في الأيام الأولى من الحرب تحول ميناء رصيف السواح بالتواهي إلى مكان يفترشه الناس ينتظرون سفينة تقلهم حتى يتمكنوا من السفر إلى أقرب دولة ومن ثم إلى بلدانهم، كان المشهد في بدايته يخص خروج الأجانب من المدينة، ومع اشتداد المعارك جعل الكثيرين ينزحون من مناطقهم هرباً من شبح الموت والقصف المتزايد على منازلهم، حيث أجبرت كثير من الأسر على افتراش الرصيف في عرض البحر في انتظار قارب يقلهم لإنقاذ ارواحهم صوب منطقة البريقة. وتجربة خروج المواطنين من مناطقهم المحاصرة عبر البحر ربما تكون هي الأولى ووجهتهم الوحيدة والمتاحة أمامهم وسط معارك وحصار واغلاق للطرق البرية، فالسير في الطرقات البرية اثناء اشتداد المعارك كان فيه مخاطر كبيرة تواجه كل من يحاول المرور اثناء احتدام المعارك. تحدث سند عبدالجبار يوسف، مشرف على رصيف السواح بميناء عدن بالتواهي لصحيفة (عدن الغد): " في بداية الحرب استقبل رصيف السواح الأجانب العاملين في المدينة وهنودا وباكستانيين مقيمين في المدينة ومن القنصليات العاملة بعدن ومواطنين من المدينة من الذين يحملون جنسيات اجنبية، ومنهم مرضى يجب نقلهم إلى الخارج، جميعهم ينتظرون تسهيل مغادرتهم. كانت البواخر التي تنقلهم من وسط البحر القريبة من الميناء هي بوارج حربية هندية وفرنسية. يمتلك رصيف مرسى السواح زورقا صغيرا يعرف بزورق رقم (1) يقوم بمهامه على اكمل وجه بنقل النازحين ويتسع لقرابة 40 راكبا، وكان ينقل النازحين بمعدل 10 - 12 رحلة يومية يتم ذلك بالتنسيق مع إدارة الأمن البحري وضابط الميناء برئاسة الكابتن البيشي نائب مدير عام (ضابط الميناء). كان لا يسمح للقوارب بالتحرك من الميناء إلا بوجود من يمثل السلطات والمقاومة وكانوا يشترطون على الشباب اثناء ركوبهم بان يتركوا السلاح لمن سيقاوم واكتفائهم بحمل سلاحهم الشخصي فقط. وأيضا لدى رصيف الضابط البحري تاجان (دحرب) والآخر (خليج عدن) كانا يقومان بإيصال النازحين إلى إحدى الجهتين اما مرسى ميناء الحاويات (المنطقة الحرة) أو مرسى ميناء الزيت بالبريقة. إلى جانب ذلك هناك زوارق خاصة يملكها افراد لكن كانت تأخذ من ركابها مبالغ مالية باهظة تصل لقرابة 150 إلى 200 دولار على كل رحلة من مرساها في رصيف السواح حتى ظهر السفينة او إلى مرسيي المنطقة الحرة بكالتكس وميناء الزيت بالبريقة. كان منهم من يحمل امتعته ويستجلب مواد غذائية من المناطق الامنة كالبريقة ومدينة الشعب والمنصورة والشيخ عثمان، وكذا نقل موتاهم إلى مقبرة أبو حربة بمدينة انماء ". يواصل حديثه " بعد عودة الزوارق والتيجان من رحلتها من رصيف البريقة تقوم جهات مختصة واحيانا تتبع افرادا بجلب التموينات الغذائية والوقود والأدوية وغيرها من المناطق الآمنة التي لم تسيطر عليها تلك القوات، لإيصالها إلى المناطق المحاصرة ". في نفس اليوم الذي كانت تلك القوات تقوم بالتقدم صوب منطقة التواهي ارتكبت مجزرة في الرصيف التابع لمبنى الضابط البحري، قتل وأصيب فيها العشرات من المدنيين، كانوا يحاولون الفرار من موقع هذا الرصيف إلى ميناء الزيت في البريقة، عن المجزرة الفظيعة أوضح سند شهادته عن ذلك الهجوم التي أقدمت عليه قوات صالح ومليشيات الحوثي، قائلا: "هذه المجزرة لا يمكن ان تكون مجرد خطأ، كانوا يعرفون الميناء، نشاطه كان يتركز على نقل المواطنين، كانوا يحاولون ايقاف عملية نزوحهم، وإيقاف نشاط الميناء، في البداية استهدفوا جميع القوارب التي كانت تتجه صوب ميناء الحاويات