منذ مدة دعيت الى لقاء دار الحديث فيه حول الوضع في الجنوب واليمن بعد الحرب , وطُرحت اسئلة عن تدخل التحالف العربي في اليمن . في نقطة تدخل التحالف , اشرت الى ان الخطة كانت هي دعم الشرعية برئاسة عبد ربه منصور هادي والقوات الموالية له , لمواجهة مليشيات عبد الملك الحوثي وعصابات علي عبد الله صالح ؛ وبعد ذلك كلنا نعلم فشل عبد ربه وقواته الموالية له , في الدفاع عن عدن وسكانها , وتخليهم عنهم وتركهم بلا عتاد وبلا سلاح لمواجهة مليشيات وعصابات الحوثي وصالح , الذين قتلوا خيرة شباب الجنوب وزهوره اليانعة من الاطفال الأبرياء . وجاء انتصار المقاومة الجنوبية في الضالع ليقلب الطاولة على الجميع ويغير المعادلة , واجبر الجميع على إعادة حساباتهم سواء القوى السياسية من احزاب وتكتلات والقوى العسكرية في الشمال او حتى التحالف العربي , الذي ايقن ان المقاومة الجنوبية هي الحصان الرابح ومن سيحقق النصر , وهو ما كان بفضل من الله سبحانه وتعالى . ومن ثم كيف ان بعد الانتصار كانت القوى السياسية الموالية لصنعاء وللشرعية تبتز التحالف العربي لتحجيم المقاومة الجنوبية وإضعافها , لأنها اذا اصبحت قوية وشكلت جيش نظامي , ستستطيع ان تفرض مطالبها السياسية , وكلنا يعلم اهم تلك المطالب ؛ وبما أن الجنوبيين لن يذهبوا لإسقاط صنعاء , فالتحالف في حاجة لتلكم القوى السياسية وقوتها العسكرية . وهنا يتجه اخواني الجنوبيين نحو احتمال خوف تلكم القوى السياسية والقبلية في الشمال من استقلال الجنوب وهو ما يؤخر إسقاط صنعاء , وهو احتمال وارد بنسبة كبيرة . لكن دعونا نتحدث عن احتمال آخر لا يلغِ الاحتمالات الأخرى ؛ فما نشاهده من احداث تجري في الشمال , تجعلنا نتساءل عن تأخر الحسم في الشمال وإسقاط صنعاء , وهو الهدف الرئيس المعلن من قِبل التحالف والشرعية للحرب التي لازالت تدار رحاها . ومما نشاهده الآن ومما سمعناه , نجد إن ذلك الهدف قد أنخفض سقفه , وأصبح إجبار مليشيا وعصابة للجوء للحل السياسي من قِبل تحالف عشر دول تمتلك إمكانات مهولة يمثل " انتصار " . بينما قد يأتي شخص آخر ويرى إن من المنطقي إن مثل هذا النصر يكون للأضعف وللأقل امكانات , مثلما أجبرت الفصائل الشيشانية الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسن للجلوس على طاولة المفاوضات , فالمنطقي إنه نصر للشيشانيين وليس لروسيا العظمى . وهنا نتساءل كيف يستطيع كل من صالح والحوثي أن يقنعا كل أولئك الناس للوقوف بجانبهما والقتال معهما , وهل من المعقول إن لديهما إمكانات اكبر من قوات التحالف , وإذا كان مؤيدوهما ليسوا كُثر , فإذاً ما الذي يمنع إسقاط صنعاء ! هناك حقيقة ندركها ولكننا نسقطها من حساباتنا , وهي إن المجتمع في الشمال مجتمع قبلي متشبث بعاداته وتقاليده وبعصبيته . وأعتقد انهم يفكرون بالمستقبل ويقيمون وزناً لما سيُقال غداً , فهم أكثر تعاملاً مع السعودية مننا , فإذاً أكثر معرفة بهم , من خلال تاريخ العلاقة بين القبائل والقوى السياسية الشمالية وبين المملكة العربية السعودية الشقيقة . فأعتقد ان هناك احتمال إن علي صالح وعبد الملك الحوثي أقنعا تلكم القبائل والقوى السياسية الشمالية بأن السعودية ستقول غداً أنهم هزموا اليمن واحتلوه , وأنه سيطاردهم هذا العار , وقد يسوقا لهم مثال كيف أن المواليين للتحالف والشرعية اقنعوا التحالف بأنهم حرروا صافر في مأرب - إحدى المحافظات الشمالية – فقاموا بإرسال القوات الإماراتية , التي واجهت أبشع عملية غدر استشهد فيها أكثر من 45 ضابط وجندي وجُرح العديد من إخواننا الإماراتيين . فبالتالي فأن التحالف عندما يسقط صنعاء سيرسل قواته إليها لتبقى تلك الصورة معلقة على حائط التاريخ . وحيث أنهما لن يستطيعا منع تلك القوى من أخذ المال والسلاح , قد يكونا اتفقا معهم على الاستمرار في ذلك ولكن .. اياكم صنعاء . ومن الممكن أن تكون حادثة الغدر تلك دليل " ظرفي " على أن تلك القوى السياسية والقبلية بالرغم من موالاتها للتحالف وللشرعية , إلا انها لن تقبل بتلك الصورة . ودعونا نلتفت الى حقيقة لم ننسها وهي أن الشمال ظل يعتبر الهزيمتين اللتين مُنيّ بهما الشمال في حربي 1972 و 1979 م من قِبل جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية عار , وأن احتلال الجنوب في حرب 1994 م محو لذلك العار , بالرغم من إدعائهم " الباطل " بأننا جزء منهم وكنا دولة واحدة , فما بالكم عندما يُهزموا من قِبل دول الخليج ! ذلك الاحتمال قد يكون منظور من موقع آخر غير الذي نتمترس خلفه , قد يضاف للاحتمالات الأخرى , وقد يساعد في تفسير تلكؤ تلكم القوى السياسية والقبلية الشمالية التي تدّعي موالاتها للتحالف وللشرعية ضد علي صالح والحوثي . في الأخير إن الحقيقة التي اثبتتها الأيام أن المقاومة الجنوبية والجنوبيين الذين حاربوا بإخلاص وببسالة هم رجال الله في ارضه للذود عن الدين , وهم رجال دولة قادرين على حمايتها بشجاعة واقتدار , وهم درع متين للأمتين العربية والإسلامية في هذه البقعة الاستراتيجية من الوطن العربي.