جامعة عدن مرة أخرى وثالثة ورابعة و .......... وعاشرة، هذا الصرح والحصن الحصين المحصن بكل التعاويذ لصد أي تغيير وتطوير وتحسين، وليظل صامداً ك...الطود الأبكم الأصم الذي لا يحس بالتحولات من حوله، فلم يتأثر لا بالثورة الجنوبية المستمرة منذ 2007، ولا بثورات الربيع العربي التي أطاحت بأنظمة وزعامات وأشعلت حروباً وطنية وإقليمية ودولية؛ كما لم تتأثر بحرب الغزو الشمالية على الجنوب والمستمرة منذ أكثر من عام، ولا بالمقاومة الجنوبية الباسلة وما سطرته من ملاحم في البطولة والتضحية والفداء دفاعاً عن وطن أحبوه واسترخصوا دماءهم وأرواحهم في سبيل حريته وانعتاقه، ومن أجل مستقبل أفضل للجنوب وشعبه؛ كما لم تتأثر هذه الجامعة بكل ما كُتب وما قيل عنها وعن أوضاعها الآخذة في التدهور والانحدار، ولا بنضالات منتسبيها الهادفة لتطوير الجامعة لتأدية الدور المنوط بها باعتبارها المركز الأول للتنوير في المجتمع، كل هذا لم تتأثر به جامعة عدن، فهي مستمرة في إعادة إنتاج الماضي وتدويره، وربما بصورة أسوأ. إن ما يحصل في جامعة عدن يأتي في إطار سياسة تجهيل ممنهجة ظل نظام صنعاء يمارسها في الجنوب وينفذها من خلال قيادات جنوبية في معظمها، ما أدى إلى انحدار التعليم بشكل مخيف، بل ووصوله إلى أدنى درجات الانحدار، فنجد نسبة كبيرة من خريجي الثانوية العامة لا يجيدون كتابة أسمائهم، فيلتحقون بالجامعة التي تتبع سياسة "إقبله جحش يتخرج حمار"، فتعمل الجامعة على تعميق أزمة التعليم وذلك لأن الكثير من هؤلاء يصبحون مدرسين في مرحلتي التعليم الأساسية والثانوية. وهكذا تسير العملية التعليمية في كافة مراحلها من السيئ إلى الأسوأ، وبإرادة أطرافها كافة، أو معظمها، فلكل قاعدة استثناء، والصح هو الاستثناء، الشاذ والغريب في هذا الزمن العجيب، زماننا نحن دون سوانا من الشعوب والأمم. إن أزمتنا كانت على الدوام أزمة "قيادة"؛ وخلال العقدين الماضيين ازدادت هذه الأزمة اتساعاً وعلى كل المستويات، وذلك باعتقادي بفعل استفحال ظواهر الفساد والإفساد التي لم تقتصر على الجوانب السياسية والاقتصادية والإدارية وخلافها، بل شملت المجتمع بأسره حتى وصلت إلى القيم والأخلاق والعلاقات الاجتماعية المختلفة. والنتيجة هي اختلال معايير القيادة، فقد وضعنا معاييرنا الخاصة؛ وأولها الولاء للزعيم القائد؛ وثانيها الانتماء لحزبه؛ وثالثها تنفيذ كل ما يُملأ عليه؛ ورابعها أن يكون فاسداً أو مؤهلاً لذلك. وهكذا تكون قياداتنا في المستويات كافة برضى الحاكم وعلمه، بمعنى أن الفساد عملية مقصودة من الحاكم، فإذا ما وجد ململة في هذه الأوساط رفع راية "محاربة الفساد"، فأقبل الجميع نحوه يحبون على الأربع، بحسب أحد المفكرين المغاربة. ولكنه في الجنوب أفسد الحياة كلها. وهذا هو حال قيادة جامعة عدن؛ فرئيس الجامعة ونوابه وعمداء الكليات ومدراء المراكز العلمية والبحثية هم في الغالب الأعم أعضاء في حزب الزعيم القائد، كما يصبحون تلقائياً أعضاء في لجنته الدائمة بمجرد تعيينهم في هذه المراكز القيادية. كما كانت تتاح لهم الفرص والامكانات للحصول على الألقاب العلمية العالية، بحيث يكونون هم المؤهلين الوحيدين تقريباً لشغل هذه المراكز العلمية الرفيعة، بحسب "اللوائح الجامعية". وقد تشكلت خلال الحرب هيئة سميت "المبادرة الأكاديمية للنهوض بجامعة عدن" بهدف معالجة كافة الاختلالات التي لحقت بالعمل الأكاديمي، وأولها أزمة القيادة، بحيث تكون المعايير الأكاديمية هي الأساس في اختيار رئيس الجامعة ونوابه وعمداء الكليات ونوابهم ورؤساء الاقسام العلمية، بالإضافة إلى معايير أخرى ليس من ضمنها لا الولاءات لشخص الزعيم أو غيره من ذوي النفوذ والسلطة ولا الانتماءات السياسية والمناطقية والقبلية ولا المحسوبية والعلاقات الشخصية والنفعية؛ إن النزاهة والاستقامة والمقدرة الشخصية والصحية وغيرها من المعايير القيمية، تمثل شروطاً أخرى يفترض توافرها في شاغلي مختلف المواقع القيادية والأكاديمية والبحثية في الجامعة. وأود هنا أن أعبر عن احترامي وتقديري لرئاسة جامعة عدن وعمادات الكليات المختلفة وأعضاء هيئة التدريس ومساعديهم وشاغلي وشاغلات مختلف الوظائف القيادية والتنفيذية وغيرهم من منتسبي الجامعة، لما يبذلونه من جهود غير عادية وفي ظروف وأوضاع أمنية استثنائية؛ فقد تحدى الجميع كل الصعاب والمخاطر واستطاعوا إعادة تسيير العمل العلمي والأكاديمي، وإن لم يكن في المستوى المطلوب ولكنه المستطاع. وأود أن أضيف وأقول أن التغيير مطلوب، فهو أساس الحياة والطريق الأمثل للتطوير .