بكالتكس القريب من ميناء التواهي ". يتابع سند شهادته " الواقعة حدثت في 6 مايو تحديدا الساعة التاسعة والنصف صباحا، برصيف الميناء التابع لمبنى ضابط الميناء وهو المكان الذي يتم فيه إدخال البواخر، في اقل من دقيقة حطت قذيفتان على موقع الرصيف قيل إنها أطلقت من مشارف فندق الصخرة (روك هوتيل) الأولى كانت في البحر على أطراف الدكة (حرف الرصيف) وقوة الانفجار أدت إلى تطاير النازحين الذين كانوا على متن تاج يستعدون للإبحار فمنهم من أصيب واخرون غرقوا، بعدها بثوان معدودات، حطت القذيفة الثانية وسط الدكة حيث كان النازحون متجمعين ومصدومين من هول واثر القذيفة الأولى، حيث شاهدنا الجثث بينهم أطفال ونساء تناثرت أجسادهم وبقيت ملقاة على الرصيف وأخرى طافية على سطح البحر، وأصيب بعض الناجين بجروح خطيرة وتم نقلهم للعلاج إلى المناطق الآمنة بأجسادهم المشوهة والمصابة بالشظايا ". وذكر سند في ختام حديثه للصحيفة بأن الميناء ظل مستمر في عمله ينقل النازحين حتى الساعة السابعة مساءً. وعن بدايات سقوط منطقة التواهي في 6 مايو 2015م روت أم خالد، الموظفة في كلية الطب بجامعة عدن، وإحدى القاطنات في تلك المنطقة ل (عدن الغد) قائلة: " كان صباح ذلك اليوم مرعبا على منطقتنا، حيث دارت اشتباكات بين الحوثة وشباب المقاومة منذ ساعات الفجر، وبسقوط منطقة حجيف بدأت فصول سقوط التواهي، فلم يكن في الحسبان ان يصلوا وتتراجع المقاومة بسبب الضربات الجوية التي اوقعها التحالف بالخطأ ما أدى إلى تسللهم إلى مدخل التواهي حتى أحكموا سيطرتهم عليها، فهدفهم كان السيطرة على مبنى الإذاعة والتلفزيون بأي ثمن. وبدأوا يتجهون إلى مشارف جولة فندق الصخرة (روك هوتيل) ومن هناك كانوا يطلقون القذائف باتجاهنا. خرجنا في ذلك اليوم من منزلنا مع أطفالنا بملابسنا وما خف وزنه، متجهين بسيارتنا إلى ساحلي (رامبو وجولد مور) لكننا فقدنا الأمل في ركوب قارب ينقلنا من ميناء مرسى السواح وكذا من رصيف الميناء بمبنى الضابط البحري (اللسان البحري). اتجهنا مع الناس مسرعين ومذعورين من تفاقم الوضع باستمرار سقوط القذائف العشوائية نحونا، وكل ينجو بحياته ولا يفكر إلا بركوب قارب، لكن هناك اخرين لم يتمكنوا من الفرار وبقوا في منازلهم ". تضيف أم خالد: " لم نستطع الركوب على متن القارب بسبب الزحمة، فذهبنا بسيارتنا إلى نفق القلوعة، ودخلنا شوارعها الخلفية بطلب من شباب المقاومة خوفا على حياتنا من ان يطلق الرصاص علينا، ووصلنا إلى اتجاه الشيخ إسحاق ومن ثم مررنا بالطريق الدائري إلى العقبة وكريتر. جميعنا ندعو الله أثناء السير، حتى وصلنا إلى كريتر، كانت فرصة لأخذ الأهل من كريتر والذهاب إلى المنصورة، وواصلنا السير باتجاه العريش ومن ثم مدينة إنماء بعدها بيومين قررنا السفر إلى حضرموت برغم كل الصعوبات التي واجهتنا لنتجنب الخوف والحصار، الا انه بعد تلك الأوقات المرعبة استطعنا السفر الى حضرموت ". وتشير أم خالد في ختام حديثها للصحيفة " في ذلك اليوم ارتكبت تلك القوات مجزرة فظيعة، لقد كان مشهدا لا يصدق حتى اننا لم نستطع تصوير ما حدث من شدة هلعنا، ولم نتمكن من التقاط تلك المناظر المفزعة للتوثيق، ولكن هول المنظر وكأننا في كارثة يريدون النجاة بحياتهم. ولم نستطع التصوير من ذهول مشاهدتنا للوضع الكارثي وكذا من زحمة البشر، لا تستطيع رؤية رمال الشاطئ، حقا كان يوما فظيعا مر في حياتنا ولن ننساه ابدا ". يقول ماجد عوض هادي ل (عدن الغد): " منذ بداية