" لو وددتُ أن تكون لكلماتي تأثير عليك , لوددتُ أن تفلح كلماتي في اقناعك أن تتسامح مع هذا البلد , أن تتقبله كما هو . سيكون دوما بلد الأحزاب والفوضى والمحسوبيات والمحاباة والفساد ولكنه كذلك بلد العيش الرغيد والدفء الانساني وبلد أعز أصدقائك ! " ( التائهون ) أمين معلوف هذه الاطلالة من على شرفة المعهد الذي اُدرس فيه لغة انجليزية كل يوم ..المشهد قبيح ومؤلم ..أقف كل يوم أمام هذا الخراب صامتة أتلو ما تيسر من آيات الصبر والأمل وأمضى لطلابي الذين أحاول جاهدة أن أغرس فيهم حسا للمستقبل يمنعهم من السماح للحياة في حوطة لحج أن تبقى كما هي عليه ..! طلابي هم أعز أصدقائي وكل ما أملك للوقوف أمام الحياة بشجاعة وعيشها رغما عن كل شيء ..! طلابي سيكونون قادة المستقبل سيسعفون هذا المجتمع المريض وسيعيدون البسمة لوجه لحج المتعب ..! هذا ما أحاول غرسه فيهم رغم صعوبة الأمر لكنه لا يبدو لي مستحيلا أبدا ..لا أنكر أني مثلكم أعيش أغلب أيامي في احباط شديد خصوصا عندما تتفجر المجاري هنا وهناك وتختلط بالقمامة وأعجز عن استيعاب هذا المشهد , من حقي كمواطنة لحجية أن أفهم لماذا كل هذا الخراب , ولماذا غادرت لحج محرابها الثقافي والحضاري الى فضاء متسخ تصعب الحياة فيه , فضاء مخيف ..مجهول والإنسان عدو ما يجهله ويخافه ونحن هنا لا نريد كبداية سوى أن نفهم ماهي بالضبط أزمة المجاري في المدينة ؟ من المتسبب بها ؟ ما الذي يستلزم لتجاوز هذه الأزمة وحلها حلا نهائيا ؟ ولنفهم أيضا أن تقف أزمة المجاري والقمامة في أولويات قيادة المحافظة الجديدة ؟؟! صدقوني هذه الأسئلة وغيرها الكثير تراودني كل صباح ومساء وما بينهما وتقض مضجعي عن النوم وعن الكتابة أيضا . الناس التي ترمي قمامتها في وسط الشارع أمام سوق الخضار مباشرة تأبى أن تتكدس منازلها بالقمامة بحثا عن مكان مناسب وبعيد هي لاتعلم أن قمامتها تعود اليها ذبابا وبعوضا وأمراضا و حمى الضنك بالتحديد التي تنتشر في المدينة حاليا وفقدت أرواح بسببها ..نحن بحاجة الى دراسة ومشروع جاد ونية صادقة في حل هذه المشكلة نهائيا بتعاون الجميع فالوضع الصحي والبيئي في حوطة لحج لا يخفى على أحد , إذن هو بلد ( تدوير المخلفات) من أكبرها رأس الى القمامة المتكدسة في شارع الحوطة المنكوب . في الأمس استوقفني مشهد لرجل يمشي في المجاري بل يسبح فيها بكل أريحية ولايسلك سلوك الاخرين في البحث عن بقعة نظيفة هنا أو هناك ..حسدت جنون الرجل مطنشا صيحات من حوله : ياحاج أمشي في المكان النظيف ..الرجل سابحا في عالمه .. ضاحكا ساخرا من الجميع ! أمام صيحات الناس حوله تسائلت وهل تبقت حقا بقعة نظيفة ما في لحج لنمشي فيها .. فعلا جنون يخارجك في لحج لأن الوضع لم يعد السكوت أمامه ضربا من السواء والاتزان النفسي .. يبدو أننا جميعا لسنا أسوياء وليتنا مجانين حتى لا يؤلمنا كل هذا المحيط المزعج ..!