب وتنظيمات وشخصيات سياسة واجتماعية, ورجال أعمال وعلماء, ومثقفين وقادة رأي وقيادات نسائية وشبابية كمشروع سياسي معروض على الشعب.
من الواضح أن قوة الحراك السياسي الجماهيري في الجنوب, والتفاعل الجماهيري معه بالمساندة الشعبية في عموم الوطن مع تلاقى "اللقاء المشترك" مع نبل أهداف ومقاصد الحراك السياسي في الجنوب ..كل ذلك قد وجدناه يلقي بثقله ووزنه على وثيقة "رؤية للإنقاذ الوطني" 7 سبتمبر 2009 م التي اعتبرها البعض البرنامج الثاني " للقاء المشترك"
هنا في"رؤية الإنقاذ"يجري توصيف دقيق للقضية الجنوبية حيث:"مثلت القضية الجنوبية أخطر وأبرز مظاهر الأزمة الوطنية الملتهبة ففي مجرى هذه الأزمة وتداعياتها والظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي ولدتها سياسات السلطة الانتقامية ضد المشروع الوطني الوحدوي وممارساتها المتبعة في المحافظات الجنوبية منذ ما بعد حرب صيف 1994 م وحتى الآن نشأت حالة غليان جماهيرية غير مسبوقة في المحافظات الجنوبية فتبلور هذا الغليان في حراك سياسي واجتماعي راح يطرح بقوة موضوع القضية الجنوبية كرد فعل طبيعي لفشل السلطة في إدارة مشروع الوحدة وتحويله من مشروع وطني ديمقراطي يأخذ بالأفضل من تجربة الشطرين إلى مشروع للغلبة الداخلية والإطاحة بالشراكة الوطنية والاستئثار بالسلطة والثروة وتكريس الأسوأ في التجربتين والقضاء على أفضل ما كان عندهما"(ملخص رؤية الإنقاذ ص 30).
وبعد استطراد مطول في وثيقة الإنقاذ في توصيف القضية الجنوبية تنتقل الوثيقة إلى المطالبة ب:"إزالة آثار حرب صيف 1994م وإجراء مصالحة وطنية شاملة تفضي إلى حل القضية الجنوبية بأبعادها الحقوقية والسياسية, حلاً عادلاً وشاملاً, يضع الجنوب في مكانه الوطني الطبيعي كطرف في المعادلة الوطنية, وكشريك حقيقي في السلطة والثروة كمدخل أساسي لمعالجة وطنية شاملة للأوضاع المتفاقمة التي ترزح تحت وطأتها الغالبية العظمى من السكان في مختلف أرجاء البلاد ("رؤية للإنقاذ" ص17)
فإذا ما ربطنا توصيف وثيقة"رؤية للإنقاذ" بأن القضية الجنوبية قد مثلت أخطر وأبرز مظاهر الأزمة الوطنية الملتهبة , بما طالبت به الوثيقة بعد ذلك من:"حل القضية الجنوبية بأبعادها الحقوقية والسياسية حلاً عادلاً وشاملاً يضع الجنوب في مكانه الطبيعي كطرف في المعادلة الوطنية ,وكشريك حقيقي في السلطة والثروة".
وهو ما يعني عندئذ أن يكون وضع الجنوب وميزانه في بنية الدولة ونظامها السياسي. والهيئات العليا فيهما ,معادلاً تماماً لما للشمال, فأن هذا يعني مفهوماً محدداً لشكل الدولة الوطنية الديمقراطية القائمة على قاعدة اللامركزية, لا تكون شيئاً أخر غير الدولة الاتحادية الفدرالية المكونة من إقليمين معادلين لشطري الوطن سابقاً, وطبعاً دون أن يعني هذا مطابقة كل إقليم على نفس المساحة الجغرافية السابقة لكل منهما تماماً. إلا أن هذه الدولة الاتحادية الفدرالية من إقليمين, تنفتح على الدولة الاتحادية الفدرالية من أقاليم اصغر, أو مخاليف كما سبق وورد في وثيقة العهد والاتفاق 1994, أو في وثيقة "رؤية للإنقاذ الوطني" (2009), ففدرالية الأقاليم هي مكملة لفدرالية إقليمي اليمن الكبيرين تعبيراً عن الشراكة في دولة الوحدة.
ولأن مشروع بناء الدولة الوطنية الحديثة يقوم على أساس النظام البرلماني ( ملخص رؤية للإنقاذ ص21) تكون دولة الوحدة المرتجاة كمشروع ضامن لوحدة اليمن هي الدولة الديمقراطية الفدرالية البرلمانية.

