ان المتتبع للمشهد السياسي اليوم ولا سيما في الثلاث السنوات الاخيرة من عمر الربيع العربي لابد له ان يقف جليا وقفة تأمل حيادية ممنهجة ليستقراْ المعالم السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي انبلجت من رحم هذه الثورات التي هبت نسائمها في العديد من الدول العربية .. بيد ان هذه النسمات النقية العليلة من عمر هذه الثورات صاحبتها سموم رياح همجية غير ابهة الى واقع هذه الدول ،فامتزجت في ثناياها لتعطي لكل متتبع صورة ضبابية قاتمة بل ومنذرة الى الانجرار الى قاع هاوية سحيقة فيما اذا استمر هكذا وضع لهذه الثورات التي انتهت من حيث بدأت ول تأتي بالجديد الذي قامت من اجله بل نمت وحسبي ذلك القديم الذي عاشته هذه الشعوب حقبات من الزمن .. وكأني بذه الثورات قد سرقت في لحظة غفلة من هذا الشعب او ذاك ولا يحضرني هنا نظرية ذلك المفكر والعالم الغربي من اصل يهودي (مالتوس) في مسألة الانفجار السكاني ووضع حد لهذا الانفجار حيث يضع مالتوس حلا لهذا التكاثر السكاني ان قال (ويجب ان تنتشر الامراض والحروب والجوع لاسيما لشعوب العالم الثالث من غير الاجناس المتحضرة وصاحبة العلم والتكنلوجية) انتهى حديث مالتوس. وكأني به يستحضر مقدمات هذه الثورات العربية اليوم التي لم تجني منها هذه الشعوب غير الفقر والقتل وتوزيع الاسلحة للامتثال بين العرب في هذه الدول ولا ندلل هنا بما حدث ويحدث في سوريا من قتل لمئات بل لألاف الضحايا وتنكيل وتشريد وتجويع الملايين وليس ليبيا وتونس ومصر واليمن بأحسن حال منها اذا انتشرت الجماعات المسلحة والتفجيرات واقصى لكل طرف للطرف الاخر من الاطراف المتنازعة على سدة الحكم..
أهذا هو الربيع العربي الذي تنشده هذه الشعوب كلا وربي انها بداية الخريف بل انه جحيم هذه الامة التي افتقدت في رموزها تلك المانة التي اولتها لها ..اذا فما الجدوى من كل هذا التخبط والامتثال وتوجيه اصابع الاتهام لكل فيصل الى الفيصل الاخر.. انها المؤامرة يا اعزائي مؤامرة الغرب تحكيها اصابع أخطبوطيه صهيونية خفية لتعيد نتاج تلك الرموز التي اسقطت في عقر دارها ولكن بقناع وردي جميل الظاهر قبيح في الباطن . ان ما يحدث لشعوب هذه الدول كان نتاجا طبيعي لغياب التخطيط واحتكام العاطفة والتشكيك لك طرف من قبل الطرف الاخر واقصاه عن المشهد السياسي وكأني برموز من قاموا بهذه الثورات قد امسكوا صولجان الحق بيدا وباليد الاخرى السيف على رقاب كل من وقف ضد هذه الرموز او قال لا. انها النزعة المالتوسية من تدمير البنية التحتية لهذه الشعوب وكل ثرواتها لتصبح مريضة عاجزة فقيرة معوزة ناهيك عم من قتلوا خلال هذه السنوات ومن هم في غياهب السجون ومن يموتون كل يوم بسبب الامراض والجوع وبالبراميل المتفجرة او الاحزمة الناسفة او السيارات المفخخة او ...الخ.. واننا لم نذهب بعيدا عندما اكدنا ان ما يحدث اليوم لدول هذه الشعوب العربية ومن سيلحقها في القريب مما سيأتي عليهم الدور انها كارثة واي كارثة ان لم تستدرك هذه الشعوب ذلك الخطر الجسيم من جراء تخبطها في اتون الحرب واحراق شعبها بنيرانه فهل يعود ذلك الربيع العربي المنشود الذي سرقته ايادي اثمة في غفلة من هذه الشعوب المهيضة ام ان الخريف سيبقى حتى تسقط كل اوراق اشجاره وتسقط معه كل القيم الانسانية على وجه البسيطة..#