عندما نفقد حبيباً نكتب قصيدة وعندما نفقد حلماً نكتب رواية ، ولكن ماذا نكتب عندما نفقد القدرة على الحلم وتحويل الأمنيات إلى واقع ؟! وماذا نكتب عندما نرى أوطاناً تنهارٌ بكاملها أمامنا ؟ أيُّ صنفٍ أدبيّ علينا ان نكتب ؟ وهل تجدي الكتابة كأداةُ ترميمٍ داخليٍّ وتغيير في الواقعِ المحيط ، إذا كان كل ماحولنا يتهاوى ؟ إني اكتبُ في رغبةٍ مني بإيصال حلمي ببلدٍ آمنٍ ومستقرٍ . إني اتحرّشُ بحلمِ الأمان والاستقرار كي يتحقق !! لعل حلمي .. بل وحلم الجميع يجد طريقه ليتحقق ! اكتشفت بأننا لدينا القدرة على تحقيق أحلام اعدائنا وعندما يكون الأمر متعلقٌ بنا ، أو بمن نحب نعجزُ عن تحقيقِ أحلامنا وأمنياتنا ولو كانت بسيطةً أو كانت حقوقً مشروعةً . هل نصنع شعراً من رماد الأمنيات التي انطفأت ؟ أم نكتب ملحمةً نوثق فيها لمن سيأتون بعدنا زمن أفول نجم شعبنا ، استباقا ليوماً قد يقال فيه: (( الجنوبيون مرّوا من هنا ؟ وهنا كانوا يتقاتلون ويتصارعون مع بعضهم البعض ؟!)) أليس عجيباً أن مامن أمرِ غدا يستفزُّنا أو يثيرُ غضبنا ؟ كم من الصدمات تتالت علينا خلال بضع سنوات وكمم هي كبيرةٌ الأحلامُ القوميةُ والوطنيةُ التي انهارت على مرأى من ذهولنا ؟ والأحداثُ التي ما ظنناها ستحدث ، وهانحن نتقبل حدوثها ؟ لا شيء من كل هذا أشعل غضبنا في عالمٍ يتغير كل يوم ، وقد لانكون سادةٌ فيه . كنّا نرفض التطبيع مع ( إسرائيل ) ونرفض وصاية استعمار وغزوا الشمال للجنوب . فأقترفنا ماهو أخطر من ذلك في حق أنفسنا بقتالنا واحترابنا فيما بيننا وكأننا (الأخوةُ الأعداءُ ) وهذا بتطبيعنا مع اللامبالاة فما الذي حصل لنا ؟ و ما الذي انطفأ فينا حتى غدونا نشاهد أخبارنا على الشاشاتِ وكأننا نشاهدُ أخبار غيرنا ؟! أن تقلع عن الغضبِ ، يعني انك غادرت عنفوانك الأول . أما ان تقلع عن الحلم ، فمعناه ان النكسة ما عادت خلفك بل فيك ! ، وأن أحلامك تواضعت وأهدافك تقلصت وقامت كبريائك انحنت ، وأحرفك المتصبة احدودبت . لنكتب نحتاج إلى حقنا في الغضبِ وإلى واجبُ بقائنا حراساً للذاكرة ، لا كلاب حراسة عند أبواب الأدبِ ، بعد أن غدت ثقافةُ النسيان فرضاً . ذلك أن العروبةَ والهويةَ الجنوبيةَ ليست سياسة ، بل ثقافةً ، بسقوط صرحها نكون قد انتهينا . مدينون نحن الأجمل ماحل بنا لتلك المرات وتلك الانتصارات التي حققناها على أرضِ الجنوبِ الحبيبِ ، علينا مواصلة زخم الإنتصارات ، لا الإكتفاء والتحوّل من المنتصر إلأى الدخول في صراعاتٍ ونزاعاتٍ وفرقةٍ بين الإخوةِ مفادها إثارةُ فتنةٍ بيننا وزعزعة وحدةِ الصفِ الجنوبيِّ. أفتتن بالخاسرات الجميلةِ تلك التي نفقد فيها ماأخترنا خسارته بتفوقٍ ، على مرأى ممن سينحنونَ بعدنا للملمتهِ ام عنفِ جرائمِ الهدر؛ إكراماً للحظةِ زهوٍ لا أشهدُ عليها سوى ضحكتي . لاشيء يستحقُ الإنحناء، ولا خسارةً تستحقُ الندم ؟! إننا اليومَ خسارات أكبر فداحةً من حساباتنا ! إننا بالكتابةِ والكلمةِ نهزم مانخافهُ ، ونكتبُ عن كل ما نريد ، نكتب عن الموتِ كثيراً ، لتغدوا بيننا وبينه الفةً فما جدوى الكتابةُ إذن ؟ وقد أصبحَ الموت عننا أكثر وفرةً من الحياةِ ؟! نكتبُ كمن يصفِّرُ في العتمةِ ليبعد عنه الخوف ، لكن ماعاد من شيءٍ أسوأ ممانحن فيهِ يمكن أن يفاجئنا او يخيفينا فأطفئوا الأضواء ، ماعادت العتمةُ ترعبنا . نحن شعبٌ تتعرض فيهِ أفراحنا الجنوبية بالتطهير العرقيّ ويُغتالُ فينا الأملُ بقرارِ دوليّ وإقليميّ وبأيادي إخواننا في الداخلِ . لعلمهم أننا شعبٌ فقد الأمل بالتطور والنجاةِ والخروجِ من دائرة الأزماتِ ، وإن كنَّا وصلنا للتحرير ، وإننا شعبٌ آيلٌ للسقوطِ وربما الإندثار من كثرةِ القتلِ والتفجيراتِ والإغتيالاتِ الحاصلةِ فرائحةُ الموت والغدر أصبحت تعم أرجاءَ المدينةِ . إننا أمام مشاعرٍ جديدةٍ متدخلةٍ لا أجدُ لها ولا أعرفُ لها أيّ مسمّى !! أهي هزيمةٌ ام نكسةٌ ام نكبةٌ؟ أم هي المؤآمرةُ على الجنوب !! نحتاجُ إلى كلمةٍ جديدةٍ أكبر من كل هذه كلها ، إننا بحاجةٍ إلى ما يعادلُ ما إبتدعوهُ للحبِ من أسماءٍ ومعانٍ ، فليجدوا لحزننا اسماءاٍ جديدةً تليقُ بحجمِ خيباتنا بعدما شارفت أحلامنا بالأمان أن تتبدد وتنتهي .