ذكر أحد الزملاء إن اقتصاديي العالم قد اجمعوا في أحد منتدياتهم في بكين أن موانئ العالم أربعة هي دبيوبكين وطوكيو وعدن. وتكمن أهمية ميناء عدن في موقعه الاستراتيجي بالنسبة للتجارة الدولية، ناهيك عن أهميته السياسية والعسكرية الدولية؛ فهو يقع عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر (باب المندب) الذي تمر عبره نسبة كبيرة من التجارة الدولية، كما أن قربه من المياه الدولية (بحوالي 100 كيلومتر) يجعله على مقربة من أكبر خط للملاحة الدولية، وهو ما يعطيه أفضلية أخرى تميزه عن بعض الموانئ المجاورة كميناء "دبي" الذي يبعد بحوالي 1000 كيلومتر عن المياه الدولية. ويضيف الزميل قائلاً أن الصين تقدمت بعروض مغرية وامتيازات دولية لتشغيل وتطوير ميناء عدن، غير أن "الزعيم" صالح قد ربط موافقته بشراكته، كعادته مع مشروعات استثمارية كثيرة أجهضت للسبب عينه. ويضيف أن الزعيم كان يقبض (900) مليون دولار سنوياً في صفقة مشبوهة هدفها، باعتقادي، منع أي تطوير جدي لميناء عدن حتى لا ينافس الموانئ المجاورة، والحيلولة دون تحول عدن إلى منطقة حرة لنفس السبب. اليوم لم يعد لعدن لا ميناء ولا مطار ولا يحزنون، بل لم يعد لعدنٍ عدن؛ فقد تحولت قرية تسرح فيها مختلف أنواع الحيوانات الأليفة والضالة، كما تحولت أيضاً إلى بؤرة للإرهاب، وأصبحت معزولة تماماً عن العالم الخارجي، فلا أحد يستطيع القدوم إليها أو الخروج منها ، كما لم يعد يربطها بهذا سوى ما يحدث فيها من تفجيرات واغتيالات وأعمال إرهابية مخلفة؛ إنه حصار مطبق غير معلن. إن التعطيل شبه التام للميناء والاغلاق التام للمطار بحجة الأوضاع الأمنية غير المستقرة أمر لا يقبله عقل؛ كما أن استمرار الفوضى الأمنية عملية مقصودة من الجهات ذات الصلة؛ فلو كانت هذه الجهات جادة وتريد الخير لعدن لكانت عملت على بناء قوات أمنية وعسكرية فاعلة لحماية عدن وتوفير الأمن والاستقرار والسكينة لمواطنيها، ولكنها لم تفعل لأنها لا تريد، لهدف في نفس يعقوب؛ غير أن ذلك الهدف أو تلك الأهداف باتت مفضوحة يعرفها الجنوبيون جيداً، ولن يسمحوا بتمريرها أو فرضها عليهم. كما لن يسكت الجنوبيون طويلاً على استمرار الفوضى الأمنية وأعمال القتل والتفجيرات، والتعطيل المتعمد لكافة جوانب الحياة الإدارية والقضائية والاقتصادية وخلاف ذلك. ولا أذيع سراً إن قلت أن غالبية المواطنين يشككون في جدية الإجراء الأخير بشأن القات؛ فرغم أنهم مع مثل هذا الإجراء، إلاّ أنهم يرون أن هناك أولويات، أمور أخرى أهم وأولى تتمثل في توفير الحياة الآمنة والمستقرة للمواطنين، وإعادة بناء أجهزة الدولة المختلفة الأمنية والقضائية والإدارية، وتوفير متطلبات الحياة الضرورية من غذاء ودواء وكهرباء وماء ومحروقات وخلاف ذلك. ويقول البعض أن هذا الإجراء هدفه إرباك الحملة الأمنية وتشتيت الجهود؛ فبدلاً من تكثيف الجهود على الإجراءات الأمنية التي بدأت تأتي بنتائج طيبة وملموسة، يذهب جهد كبير لملاحقة باعة القات وترك باعة الموت ينشرون رعبهم في البلاد. لذلك أتمنى على الجهات المعنية أن تتحرك بصورة أفضل وأسرع لإعادة الأمن والاستقرار لعدن، وتطبيع الحياة العامة، وتشغيل الميناء بصورة أفضل، وفتح المطار، والاسراع في بناء قوات أمنية وعسكرية. ولا أقصد بالجهات المعنية حكومة الشرعية في الرياض، فهي في مقدمة المتآمرين على عدن والجنوب، ولا تريد له الخير، ولكني أعني الجهات الفاعلة والموجودة على الأرض ممثلة في دول التحالف بشكل عام، ودولة الإمارات العربية بصورة خاصة، والتي لا أشك في صدق نواياها تجاه عدن والجنوب، على الرغم من وجود أصوات كثيرة تحمل الإمارات مسؤولية استمرار تدهور الأوضاع الأمنية والمعيشية، وأنها تحارب داعش والقاعدة لتحل محلهما جماعات السلفية الجهادية التي تحظى برعايتها، ربما لكي تلعب دورا ما في مستقبل الجنوب؛ ولهذا ربما يتعمدون إبقاء المؤسسات الأمنية والعسكرية في حالة ضعف وفوضى دائمة وذلك حتى لا تتحول إلى قوة تصعب السيطرة عليها. ولكني أقول أن الإمارات أكبر من كل ما يقال، وأتمنى أن تثبت الأيام صحة ما ذهبت إليه. أخيراً أقول لكل المتآمرين أن عدن ستبقى صامدة وستستعيد تاريخها ومجدها ومطارها ومينائها، موطناً للسلام والوئام والمحبة، وستهزم الظلام واللئام.