الحرب نزحت عائلة أهل زوجتي من منطقتهم التواهي إلى المنصورة، لكنني رافقت صهرتي واثنين من أولاد خالتها بالذهاب إلى التواهي قبل سقوطها بيوم لجلب أغراض ثمينة من منزل عمي، كان خط سيرنا الوحيد من البحر بسبب اشتداد المعارك واغلاق الطرقات البرية، صعدنا أحد التيجان من ميناء الزيت بالبريقة لتقلنا مع الركاب وعلى متنها مواد غذائية تتبع أشخاصا يريدون إيصالها إلى المناطق المحاصرة، ووصلنا إلى مرسى ضابط الميناء برأس مربط في التواهي، ثم أخذنا اغراضنا إلا إننا لم نتمكن من العودة في نفس اليوم فاضطررنا للمبيت". ويواصل حديثه " عند السابعة من صباح اليوم الثاني عدت مع صهرتي واولاد خالتها ويرافقوننا عائلات يقربون لهم، وذهبنا إلى رصيف ميناء السواح، ووجدنا كثيرا من الاهالي يزدحمون في انتظار دورهم في الركوب بأحد التيجان او الزوارق الواصلة إلى مرسى البريقة، لكننا لم ننتظر كثيرا بسبب كثافة الناس، رأينا من هذه الزحمة انه لا فائدة ولا نستطيع الصعود فاتجهنا إلى ساحل (رامبو) وتواصلت احدى العائلات المرافقة معنا بأصدقائهم في فقم بالبريقة طالبين التنسيق على ان يأتي إلينا قارب لنجدتنا، فأخبرونا بقدوم عدد من القوارب، وفعلا بدأت القوارب تصل إلى شاطئي (رامبو وجولد مور) لنقل الاسر من النساء والأطفال والشيوخ، كان ذلك في العاشرة والنصف صباحا، حينه كانت الناس منتظرة وصولها وتتقاطر نحوها أكثر، ووجدنا أنفسنا عاجزين عن الصعود في احد تلك القوارب بسبب كثافة الناس، وبعد محاولاتنا ذهبنا إلى شاطئ (جولد مور) كانت الساعة الحادية عشر القارب الأول والثاني لم نستطع ركوبهما بسبب الكثافة نظرا للأسر التي ترافقنا والتي يصل عددها لأكثر من 15 شخصا. بعدها تواصلت شخصيا مع أحد اصدقائي في فقم وابلغته عن عدم تمكنا من الصعود بسبب كثافة البشر ووعدني بأن يعطي رقمي لأحد سائقي المراكب حتى يعرف مكاننا، بعدها تلقينا اتصال من صاحب مركب يخبرنا بقدومه إلينا وبدأنا بالصعود إلى قاربه الذي لا يتسع لجميعنا، بسبب زيادة الركاب وخطورة الحمولة، إلا اننا رفضنا الصعود بسبب ركوب اناس بدلا عن عائلاتنا بعد تشبثهم بالقارب، وسببت لنا مصدر قلق وإزعاج خوفا من وقوعنا بسبب اعدادنا الكثيرة. اضطررنا لإنزال عوائلنا فاكتفيت بالصعود مع صهرتي وأولاد خالتها، وقمنا بحمل كبار السن واحدهم كان معوقا. وبقيت العائلات التي معنا ينتظرون موعد القارب الثاني الذي اتفق معنا في وقت سابق، تقدمنا حتى جاءهم القارب واخذهم بعد ساعة ونصف، ومن ثم وصلت العائلات الأخرى التي كانت معنا ". وتذكر ماجد عند تحركهم من ساحل جولد مور: " أطلقت قذيفة هاون صوب مشارف ساحل جولد مور القريب من الجبل، كما وقع في ذلك اليوم إطلاق نار من قبل افراد مسلحين قرابة سبعة منهم كانوا يعتلون قمة الجبل أطلقوا الرصاص إلى الأسفل كتحذير منهم للمزدحمين في الساحل بأن لا يغادروا ". ولم ينس ماجد في ختام حديثه للصحيفة ما شاهده في ذلك اليوم بقوله: " كان يوما عصيبا ومؤلما، رأيت الناس منهم المرضى والمعوقون، كانوا يصرخون طلبا للصعود في القوارب وسط المياه، وبدأنا بحمل المرضى وكبار السن من النساء، وكذا لحظات وصولنا إلى شواطئ البريقة، حيث انتظر أهالي الخيسة والبريقة وصول النازحين، وأحسنوا استقبالنا وقدموا لنا الماء وعرضوا علينا فتح منازلهم للمبيت فيها ". تعليقات القراء 187051 [1] هده رصيف البيلات وليس السياح الخميس 31 ديسمبر 2015 جنوبي | عدن هده رصيف البيلات وليس السياح