كثير من المدافعين عن المرأة يحاجون مخالفيهم بالقول إن المرأة هي الأم والأخت والزوجة والابنة ، ولذلك فهي تستحق الإكرام والتكريم . وهذا صحيح لكننا لا ندافع عن المرأة لأنها كذلك . صحيح , الأمومة من أجمل الصفات وأنبلها وفي موروثنا الكثير مما يرفع شأنها و يبجلها , لكن الانحياز إلى المرأة في مظلوميتها لا يكون فقط لكونها أماً او أختاً او حاملة لأي صفة من صفات القرابة لأننا قد نجد بين الأقرباء سواء أكان امرأة او رجلا من لا يستحق الانحياز إليه لأسباب شتى وكثيرة. نحن ننحاز إلى المرأة لأنها إنسانه اولاً وأخيرا, هذه الإنسانة يمكن أن تكون قريبه او نسيبه , ويمكن أن تكون غير معروفه بالنسبة إلينا ولا تربطنا بها صلة دم أو نسب, بل نذهب إلى القول ان الانحياز إلى المرأة هو انحياز إلى الإنسان في معزل عن جنسه, فحين يكون الرجل هو المظلوم في المجتمع يكون انحيازنا إليه بالحماسة نفسها, ونحن حينما ننتصر للمرأة لا ننتصر لأنوثتها , على أهمية الانوثه وضرورتها , بل لإنسانيتها، الانوثه جزء من الإنسانية التي تتسع لتحتضن كل الأجناس والجنسيات والاعراق والثقافات .. الخ الأقربون أولى بالمعروف, نعرف, لكننا لا نستند إلى هذه القاعدة بالمطلق , إذ لو كان الأمر على هذا النحو دائما لكان الرسول العربي الأكرم غض الطرف عن أبي لهب .
إذن سواء أكان المرء قريبا أم بعيدا فإن ما يجعلنا ننحاز إليه او ننفر منه هو مدى إنسانيته واحترامه لهذه الإنسانية في سلوكه وفي علاقاته مع الآخرين, ثم ان الانتصار للمرأة لا ينبع من تفضيل جنس على أخر ، بل إنطلاقاً من واقع تحياه المجتمعات الذكورية ، حيث نجد أن النساء يحرمن من أبسط حقوقهن البديهية بحجج واهية لا يقبلها عقل ولا منطق ، كأن تحرم من التعليم أو العمل و ... فضلاً كما وفي بعض الدول يتم منعها من حق إعطاء جنسيتها لأولادها وعدم مقدرتها على فتح حساب مصرفي لهولاء الأولاد إذا كانت مطلقة والأخيرة تعاني النظرة المتخلفة إلى المطلقات ، حين يجري النظر إليهن بوصفهن فريسات يسهل الإيقاع بهن، ولا ننسى مسألة إجبار الفتيات القاصرات على الزواج المبكر، وغالباً من رجال يكبرونهن كثيراً في السن، لا عد ولا حصر للمشاكل التي تعانيها المرأة في المجتمعات الذكورية ولا يغرنا قول بعض الرجال أنهم صاروا في حاجة إلى جمعيات تدافع عنهم لمجرد إن بعض النساء تبوأن منصباً هنا أو موقعاً هناك ، هذه حالات لا تزال دون المستوى المأمول لأن لنساء نصف المجتمع وربما أكثر، سواء من حيث العدد أم من حيث الدور . لذا بات من الضروري أن تلعب المرأة دوراً مهماً وأكبر ليس فقط في حياتنا الاجتماعية والمهنية، بل في الحياة السياسية والاقتصادية ايضاً، حيث أثبتت نساء كثيرات على مستوى العالم جدارتهن بقيادة بلادهن، وثمة أمثلة كثيرة في تاريخنا المعاصر، فمنهن من قدن بلادهن في مراحل مصيرية ولحظات حرجة وأظهرن كفاءة استثنائية في إدارة دفة الحكم . فما الذي يمنع نسائنا من أن يتولين مواقع قيادية ، ولنا في تاريخنا الإسلامي والعربي أمثلة لا تعد ولا تحصى عن نساء لعبن أدواراً قيادية أو برعن في شتى مناحي الحياة . وكي لا نظل في التاريخ والوقوف على الأطلال ، نشير إلى العدد الكبير للنساء العربيات المتفوقات في الخارج أو في بلادهن ، إذا سمحت الظروف لهن بالتقدم إلى الأمام، إن المجتمع الذي يحترم المرأة ويُعلي شأنها هو مجتمع جدير بالاحترام واحترام المرأة يعني احترام إنسانيتها وعقلها وفكرها وعدم حصر دورها في كونها أماً أو زوجة أو إبنة (وهي صفات نجلها ونحترمها ونقر بأهميتها) عليها أن تضحي دائماً وتنكر ذاتها وحقها المشروع في الحياة الحرة الكريمة، إذ تستطيع المرأة ن تلعب كل هذه الأدوار التي وهبها الله إياها، لكنها أي الأدوار المذكورة لا ينبغي أن تحول دون تقدمها في الحياة وتبوئها ما تستحقه من مكانة ومناصب ومواقع . فالرجل أيضا أب وأخ وزوج وأبن، ولم تمنعه صفاته تلك من لعب الأدوار الموكلة إليه خارج إطار العائلة.
فلماذا نعطل الإمكانات الهائلة التي تملكها نساؤنا. ونحن هنا لا ندعو بالضرورة إلى إحلال المرأة مكان الرجل ولا إلى عكسه، بل إلى تكامل الدورين، لأننا متى انطلقنا من إنسانية الإنسان لا فقط من جنسه نرتقي بمجتمعاتنا إلى أعلى ونسهم في تقدم شعوبنا وبلداننا .
نحترم المرأة وننحاز إليها ، إلى إنسانيتها وأنوثتها وعقلها وقلبها وفكرها ودورها، لا لأنها مجرد قريبة لنا ، بل لأنها تستحق ومتى فعلنا فإننا نحترم دواتنا، نحترم إنسانيتنا .