3- -
الثورة الشعبية السلمية
والقضية الجنوبية
الحراك الجنوبي الشعبي السلمي, الاجتماعي والسياسي, كما ظهر لنا سابقاً أنه كان الحامل الأول للقضية الجنوبية إلى مساحات الوطن اليمني العريض, والى أفئدة الشعب اليمني عامة, وفي مقدمتها حركة المعارضة الديمقراطية التي يتصدرها "اللقاء المشترك" ,التكتل السياسي الأكبر للمعارضة الديمقراطية والذي رسخ بوضوح القضية الجنوبية وأحقية الشراكة الوطنية الندية للجنوب , فان الثورة الشعبية السلمية اليمنية ولاشك قد عمدت هذا الحق السياسي والتاريخي.
هذا الحق يتعمد من كون الثورة الشعبية السلمية في 11 فبراير 2011 قد عمت الوطن اليمني كله, وشارك فيها كل الشعب اليمني من أقصاه إلى أقصاه, وتوحد فيها الشعب, وفي المقدمة منه الشباب, الذين قدموا التضحيات الجسيمة, وفي المقدمة قوافل الشهداء في كل مدن اليمن وقراها.
ومن ثم فأنه بعد مرور عام على الثورة الشعبية الشبابية السلمية كان الاستخلاص السابق الذكر يزداد ثباتاً وتأكيداً, من حاجة الوطن اليمني إلى بناء دولة الوحدة اليمنية الديمقراطية الحديثة, القائمة على النظام البرلماني, والفدرالية بإقليمين, والمستكملة بفدرالية الأقاليم الفرعية.
ويستخلص الدكتور ياسين سعيد نعمان, الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني خلاصة عام على اندلاع الثورة:
"اليوم وقد تحركت عجلة التغيير بصورة تبعث على الدهشة عند كل من راهن على أن الثورة في اليمن لن تنتهي سلمياً, لابد لنا أن نفخر بجيل شاب تحمل عبء هذه الثورة السلمية الظافرة ويعول عليه أن يواصل عملية التغيير وبناء الدولة المدنية الديمقراطية الاتحاديةدولة المواطنة والعدل والمساواة والحرية (راجع الدكتور ياسين سعيد نعمان إشكاليات من واقع ثورة الفرصة الأخيرة جريدة المصدر صنعاء 7/2/2012م ص 10).
ولمثل هذا الاستخلاص / الدرس الشامل من الثورة الشعبية الشبابية السلمية الذي صرح به الدكتور ياسين سعيد نعمان في نفس اليوم الذي تقدم به الأخ عبد ربه منصور هادي إلى الشعب معلناً برنامجه الانتخابي كمرشح توافقي وطني للانتخابات الرئاسية، أن مرحلة ما بعد يوم 21فبراير 2012 الذي سيشهد رئيساً جديداً للجمهورية تم التوافق عليه وطنياً, ستكون أولى مهماته, حسب وثيقة "الاتفاق بشأن آلية تنفيذ العملية الانتقالية في اليمن وفقاً لمبادرة مجلس التعاون" -وهي بمثابة الإعلان الدستوري الحاكم للمرحلة الانتقالية- ستكون أولى مهماته هو وحكومة الوفاق الوطني حسب المادة 19 / أ :"ضمان انعقاد مؤتمر الحوار الوطني وتشكيل لجنة إعداد وتحضير للمؤتمر ولجنة التفسير والهيئات الأخرى المنشأة بموجب هذه الآلية".
وبحسب المادة 20 :فإنه"مع بداية المرحلة الانتقالية الثانية يدعو الرئيس المنتخب وحكومة الوفاق الوطني إلى عقد مؤتمر حوار وطني شامل لكل القوى والفعاليات السياسية بما فيها الشباب, والحراك الجنوبي, الحوثيون, وسائر الأحزاب, وممثلون عن المجتمع المدني والقطاع النسائي, وينبغي تمثيل المرأة ضمن جميع الأطراف المشاركة".
وكما سيبحث المؤتمرون في مؤتمر الحوار الوطني, وفي صدارتهم الحراك الجنوبي, وشبابهم, في "عملية صياغة الدستور، بما في ذلك إنشاء لجنة لصياغة الدستور" "والإصلاح الدستوري ومعالجة هيكل الدولة والنظام السياسي واقتراح التعديلات الدستورية إلى الشعب اليمني للاستفتاء عليها"، فأن مؤتمر الحوار الوطني ذاته سيقف أيضاً: "أمام القضية الجنوبية بما يفضي إلى حل وطني لها يحفظ لليمن وحدته واستقراره وأمنه" فضلاً عن اتخاذ الخطوات:"للمضي قدماً نحو بنا نظام ديمقراطي كامل".
وتعني المواد السابقة من وثيقة الآلية إن انتخاب الأخ عبد ربه منصور هادي رئيساً للجمهورية يفضي ابتداءً وفي أول خطوة له إلى جعل القضية الجنوبية في صدارة مؤتمر الحوار الوطني حيث:"يقف الحوار أمام القضية الجنوبية بما يفضي إلى حل وطني عادل لها يحفظ لليمن وحدته واستقراره وأمنه وإعادة بناء النظام السياسي للدولة وبناء نظام ديمقراطي كامل".
*********


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.