حتى اليوم مر أكثر من أسبوع على السنة الميلادية الجديدة 2015م التي تفائلتُ بها عكس كل السنوات السابقة لأسباب لا أعلمها ..ولا أفهمها حقا , رغم أن حوطة لحج احتفلت (بكريسمس) من نوع خاص جدا يختلف عن سابقيه بحجم البؤس الذي ازداد لتبقى لحج بخرابها الحالي وسوداوية المستقبل هما ثقيلا نحمله جميعا هنا عاما بعد آخر . قد يملُ الكثيرون حولي تلك الكلمات التي تُذكي الجراح وتعري الحقيقة , الحقيقة العارية البشعة جدا , تلك التي تندرج تحتها حجم سلبيتنا ويأسنا وفساد المسؤولين الذين أحالوا المحافظة لخراب على كافة الأصعدة تعليما وصحة وأمنا ونظافة وغيرها من الخدمات المهمة لتستقيم حياة سوية للناس . كثيرا ما أؤمن بأنا نستحق حياة لا تشبه هذه وأن أيماننا بالحق هذا يكفينا لنواجهة كل هذه البشاعة بشجاعة ولكني أقف أمام نفسي بواقعية شديدة وأقول ماذا عملنا لنستحق حياة أفضل بينما نحن الآن نقدم الصمت والخذلان لنستحق بجدارة هذا الوضع السيء.
أن تمشي في حوطة لحج وبداخلك الكثير والكثير من الأفكار والأحلام والطموح ثم تمر بمحاذاة الجولة التي تقف تماما أمام (الفرزة) و (سوق القات) بالحوطة لا تستطيع حينها سوى الأصطدام وبقوة بحجم العبث الساخر لواجهة المدينة هي العاصمة لمحافظة منكوبة لم تعش في تاريخها بكل ما مضى فيه ما تعيشه اليوم من فساد لا أدري كيف نتقبله جميها هنا ونتعايش معه وما أعلمه عن يقين أن جولتنا ( المحروسة) لا يوجد لها شبيه ولا حتى في أفقر دول العالم وأشدها بؤسا .
هذه الجولة تجسد واقع المدينة وتختصره بمنتهى الواقعية , الواقع المنكوب الذي ينتظر أيادي كثيرة لإنتشاله مما هو فيه , أيادي قوية شجاعة لا مرتعشة تستطيع أن توقف عبث وشر الحكام المنقطع النظير . كلما أمرُ بجانبها تظهر أمامي حقيقتها المتخيلة في بالي كجولة نظيفة تزينها أشجار وورود وينتصب في منتصفها مجسم تذكاري (معلم تاريخي أو إنساني) يعكس واجهة لحج الحقيقية التي يجب أن تكون لا هذه المفتعلة والمهينة جدا لآدميتنا وكرامتنا وإنسانيتنا . الأشد وجعا أن الصورة الحالية مهينة لتاريخ عريق مممتد تكتظ به ذاكرة المحافظة ويبدو لي مهينة أكثر لأحلام المستقبل الذي لا أدري كيف سنعيشه حقيقة ونحن حتى اللحظة مقيدون نرقب عبث الواقع الساخر منا ..فينا ..بصمت ! .
في الجولة المتهدمة , المتصحرة من حتى ورقة ما لشجرة منسية تنتصب لوحة كبيرة فيها (تحذرات دينية) من مغبة سب الرسول وصحابته وأم المؤمنين (عائشة) وفتاوى حكم الكفر لكل من يقوم بذلك وعلى جانب اللوحة خزان ماء(سبيل) وحوض للشرب وبجانبه كشك صغير كالذي يستخدموه لبيع التمبل أجد فيه من حين لآخر من يجلس عليه ليرتاح أو للحديث مع من جواره , يرتفع علم الجنوب ( جمهورية اليمن الديمقرطية الشعبية)في أقصى العمود في الجولة ليشكل بنفسه واقع الجنوب وقضيته الحلم الذي يرفرف عاليا على أرضية مشوهة وعشوائية وعابثة وكأن الجولة بكل ما سبق ينقصها أن تتضمنها صورة للمستقبل تقف على خراب الحاضر .
أحيانا تكتمل الصورة بأن يستخدم أحدهم الجولة كمكان لبيع أغراضه رأيتُ ذلك أثناء أزمة (نازحي أبين) وكنت أرى أغراض وفرض وملاءات ومعونات للنازحين يتم بيعها هنا بينما يتكرر المشهد هذه الأيام ولكن في بيع أغراض وملابس شتوية. ليس هذا فقط بل تتفجر المجاري بالمحاذاة ليغرق الشارع كاملا بها مع أكوام قمامة تتكدس بكل مكان تعجز عن المشي حينها وتتمنى لو لم تخرج من بيتك لتغرق بحجم الألم هذا . لاتنتهي الصورة هنا بل يزيدها واقعية عبث الدراجات النارية مختلطة بالسيارات مع زحمة المارين مع كظة(سوق القات) الذي يُكمل لمسات العبث والعشوائية في كل مامضى .
أنا لا أستطيع أن أمر من هذا المكان دون أن أقف بعض دقائق في التحديق في كل هذه الصورة تبدو لي مثل لعبة(puzzle ) تحتاج الى لاعب ماهر ليعيد تشكيلها بصورة أكثر مدنية وتحضر وتحتاج لكاميرا مصور فوتوغرافيا محترف تماما مثل (أحمد زكي ) في فيلم ( اضحك الصورة تطلع حلوة) مجسدا دور المصور ( سيد غريب ) الرجل البسيط الذي ينتقل من الريف إلى المدينة ليصطدم هو وابنته بحياة الأستقراطية ومشاكلها ومع ذلك يتكيف مع الوضع دون أن يخسر نفسه , لكن هنا في لحج نصطدم جميعا باللاحياة والتي لا يمكن أن نصنفها تحت اي تعريف ..لنخسر كل شيء سوى بضع أمل بأن هذا العبث الكبير سيتوقف يوما ما .